الجنرال بلخير يقيل مستشار الرئيس بمكالمة هاتفية
يعتبر محيي الدين عميمور في «شهاداته» على العصر الجزائري، أن بطانة الرؤساء كان لها تأثير مباشر على صنع القرار السياسي في الجزائر، رغم أنه كان جد مقرب من ثلاثة رؤساء، «الأسلوب الذي تعاملت به مع الرئيس الشاذلي وكذلك مع الرئيس بومدين هو أن أقول له كل شيء ولا أخفي عنه شيئا، وطبعا ذلك يتم بأدب وبأسلوب لا يصدم الرئيس، ولكن أقول له الحقيقة كاملة ومن جوانبها المختلفة»، وحين يتعلق الأمر بحالة احتقان فإن الرأي السديد والهادئ يصبح أمرا مطلوبا. يقول محيي الدين: «أذكر أن من أهم أسباب أحداث 1988، أن الرئيس لم يكن على اطلاع على حقيقة الأوضاع، مثلا قيل للرئيس إن الانتخابات ستحقق انتصارا لنا، أي لجبهة التحرير الوطني، بحيث تتحصل على حوالي 40 في المائة، والأحزاب التي تسمى بالديمقراطية تتحصل على 30 في المائة، وتبقى جماعة «الفيس» بحوالي 30 في المائة، ولن يستطيعوا فعل أي شيء بها. وهذا كان خطأ فادحا لأنه مجانب كليا للحقيقة والواقع، لأن الانتخابات أفرزت عكس التوقعات واحتل الإسلاميون مراكز القرار في أغلب الدوائر».
كانت الأوضاع الاجتماعية عاملا من العوامل وكان لسوء الأوضاع من الجانب الاجتماعي وقع نتيجة لجهل الرئيس ما يحدث في الشارع وعدم إبلاغه بكل الحقائق، «وأنا عرفت من قبل أحد المقربين من الرئيس آنذاك أنه وبعد بروز المشاكل بالبلاد، خرج الرئيس الشاذلي بن جديد من المكتب غاضبا وهو يقول: «وخذتوني في عميمور كان يقول ليا الحقيقة»».
يعترف الوزير بتهميشه ومحاولات إبعاده عن مركز القرار، ويقول: «كنت في ذلك الوقت إنسانا مهمشا، فقد أنهيت مهامي من رئاسة الجمهورية، الإخوان الفاعلون في الرئاسة كانوا يظنون أنني عنصر ثقيل عليهم، أو مصدر قلق بالنسبة إليهم، أعتقد أن العربي بلخير الذي سيشغل في ما بعد منصب سفير للجزائر في المغرب كان له دور كبير في إبعادي».
خلال زيارة الرئيس الشاذلي بن جديد إلى فرنسا نشر عميمور بعض المقالات والكتابات، حاول البعض تأويل مضامينها من خلال قراءة تسير في اتجاه التأكيد على أن عميمور يحاول التذكير أكثر من اللازم بالرئيس بومدين، وكتبت بعض الجرائد تقول إن عميمور أستاذ الشاذلي وهو حاليا يعلمه.
الأكيد أن الشاذلي بن جديد هو صاحب القرار، وحتى إذا كان هناك إيعاز ولكن القرار الأخير يعود إليه فقط. «طبعا كانت حوله مجموعة تقول له ما تقول وتحرضه ضد أشخاص بعينهم، وتوجد تفاصيل كثيرة في هذا الموضوع» يضيف محيي الدين.
في يناير 1984، اتصل العربي بلخير عن طريق الهاتف بعميمور ونقل إليه خبر الإعفاء، «لقد قال لي بالحرف: يا دكتور، المهمة انتهت ويعطيك الصحة»، والحقيقة أنني غضبت كثيرا لهذا التصرف وقلت له: «يا سي العربي أنا عندي 13 سنة في الرئاسة، وعيب عليكم إنهاء مهامي عن طريق مكالمة هاتفية».
بعد أحداث 1988، تكرر السيناريو بشخوص أخرى سنة 1999، حيث راهن البعض على أعصاب بوتفليقة عشية الانتخابات الرئاسية، تحديدا في أبريل 1999، «عندما انسحب خصومه الستة من الانتخابات، وربما كان رهان المخططين هو أن تفلت أعصاب الرجل، فيعلن الانسحاب، ويضطر رئيس الجمهورية آنذاك، اليمين زروال، إلى إعلان تأجيل الانتخابات لعدم وجود مرشحين، وعندها يعلن المرشحون أن بلاغ انسحابهم لم يكن رسمياً، ويكون من العسير بالطبع على بوتفليقة أن يتراجع، وهكذا تحدث عملية انقلابية بيضاء يطلب فيها من خمسة من المرشحين في الجولة الأولى التكتل وراء سادس، ويفرض الأمر على من يرفض التفاهم، لكن بوتفليقة صمد، وإن لم ينجح، طيلة الأشهر التالية، في التخلص من المرارة التي أصيب بها، ومنافسوه، الفرسان، كما أسماهم خلال الحملة الانتخابية، يفسدون عليه وعلى البلاد كلها عرسا ينهي مرحلة المأتم والخراب. ولم يسترح إلا عندما أجرى الاستفتاء على قانون الوئام المدني».
لكن أسوأ ما حدث هو أن الساحة السياسية حرمت من شخصيات لها وزنها، كان يمكن أن تمارس المعارضة الذكية التي تكون دعما لسلطة الدولة، حتى ولو تناقضت مع سلطة الحكومة، «لقد كنت متحمسا لعودة الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي إلى الساحة، على الأقل للاستفادة من خبرته».
حقق الرئيس انتصارا، فالمذابح التي حدثت في العام الثاني من ولايته لم تنجح، رغم بشاعتها، في إجهاض الوئام المدني، كما لم تنجح عمليات الاستعداء التي قامت بها بعض الصحف الخاصة لإقناع المواطنين بأن «التائبين» تراجعوا عن توبتهم، وبأن الاستئصال هو السياسة الناجحة، وفي أبريل 2001، وكان الرهان دائما هو مقدرة بوتفليقة على التحكم في أعصابه، فقد تصاعدت وتيرة التوتر في منطقة القبائل تحديدا، وكان عود الثقاب الذي أشعل الأحداث هو مقتل شاب قبائلي في مركز الدرك الوطني، تعاملت معه السلطات المعنية بحجم كبير من اللاوعي والتخبط، وبدأت كرة الثلج في التضخم.
وأضاف محيي الدين بلغة الجزم: «لم يكن هناك وطني جزائري يتصور بأن الهدوء الموجود على الساحة هو تسليم بالأمر الواقع، وهكذا كان كثيرون ينتظرون شيئا ما، يشبه أحداث أكتوبر 1988، التي وقعت بعد إغلاق المدرسة الفرنسية في الجزائر، لكن السلطة، لسبب ما، لم تحسن استباق الأحداث والتعامل معها».
ورب ضارة نافعة، فلقد تأكد أن الحزبين السياسيين اللذين احتكرا الحديث باسم منطقة القبائل ليسا بالقوة والأهمية التي حاولا دائما إضفاءها على نفسيهما، وينطبق الأمر بصفة خاصة على التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي اتهمه وزير الداخلية بالتحريض على التخريب، وواضح أن الحزب، الذي لم يحصل على مقعد واحد في انتخابات 1991، كان يحاول ركوب الموجة، بعد أن انسحب وزراؤه من الحكومة عندما تصوروا أن الباخرة ستغرق، وردد كثيرون بأن الرئيس دلل بعضهم أكثر من اللازم، خاصة في ما يتعلق بالمقاعد الحكومية، أو بالتنكر لحلفائه الطبيعيين وللخط العربي الإسلامي.