يسرا طارق
قررت السلطات الجزائرية فرض تأشيرة دخول على المغاربة الراغبين في زيارة الجزائر. لم يفاجأ أحد بهذا القرار، فمنذ إنهاء العبث بمعبر الكركرات من طرف عصابة البوليزاريو وتحول إعلانها للحرب من طرف واحد، عبر سيل من بلاغات الأقصاف ودك الرمال، إلى مسخرة، استولى سعار غريب ومثير للشفقة على السلطات الجزائرية. أنهوا مرور الغاز الجزائري نحو إسبانيا من الأنبوب المار بالمغرب، وقطعوا العلاقات الدبلوماسية ومنعوا الطائرات المغربية، مدنية وعسكرية، من التحليق في الأجواء الجزائرية. ووسط هذا وذاك اتهموا المغرب باقتراف كل الشرور في حق الجزائر، من إشعال النار في الغابات، إلى تأليب الرأي العام الجزائري ضد الدولة، إلى إغراق السوق الجزائري بالمخدرات، إلى التجسس والكولسة لمحاربة الجزائر في السماء والبر والبحر، وفي أروقة المنظمات الدولية والقارية والإقليمية، بل محاربتها حتى في أقمصة الكرة وعشب الملاعب.
طبعا لا تملك السلطات الجزائرية دليلًا واحدا على ما تدعيه، ولا يهمها أن تبحث عن أدلة هي أول من يعرف أنها غير موجودة. ما يهم حكام الجزائر، بالأساس، هو أن يبقوا حالة الاحتقان والتوتر بين البلدين قائمة. إنهم في حاجة لعدو، وعلى هذا العدو المختار، رغم أنفه، أن يلعب هذا الدور، مهما مد يده للسلام والتعاون وتجسيد الأخوة الصادقة، ومهما صبر وصمت إزاء الأذى ومهما تعفف عن القيام بردود أفعال يكفلها له القانون.
الجزائر منذ استقلالها، وللتغطية على انقساماتها الداخلية الحادة، ولإبقاء مشروع عسكرة الدولة من رأسها لأخمص قدميها قائما، احتاجت هذا العدو وهاجمت الحدود المغربية في سنة 1963 لتحصل عليه.
لم يكفها عداء فرنسا، التي يربطها بها حبل سري لا ينفطم، وتدين لها بحجمها الجغرافي وبمواردها الطاقية التي اقتطعت معظم أراضيها من بلدان الجوار، وتحتاجها من حين لآخر لتنشيط ريع الذاكرة، وتكبير عدد الشهداء ومواجهة كوارث الحاضر بأمجاد الماضي. إنها تريد عدوا يشبهها وتشترك معه في الدين واللغة، والتاريخ والمصير، ويمكنها أن تلعب على الحبلين معه، تتحدث عن الأخوة والجوار والتضامن وتوجه له في الآن نفسه الطعنات.
ماذا سيفعل الجيش الجزائري، الذي استولى على الدولة وصار في أمس الحاجة لجبهة معادية ولعدو متربص وعلى القوة الضاربة أن تتصدى له؟ ماذا سيفعل ليشتري السلاح ويترك التنمية، وليخطب ويستعمل كل قاموس القومية العربية في الشتم والتخوين وادعاء العمالة لإسرائيل؟ ماذا سيفعل ليبرر العجز أمام الحرائق وتهاوي الدينار والأزمة الاقتصادية الخانقة والطوابير التي لا تنتهي من أجل الحصول على قنينة زيت أو علبة حليب؟
من سوء حظ المغرب، ورغم كل ما قدمه للثورة الجزائرية، قيادة وشعبا، أنه اختير ليكون عدوا للجزائر، ولن تتنازل أبدًا عن هذا الاختيار ما دامت بنية الدولة في الجزائر على حالها، وما دام المغرب يلعب دور الشماعة التي تُعلق عليها كل إخفاقاتها ومشاكلها.
لن تتحسن علاقة البلدين في المستقبل القريب، وسينتظر قادة الجزائر فرصة قادمة لطرد المغاربة المقيمين في الجزائر، مثلما فعل بوخروبة في 1975 وفي يوم عيد بآلاف المغاربة. لقد قامرت الجزائر بكل أوراقها مع المغرب ولم تنل منه، تبقى واحدة في يدها، أتمنى صادقة أن لا تفكر فيها، لأن فيها خرابها.