الجهات.. رهانات كبيرة
وضعت حرب انتخاب رؤساء ومكاتب الجهات أوزارها وتوافقاتها ودسائسها ومساوماتها، لتبدأ مرحلة عسيرة وشاقة من أجل فرصة ثانية لتنزيل المشروع الجهوي الذي يراهن عليه المغرب كوعاء لإنجاح النموذج التنموي وكل المشاريع الاستراتيجية. لنكن صرحاء مع أنفسنا ونعترف بالفشل الذريع الذي أصاب هذا الورش طيلة الولايتين السابقتين في معالجة المشاكل الاقتصادية والتفاوتات الجهوية العميقة والمُزمنة، وظهر بعد عقد على بداية العمل بدستور 2011 أن كل الإمكانيات الدستورية والمالية والبشرية التي وضعت رهن إشارة الجهات ورؤسائها لم تنه البون الشاسع وعدم التكافؤ في عملية التمكين الاقتصادي، بل حولت بعض الجهات في نهاية المطاف إلى مجرد مصدر لليد العاملة غير المُكلفة، والسلع الزراعية، والمواد الأولية التي تستغلها جهات أخرى، مما أدى بشهادة مؤسسات رسمية إلى تعميق التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية والمجالية، واتساع رقعة الفقر بمعظم الجهات.
لقد فشلت الحكومة والمجالس المنتخبة، رغم تأكيدها على أهمية الجهات في تحقيق الإصلاح الاقتصادي- الاجتماعي، في استخدام مواقعها في السلطة السياسية لتحقيق تغيير يُعتد به، وتبين أن من أوصلهم المواطنون إلى مواقع رئاسة الجهات، رغم الإشارة الملكية باستقبالهم وأدائهم للقسم بين يدي جلالة الملك، عاجزون حتى عن ممارسة اختصاصاتهم التي خولها إياهم الدستور والقانون التنظيمي للجهات، وبدا واضحا أن اثني عشر رئيسا لم يخرجوا من جبة المسؤول التابع للوالي كما كان قبل الدستور وليس سلطة مستقلة تدافع عن اختصاصاتها الذاتية وربح هوامش أخرى من الاختصاصات.
في المقابل، لم تتخلص الحكومتان السابقتان من السياسة الشحيحة التي مارستاها بشأن ما سيحال إلى الجهات من صلاحيات سواء بعنوان الاختصاصات الذاتية أو المنقولة أو المشتركة، وذلك بحجة أن ليس لهذه الجهات الموارد المالية الكافية لممارسة أكثر من ذلك، وأنه ليس للحكومة من الموارد ما يسمح لها بانتهاج سياسة تفويت الاختصاصات، فبقى الوضع على حاله، ولا تحصل النقلة النوعية التي كانت منتظرة بخصوص الجهوية الموسعة.
واليوم يوجد مشروع تفعيل الجهوية ومعه عدد من المشاريع الاستراتيجية للدولة على المحك الحقيقي، فلا يمكن أن ننجح في تنزيل نموذج تنموي بجهات مهترئة ومعطوبة، ومن الصعب جدا تحقيق حماية اجتماعية شاملة وإقلاع اقتصادي بجهات بالكاد تمارس اختصاصات بدائية، ومن المستحيل أن نراهن على عدالة مجالية وتكافؤ في الفرص بين الجهات في ظل غياب أي استراتيجية جهوية ينتجها الرؤساء المنتخبون بعيدا عن وصاية سلطة المراقبة، ولذلك علينا الآن أن نتساءل هل قادت الانتخابات إلى انتقاء أفضل النخب المحلية وهل أعددنا القادة والعدّة الضرورية لإنجاح مشروع الجهوية؟
الجواب سيبقى معلقا إلى حين 2027 لنحكم بكل تجرد.