شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الحاجة الغربية إلى «طالبان»

 

عبد الإله بلقزيز

 

على اضطرار، أُجْبِرتِ القوات الأمريكية وقوات الحلفاء على الجلاء العسكري عن أفغانستان في صيف عام 2021. سبقت ذلك جولة من المفاوضات بين الأمريكيين ومندوبي حركة «طالبان»، استضافتها الدوحة.

وكان واضحا أن قرار الانسحاب، الذي اتخذه دونالد ترامب وارتضاه جو بايدن بعده، قرار نافذ لا ينتظر أكثر من تفاهم سياسي على تنفيذه في شروط سلمية ومن غير مشكلات أمنية. ثم كان واضحا أن لا أحد في أفغانستان يملك أن يقدم ضمانات الانسحاب للأمريكيين والحلفاء غير «طالبان»، التي وحدها قاتلت وتستطيع إيذاء القوات المنسحبة إن شاءت.

بدا، بعدها، أن للاتفاق في مفاوضات الانسحاب والتفاهم عليه نتائج ومفاعيل تخطت عملية الانسحاب، التي جرت في شروط مناسبة، لتشمل التنسيق بين الفريقين في تمكين الرعايا الأجانب وحملة الجنسيات من الأفغان الراغبين في مغادرة البلاد من الوصول الآمن إلى مطار كابول، بعد أن وقع زحف الآلاف من الناس إلى محيطه، طمعا في الولوج إليه ومغادرة البلاد. ولم ينته التنسيق بعد مغادرة آخر جندي في نهاية الشهر الثامن من العام، بل استمر نشِطا وذا أثر على ما أفاد به الإطراء الأمريكي والأوروبي لحسن تعامل حركة «طالبان»، ثم حكومتها المؤقتة، مع من بقي في أفغانستان من الأجانب والراغبين في مغادرة البلاد.

وما نزال نسمع حتى اليوم، بعد ما يزيد على أربعة أشهر من استكمال عملية الانسحاب العسكري الأمريكي- الأطلسي من الأراضي الأفغانية، تصريحات سياسية بألسنة مسؤولين رسميين في الإدارة الأمريكية وفي الحكومات الأوروبية تشيد بتعامل «طالبان» الإيجابي في تيسير سُبُل المغادرة لمن يريدها. وهي تُساق في الوقت عينه الذي لم تُقدِم فيه أي من تلك الحكومات على الاعتراف، رسميا، بحركة «طالبان» وحكومتها القائمة، بل في الوقت الذي أعلن أكثرها – صراحة- أن الحكومة المؤقتة التي شكلتها ليست شاملة ولا تمثيلية لكل أطياف المجتمع الأفغاني، وبالتالي فهي منقوصة الشرعية مما ترتب عنه عُسْر استفادة أفغانستان من المساعدات الدولية التي تحتاج إليها لتغطية قسم من احتياجاتها.

ما من شك في أن حركة «طالبان» تستفيد من مثل هذا الإطراء غاية الاستفادة في الداخل كما في الخارج، بعد أن حصدت نتائج إيجابية ثلاثا في زمن يسير: الانسحاب العسكري الأطلسي، السيطرة على البلاد وتكوين سلطة، ثم تصفية الجيب المتمرد في الشمال في أيام معدودات. هي تستفيد منه لأنه، في حساب الأشياء، تلميع غربي لصورتها بحسبانها حركة مسؤولة تلتزم بالمواثيق وتفي بالعهود، بعد سنوات طوال من شيطنتها السياسية والإعلامية في الدول الغربية كافة. وهي تستفيد منه لأنه يرقى -عمليا – إلى مرتبة الاعتراف السياسي بها، أو هو – على الأقل – يوحي بأن مثل هذا الاعتراف آت لا محالة، ولا يحتاج الأمر فيه إلا إلى بعض الوقت الكافي لإنضاج شروطه. ثم هي تستفيد منه بحيث تقدمه وكأنه إجازة مفتوحة لها في الداخل لكي تُطْبِق يدها في شؤونه على مقتضى مشيئتها السياسية، خاصة وأن الإطراء ذاك ليس مشروطا ولا مقترنا، في الوقت عينه، بأي ضغط مادي حقيقي من دول الغرب على الحركة وحكومتها ينتقص من شحنة استثمارها السياسي له.

ويبدو أن «طالبان» مطمئنة إلى أنها لن تكون عرضة لمثل هذا الضغط الذي يقيد حريتها في التصرف، وذلك لعلمها بحاجة الغرب إليها في الأمد القريب، وبعدم وجود مصلحة له في قطع خيوط الصلة بها. والواقع أن الحاجة هذه حقيقية لا افتراضية، وهي تفرض نفسها في صور ثلاث منها: في صورة حاجة إلى قوة «طالبان» أداة لتفكيك البنى التحتية للإرهاب في أفغانستان، وخاصة شبكات «الدولة الإسلامية – ولاية خراسان»، التي لم تستطع القوات العسكرية الغربية تدميرها في أفغانستان. ويشار، في المعرض هذا، إلى أن الحركة نفسها سبق أن تعهدت للإدارة الأمريكية – ثم للعالم – بعدم السماح بتحول الأراضي الأفغانية إلى ملاذ جغرافي وسكاني للإرهاب. ولذلك سيضطر الغرب إلى التعاون معها من أجل إنجاز تنظيف البلاد من شبكاته، بعد أن عجزت قواته العسكرية عن تحقيق ذلك لعشرين عاما.

وهي، ثانيا، ستفرض نفسها في صورة حاجة (غربية) إليها كحركة تضع، بإجراءات المراقبة الأمنية، سدا منيعا في وجه تدفق تجارة المخدرات من أفغانستان إلى بلدان الغرب. ويقع في سياق التعويل على دورها كخط دفاعي الرهان على نهوضها بإجراءات تصفية شبكات التهريب، المحلية والعالمية، العاملة في الساحة الأفغانية لعلمه (الغرب) بمعرفة أجهزتها بالكثيرين من العاملين في تلك الشبكات وعلاقاتهم بنظرائهم في بلدان الاستقبال (الغربية).

ثم ستفرض نفسها، ثالثا، في صورة حاجة إليها كنظام سياسي غير معاد، أو كنظام متعاون، لئلا تسقط أفغانستان – اقتصاديا واستراتيجيا- في قبضة الصين أو روسيا أو هما معا، أو أن تبلغ علاقاتها بهما مَبْلغ علاقاتها بباكستان. إن حصل ذلك، ستكون الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب قد خسرت كل سياساتها الاستراتيجية من وراء سيطرتها على أفغانستان في العقدين الماضيين، فانتهت إلى حيث قدمتها هدية لخصميها اللدودين!

نافذة:

يبدو أن «طالبان» مطمئنة إلى أنها لن تكون عرضة لمثل هذا الضغط الذي يقيد حريتها في التصرف وذلك لعلمها بحاجة الغرب إليها في الأمد القريب وبعدم وجود مصلحة له في قطع خيوط الصلة بها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى