شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

الجنرالات كانوا يبيعون موارد الدولة لتمويل مشاريعهم الخاصة

يونس جنوحي

الطريقة التي برر بها الجنرال محمد بتشين مصادر تمويله لتوفير ضمان القرض البنكي الذي أسس به معمل الرخام، وهو الموضوع الذي تحدث عنه الجزائريون همسا في المقاهي خلال مرحلة التسعينيات، تبقى «كاريكاتورية» ومضحكة. إذ إن الرجل برر مصادر التمويل ببيع ممتلكات الدولة التي وضعتها رهن إشارته باعتباره جنرالا في الجيش.

يقول هشام عبود إن الأمر عادي جدا في الجزائر، لأن أغلب المسؤولين العسكريين الكبار كانوا يعتبرون ممتلكات الدولة ملكا لهم أيضا. وبالتالي لا يجدون أي حرج في بيع سيارة الخدمة الفارهة التي تضعها الدولة تحت تصرفهم وتمولها من المال العام الجزائري. ولا يجدون حرجا أيضا في بيع الفيلات والشقق الفخمة التي توضع تحت تصرفهم لتسهيل مهامهم العسكرية. تلك الفيلات كانت في ملكية الدولة، لكن نفوذ الجنرالات يمكنهم من بيع أي شيء تحت أيديهم حتى لو كان يدخل في نطاق الملك العمومي الجزائري، ويحصلون على مقابله نقدا لإعادة توظيف الأموال في المشاريع.

في الحقيقة، لم يكن الجنرال محمد بتشين يحتاج إلى قرض بنكي ولم يكن أيضا يحتاج إلى بيع الفيلا التي وضعها الجيش تحت تصرفه، لأنه كان يتوفر فعلا على أموال، ولديه علاقات وطيدة جدا مع رجال أعمال وأثرياء جزائريين مستعدين لتوفير أي مبلغ يطلبه الجنرال بتشين مهما كان عدد الأصفار التي يتضمنها الرقم، مقابل أن ينعم عليهم ببعض الامتيازات أو يسهل لهم الصفقات.

 

مسرحية هزلية

كان الأمر إذن يشبه مسرحية هزلية. يلجأ الجنرال إلى البنك للحصول على قرض لا يحتاجه، علما ألا أحد في الجزائر يجرؤ على حمل سماعة التلفون ليطلب من الجنرال بتشين تسديد أقساطه البنكية، ولا توجد إدارة واحدة في جزائر التسعينيات تقدر على صياغة إخبار أو بلاغ أو قرار إداري يطلب من الجنرال بتشين أو خالد نزار ومن يدور في فلكهما، تسديد ما في ذمته.

ما دام الجنرال ينتمي إلى «نادي الـ11» جنرالا الذين يحكمون البلاد، فإن رئيس الجمهورية نفسه لن يستطيع مطالبته بشيء.

كان هشام عبود يحاول التملص، حسب ما يحكيه في هذه المذكرات، من المقترح الذي جاء به الجنرال بتشين.

الرجل كان يرغب في الدخول إلى المجموعة الإعلامية التي أطلقها هشام عبود، والتي لاقت نجاحا كبيرا بفضل الخط التحريري الذي وُصف بالجريء، وقتها، لصحيفة «الأصيل» التي كانت تصدر باللغة الفرنسية. ورغب الجنرال في أن تصدر أيضا باللغة العربية، على أن يتولى تمويلها من جيب الجنرال بن بوعليا.

ماذا كان يعني هذا؟ الجنرال بتشين كان يريد استعمال صحيفة «الأصيل» في نسختها العربية لكي يوجه السهام نحو خصومه السياسيين والعسكريين، ويمارس ضدهم ضغطا إعلاميا. وعندما ينتهي دور الآلة الإعلامية التي كان في حاجة إليها، سوف يحكم عليها بالإعدام بسهولة ويوقع قرار إغلاقها بنفسه. لهذا السبب حاول هشام عبود الهروب من رئيسه السابق في الجيش والبقاء بعيدا عن ظله.

 

الحاسة السادسة

كان الأمر يتعلق بالحاسة السادسة للصحافي هشام عبود. إذ إنه لو وافق على مشروع محمد بتشين بتلك الصيغة الأولية التي اقترحها الجنرال، لأغلقت الجريدة في ظرف أشهر قليلة فقط، بحكم أن الجنرال بن بوعليا نفسه حكم عليه بالسجن وصودرت ممتلكاته لأن الجنرال بتشين أراد تربيته وتلقينه درسا لكي لا يتجاوز الحدود التي رُسمت له سلفا.

يقول هشام عبود إن الجنرال بتشين كان يحكي له عن مصادر تمويله لمشروع معمل الرخام الضخم، كما لو أن كل الجزائريين بمقدورهم أيضا الحصول بتلك السهولة على التمويل البنكي الضروري لإطلاق مشروع مماثل. بينما في الحقيقة لم يكن الجزائري العادي، حتى لو كان يتوفر على رأسمال للاستثمار، ليستطيع فتح مقهى صغير في شارع هامشي، إذا كان مشروعه سينافس مشروعا في ملكية أحد الجنرالات أو المقربين منهم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى