الجنرالات فرضوا الصمت على الصحافة وعبود اتُهم بالخيانة
يونس جنوحي
لا بد أن غضب الجنرالات في الجزائر سوف يصب على رجال الأمن والضباط الذين تولوا التحقيق مع هشام عبود. إذ رغم أن المدة بين الاعتقال وإصدار الكتاب الذي روى فيه تلك التفاصيل تتعدى خمس سنوات، إلا أن اكتشاف الجنرالات لتساهل بعض رجال الأمن مع عبود أثناء التحقيق معه، لم يمر مرور الكرام. كل تعامل إنساني يعني نوعا من أنواع التعاطف.
إرهابي!
يقول هشام عبود، في هذه المذكرات، إن اعتقاله في نهاية 1994، لم يكن بسبب كتاباته كما اعتقد الرأي العام الجزائري لفترة. وقد كان هذا النفي شجاعة كبيرة منه، لأنه أقر بأن سبب الاعتقال، بحكم علاقاته مع شخصيات في الجيش والسلطة، كان بهدف إلصاق تهمة الإرهاب باسمه. وهي التهمة التي كانت وقتها تقود مباشرة إلى الإعدام بحكم الأحداث الدامية التي كانت الجزائر غارقة فيها، والتي عرفت لاحقا بالعُشرية السوداء.
يقول متحدثا عن التعامل الجيد الذي خصه به هؤلاء الضباط إنه كان مختلفا تماما عن تعليمات الجنرالات الذين أوصوا بإهانته والحط من كرامته وجعل مدة التحقيق كفيلة بإحداث انهيار عصبي لديه. ويواصل، بخصوص واقعة التحقيق معه من طرف «السنتودجي» الشهير الذي كان يذهب أثناء التحقيق إلى مقر الإدارة العامة للأمن الوطني لكي يطلعهم على محاضر التحقيق قبل نهايته ويمدونه بالأسئلة الإضافية لكي يطرحها عليه: «لم يتم اعتقالي بسبب كتاباتي ولا بأي سبب له ارتباط بالصحافة أو الإعلام. لقد أرادوا تقديمي كإرهابي خطير. طرح عليّ «السنتودجي» إذن الأسئلة التي طلبوها منه:
-ما هي علاقتك بحزب الله اللبناني؟ ما هي المساجد التي تتردد عليها؟».
لم يكن سهلا جر هشام عبود وقتها إلى التورط في علاقة بالإسلاميين الجزائريين. إذ كانت المخابرات تمارس انتهاكات خطيرة في حقهم، واتضح لاحقا، من خلال ما فضحه هشام عبود وآخرون، أن جنرالات الجيش ارتكبوا مذابح حقيقية في حق الشعب، وألصقوا التهمة بجبهة الإنقاذ التي كان أعضاؤها والمتعاطفون معها، وحتى المتدينون الذين لا ينتمون إلى أي تيار، يحاولون الفرار من البلاد حتى لا تُنفذ فيهم أحكام الإعدام والتصفيات التي قادها الجيش.
التخابر والقوى الخارجية
يقول هشام عبود إن المهام التي زاولها في المسؤولية أثناء عمله في الجيش جعلته يطلع على الكثير من الأسرار. سوف يأتي بالتأكيد موعد التطرق إليها في هذا الكتاب، لكن بعد أن يُنهي الحديث عن فصول المحاكمة «الطريفة والمأساوية» التي كان مضطرا لعيش فصولها. ومن باب حضوره رفقة مسؤولين جزائريين باعتباره مدير ديوان الجنرال وأحد الذين اشتغلوا في ظل الجنرال المرعب محمد بتشين، فإن هشام عبود غرق في تهمة حاول النظام جعلها على مقاسه، وتتعلق بالتخابر لصالح قوى أجنبية. وهو ما كان يعني بصورة أخرى «الخيانة العظمى». وقد كانت عقوبتها في كل الأنظمة واضحة: الإعدام رميا بالرصاص، خصوصا في الأنظمة العسكرية.
هذه التهمة سمعها هشام عبود لأول مرة في المحكمة، وصُعق هو والحاضرون عندما سمعوها لأول مرة. إذ إن مسار التحقيق كله كان في البداية يتجه نحو إثبات علاقته بالإسلاميين ومحاولة وضعه في خانة التطرف. إلا أن المحاكمة اتخذت منحى آخر، بسبب مقالات صحافي فرنسي كان مراسلا لباريس، وكان مهتما بملف هشام عبود وحاول نقل رأي المتعاطفين مع الصحافي وأفراد أسرته، وهو ما جعل جنرالات الجيش يحاولون المناورة أثناء المحاكمة. لا حاجة طبعا للقول إن رئيس المحكمة كان يتلقى الأوامر من مكاتب الجنرالات الذين أزعجتهم مغادرة هشام عبود للجيش بعد اطلاعه على الأسرار، والتحاقه بالصحافة. وهكذا حاولوا تحريك الملف وزرع المفاجآت داخله.
وما يؤكد ضغط الجنرالات في ملف هشام عبود، ما قاله بخصوص تعاطف الصحافة الجزائرية معه. إذ إن الصحف كانت مرغمة على نقل إما رواية الجنرالات أو الصمت، ووحدها صحيفة جزائرية أثارت قضيته بحياد، فنزل عليها عقاب الجنرالات. يقول: «هذه المرة، المافيا لديها الذريعة المثالية لجعلي أصمت نهائيا وإلى الأبد. كتب في صحيفة أجنبية «التخابر مع قوة خارجية». أمام تهمة بهذا الثقل، لم يتحرك أي صوت للدفاع عني. إلى حد تلك اللحظة، الصحيفة الوحيدة التي أبدت تضامنا حقيقيا معي، هي بدون شك الجريدة اليومية «الوطن». وأدت ثمن هذا التضامن والذي تمثل في منعها عن الصدور لخمسة عشر يوما بدون إشعار بالسبب، لأنها فقط خصصت مقالا عني في نونبر 1994».
هشام عبود