الجمارك تفك قيود وزير الصحة على تصدير الأدوية
بعد الضجة التي أحدثها قرار وزارة الصحة بفرض قيود تعجيزية على تصدير أدوية لا تستعمل في بروتوكول علاج المصابين بفيروس كورونا، والتي وصل صداها إلى البرلمان، أصدر نبيل لخضر، المدير العام للجمارك بوزارة المالية، دورية يلغي بموجبها هذه القيود، التي كبدت الاقتصاد الوطني خسائر جسيمة بالعملة الصعبة.
جاءت دورية مدير الجمارك، الصادرة يوم الجمعة الماضي، لتشكل صفعة قوية لوزير الصحة، خالد آيت الطالب، الذي أصدر دورية تحمل رقم 91 بتاريخ 30 مارس الماضي، لا تستند على أي أساس قانوني، يمنع بموجبها ضمنيا تصدير الأدوية المصنعة محليا بالمغرب، وأغلق باب الحوار مع مصنعي الأدوية المغاربة، في حين فتح أبواب وزارته لممثلي الشركات متعددة الجنسيات من خلال ممثلها الذي يترأس هيئة للصيادلة المصنعين، كما رفض الوزير الرد على أسئلة النواب البرلمانيين حول منع تصدير الأدوية، خلال الاجتماع الذي عقدته لجنة القطاعات الاجتماعية.
خسائر مالية جسيمة
اضطرت الشركات الوطنية للصناعة الدوائية إلى تقديم شكاوى إلى وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، ووزير التجارة والصناعة، حفيظ العلمي، وحذرت من الخسائر الجسيمة التي تسبب فيها قرار وزير الصحة، والتي تقارب مبلغ 250 مليون درهم بالعملة الصعبة. وبعد قرار إدارة الجمارك التي ألغت القيود الواردة في دورية مديرية الأدوية، يطالب صناع الأدوية بتفعيل مبدأ المحاسبة عن هذه الخسائر التي تضر بالاقتصاد الوطني، لأنها أضاعت الملايين من العملة الصعبة التي يحتاجها المغرب في ظل الأزمة الحالية.
وخلال الاجتماع الذي عقدته لجنة القطاعات الاجتماعية، يوم الخميس الماضي، بحضور وزير الصحة، تساءلت النائبة البرلمانية عن الفريق الاشتراكي، ابتسام مراس، عن أسباب منع تصدير أدوية لا تدخل ضمن بروتوكول علاج المصابين بفيروس كورونا. وأوضحت مراس أن الوزارة منعت تصدير الأدوية إلى الخارج، بإصدار دورية تحمل رقم 91، تشترط تقديم العديد من الوثائق التعجيزية للحصول على تراخيص التصدير، مؤكدة أن هذه الوثائق هي من اختصاص الجمارك وليست من اختصاص وزارة الصحة، كما أن أغلب هذه الوثائق متوفرة لدى مديرية الصيدلة والأدوية التابعة للوزارة.
وأشارت النائبة البرلمانية إلى أن رئيس الجمعية المغربية للصناعة الدوائية وجه رسالة إلى وزير الصحة، يطالب فيها بإلغاء هذه الدورية، كما طالب الوزارة بإصدار لائحة الأدوية التي لا يمكن تصديرها. إضافة إلى ذلك، لم تطلب الوزارة من الشركات المغربية المصنعة، معطيات وبيانات حول المخزون الاحتياطي الذي تتوفر عليه لتأمين السوق المغربية، والسماح لها بتصدير الفائض منها خصوصا أن 95 بالمائة من عمليات تصدير الأدوية تقوم بها الشركات المنضوية في إطار هذه الجمعية المغربية، ويصدر معظمها إلى الدول الإفريقية التي يوليها الملك محمد السادس عناية خاصة، نظرا للعلاقات التاريخية التي تربط المغرب بعمقه الإفريقي.
وانتقدت مراس غياب التواصل بين وزير الصحة والشركات المغربية المصنعة للأدوية، وتطرقت في مداخلتها القوية إلى ترويج مراسلة عبر تطبيقات التراسل الفوري، صادرة عن مديرية الأدوية مؤرخة بتاريخ 20 أبريل الماضي، تحت رقم 64، تتضمن لائحة الأدوية الممنوع تصديرها إلى الخارج. وأكدت مراس أن المصنعين لم يتوصلوا رسميا بهذه الرسالة من أي جهة مسؤولة، وبعد ذلك صدرت مراسلة أخرى عن المديرية نفسهاتحمل رقم 65 بتاريخ 20 ماي الماضي، تتضمن نفس لائحة الأدوية الممنوعة، ونشرت هذه المراسلة بالموقع الرسمي لمجلس هيئة الصيادلة الصناع والموزعين، التي يترأسها صيدلي مكلف بشركة متعددة الجنسيات، وطالبت الوزير بتقديم توضيحات حول صدور مراسلتين بنفس المضمون برقمين متتاليين (64 و65) وبتاريخين يفصل بينهما شهر، واعتبرت تضارب الوثائق يثير الكثير من الشكوك.
وبدوره انتقد النائب البرلماني، رشيد حموني، عن المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية، غياب التواصل بين وزارة الصحة ومصنعي الدواء المغاربة، لمعرفة المخزون الاحتياطي من الأدوية، وكذلك الخصاص، وتحديد الأدوية التي يجب صناعتها بوفرة. وأشار حموني إلى التقرير الذي أنجزتها اللجنة البرلمانية الاستطلاعية، التي قامت بزيارة إلى مديرية الأدوية، وأوصى التقرير بضرورة تشجيع الصناعة المحلية للأدوية، من أجل ضمان الأمن الدوائي للمغاربة، لذلك يجب دعم المقاولات الوطنية.
وتطرق حموني إلى تصريح وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، الذي تحدث عن الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الوطني، خلال فترة الحجر الصحي، وتقدر بمبلغ 100 مليار سنتيم يوميا، واقترح النائب البرلماني على وزير الصحة تقديم تسهيلات لتصدير فائض الأدوية لجلب العملة الصعبة. وبخصوص الوثائق التعجيزية التي طلبتها مديرية الأدوية لمنح تراخيص تصدير الأدوية، أكد حموني أن هذه الأدوية تباع بالمغرب، وتتوفر على الإذن بالبيع في السوق، بعدما أدلت بكل الوثائق الضرورية، وأضاف قائلا:«لماذا إذن تطالبون هذه الشركات بوثائق إضافية، هل صحة المغاربة أرخص بالنسبة لكم؟».
شكايات شركات مصنعة للأدوية
تشتكي العديد من الشركات الوطنية المتخصصة في الصناعة الدوائية من خسائر بملايين الدراهم من رقم معاملاتها بالعملة الصعبة، بسبب القيود التي فرضتها وزارة الصحة على تصدير الأدوية إلى الخارج. وأكدت مصادر من الجمعية المغربية لصناعة الأدوية، أن وزارة الصحة أصدرت مذكرة تحمل رقم 91 تمنع ضمنيا تصدير الأدوية إلى الخارج رغم وجود احتياطي من هذه الأدوية التي لا تدخل في البروتوكول العلاجي للمصابين بفيروس كورونا، وذلك من خلال وضع شروط تعجيزية تتجلى في مطالبة أي شركة تريد التصدير بالإدلاء بما مجموعه 11 وثيقة، تسلم لمديرية الأدوية والصيدلة التابعة لوزارة الصحة، قصد الموافقة على منح الترخيص بالتصدير. وأوضحت المصادر أن كل وثيقة تتطلب معالجتها وقتا طويلا، ومنها وثائق تسلمها المديرية نفسها، ما قد يكبد الشركات خسائر مالية جسيمة، بسبب اقتراب مدة نهاية صلاحية الأدوية، وتصبح بالتالي غير مقبولة من طرف الموردين، ما يتطلب مصاريف إضافية لإتلافها.
وصرح مصدر من الجمعية بأن جل تراخيص التصدير التي وافقت عليها مديرية الأدوية، كانت من نصيب الشركات متعددة الجنسيات، رغم أن الشركات الوطنية تعاملت بإيجابية مع كل التوجيهات الصادرة عن الوزارة، بما في ذلك الدورية رقم 89 الصادرة يوم 31 مارس الماضي، من خلال إرسال معطيات دقيقة أسبوعيا حول مخزون الأدوية التي تتوفر عليها، ومخزون المواد الأولية المستعملة في الصناعة الدوائية، كما استجابت هذه الشركات لكل طلبيات الوزارة بتوفير الأدوية المستعملة في البروتوكول العلاجي لفيروس كورونا، لكن هناك كميات كبيرة من الأدوية لا تستعمل في هذا البروتوكول، كانت معدة للتصدير، وهي الآن عرضة للضياع، بسبب انتهاء مدة صلاحيتها. وأوضح المصدر أنه لكي يتم قبول دواء معد للتصدير، يجب أن لا تقل مدة صلاحيته عن 18 شهرا من أصل 24 شهرا التي تحتسب من تاريخ التصنيع، بمعنى إذا تجاوز ستة أشهر بعد التصنيع لا يمكن تصدير هذا الدواء، ولا يمكن بيعه بالسوق الوطنية، لأن علب ومنشورات الأدوية المصدرة للتصدير تكون مكتوبة باللغتين الفرنسية والإنجليزية، في حين يشترط القانون المغربي أن تكون مكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.
وأفاد المصدر بأن الدورية الوزارية رقم 91 الصادرة بتاريخ 31 مارس الماضي، لا تستند على أي سند قانوني، وتخالف مقتضيات المادة 7 من مدونة الأدوية والصيدلة، التي لا تتضمن أي شروط أو ترخيص مسبق لتصدير الأدوية، في حين تتضمن المذكرة شروطا تعجيزية غير قابلة للتطبيق، من ضمنها إدلاء الشركة المصدرة بالعديد من الوثائق لمديرية الأدوية والصيدلة، تتضمن بيانات تتوفر عليها المديرية، ما يعقد ويثقل عملية التصدير بسبب هذه الإجراءات.وأشار المصدر إلى أن هذه المذكرة تم إصدارها باتفاق مع رئيس المجلس الوطني للصيادلة المصنعين، الذي لم يتشاور مع المصنعين، لأنها تخدم مصالح الشركات متعددة الجنسيات فقط.
وحسب المصدر ذاته، فإن الشركات متعددة الجنسيات هي التي أصبحت تتحكم في قرارات مديرية الأدوية بتواطؤ مع مسؤولين كبار بالوزارة، وتفرض شروط التصدير على الشركات الوطنية، في محاولة منها لضرب الصناعة الوطنية، وأكد المصدر أن هناك ثلاث شركات وطنية تمثل أكثر من 70 بالمائة من صادرات الأدوية المصنعة بالمغرب، لم تحصل على الإذن بالتصدير، وأن الشركات التي حصلت على تراخيص لم تتجاوز 10 بالمائة من رقم معاملات الطلبيات المعدة للتصدير.وأفاد المصدر بأن الشركات الوطنية خسرت مبالغ مالية مهمة من رقم معاملات التصدير بالعملة الصعبة، رغم أن البلاد في أمس الحاجة إليها. وتحدث المصدر عن شركات تتوفر على مخزون احتياطي لمدة تفوق خمسة أشهر من الأدوية التي لا تستعمل في البروتوكول العلاجي للمصابين بفيروس كورونا، ورغم ذلك رفضت مديرية الأدوية منحها الإذن بالتصدير، في حين يشترط القانون التوفر على ثلاثة أشهر من المخزون الاحتياطي.
وكشف المصدر وجود مخطط ممنهج بين الشركات متعددة الجنسيات ومسؤولين كبار بوزارة الصحة، لضرب الصناعة الوطنية في ظل الأزمة الصحية، وما تعرفه من إكراهات تهدد هذه الشركات بالإفلاس، حيث تراجعت مبيعات الأدوية بحوالي 75 بالمائة، خلال شهر أبريل الماضي، فيما يشكل تصدير الأدوية 20 بالمائة من رقم معاملات هذه الشركات. ولتأكيد هذا المخطط، تحدث المصدر عن مراسلة جديدة وجهتها المديرة بالنيابة لمديرية الأدوية إلى الشركات المصنعة تحمل رقم 280 بتاريخ 18 ماي، تفرض من خلالها شروطا كذلك على استيراد المواد الأولية التي تدخل في الصناعة الدوائية، التي أصبحت كذلك خاضعة للترخيص المسبق من طرف الوزارة، وتنضاف إلى الترخيص المسبق للتصدير بشروط.