الجزائر وإسرائيل قصة العشق الممنوع والهمس المسموع
على الورق لا وجود لعلاقات رسمية بين إسرائيل والجزائر، إذ تصطف الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية في صف مقاطعة أصبحت جزءا من الماضي، وتصر على أن تحمل صفة الدولة الرافضة للانفتاح على إسرائيل، بالرغم من أن العالم اليوم أصبح قرية صغيرة وأن الإنترنت ألغى الحدود ومكن الشعوب من التعرف على بعضها البعض، دون الحاجة إلى تأشيرة أو جواز سفر حتى، يكفي صبيب من الإنترنت للسفر إلى أبعد نقطة في العالم.
نظريا ترفض الجزائر دخول أراضيها لأي شخص يحمل جواز سفر إسرائيلي، أو أي جواز سفر آخر لديه تأشيرة دخول من إسرائيل، لكن هذا لا يمنع حكام الجزائر من الجلوس حول طاولة الحوار مع الإسرائيليين، فقط يختارون أن يكون اللقاء خارج الجزائر.
في الجزائر كما في باقي دول المغرب العربي، عاشت طائفة كبيرة من اليهود، غالبيتهم رحلوا إلى أوروبا أو أمريكا الشمالية أو إسرائيل، وفي مدن جزائرية عشرات المقابر اليهودية والمعابد الدينية الخاصة بهذه الطائفة. لكن حين شارك المخرج السينمائي الجزائري إلياس سالم بفيلم «الوهراني» في مهرجان أشدود بإسرائيل سنة 2015، وقعت وزارة الثقافة الجزائرية الداعمة للفيلم في ورطة حقيقية، وحاولت الضغط عبثا على المخرج كي ينسحب. وفي السنة نفسها شاركت خمسة أفلام جزائرية في مهرجان لوكارنو، وهو المهرجان الذي كانت إسرائيل ضيفة الشرف فيه. كما أن انضمام الجزائر إلى ميثاق برشلونة، هو إعلان غير مباشر لتطبيع «صامت» مع إسرائيل.
لكن مجلة «ميديا بارت» الفرنسية الشهيرة، كشفت المستور حين فجرت فضيحة من العيار الثقيل تتعلق باتفاق سري بين جنرالات الجزائر وإسرائيل، وأماطت اللثام عن تفاصيل عقد شراكة سري بين البلدين، منذ سنة 2014. وأكدت المجلة الفرنسية الشهيرة بملفات التحقيق الصحافية، أن الجزائر قبلت توقيع الاتفاق التجاري مع إسرائيل، لكن بشرط أن يبقى سرا بوساطة مصرية، حيث تدفق الغاز الجزائري في أنابيب تمر عبر العريش في مصر.
في الملف الأسبوعي لـ«الأخبار» جرد لمواقف التقارب الجزائري الإسرائيلي، ضدا على التصريحات الرسمية.
مصافحة تاريخية بين بوتفليقة وإيهود باراك بجنازة الحسن الثاني
تحدث كثير من الباحثين الجزائريين بإسهاب عن العلاقات الجزائرية الإسرائيلية، إذ اعتبروها خطا أحمر. منذ أنهى الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين مهمة أمين عام الرئاسة، لأن طائرته نزلت في إسرائيل.
وصف الإعلام الجزائري المصافحة بين عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود باراك، في جنازة الملك الراحل الحسن الثاني، بالتاريخية، ساعات على وفاة الحسن الثاني في يوليوز 1999. يتذكر المستشار الإعلامي للرئيس تفاصيل لقاء في جنازة الملك الحسن الثاني، التي عرفت تدفق زعماء ورؤساء من مختلف دول العالم. وغطت مصافحة بين الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، على اللقاءات الثنائية والثلاثية والرباعية التي جرت على هامش الجنازة، لتصبح المصافحة موضوعا مفضلا لوسائل إعلام عربية وإسرائيلية وعالمية.
قالت كتابات صحافيين عرب وهم يدونون الواقعة إنه في يوم الأحد 25 يوليوز 1999، وبينما كان باراك ينتظر في باحة القصر الملكي بالرباط ترتيبات جنازة الراحل الحسن الثاني، مر من أمامه العاهل السعودي فهد بن عبد العزيز، فتجاهل باراك الذي كان مستعدا لمصافحته، ثم مر علي عبد الله صالح، الرئيس اليمني السابق، فتجاهله هو الآخر، وعندما ظهر الرئيس الجزائري السابق من بعيد، التمس باراك من رافي إدري وروبير أصراف، وكلاهما من أصول مغاربية أن يتوجها نحو بوتفليقة الذي جاء إلى حيث يقف باراك، بدون تردد، وصافحه بحرارة قائلا : «لم تكن لنا أبدا مشكلة مع إسرائيل». وبدت المصافحة التي تمت بالصدفة، وكأنها الخطوة التي كشفت ما خفي من علاقات بين الجزائر وإسرائيل أو جبل الجليد، تبعا لوصف صحف إسرائيلية وفرنسية. من جهته، وصف بوتفليقة من طرف صحافة بلاده بالشجاع الذي حقق اختراقا لم تجرؤ عليه السياسة الخارجية الجزائرية سابقا. تلك المصافحة التاريخية جعلت أحد الصحافيين الجزائريين يقول: «الحسن الثاني دارها ببوتفليقة حتى وهو ميت».
أما أحد المقربين من الرئيس الجزائري السابق، فتصدى للصحافيين الذين كتبوا من حبر التطبيع، رغم اعترافه بهول المصاب وقال: «عندما سمعت خبر مصافحة الرئيس الجزائري لرئيس الوزراء الإسرائيلي في القصر الملكي بالرباط، أحسست كما يحدث في رسوم «كارتونية» (الرسوم المتحركة) توم وجيري، كأن آلة بيانو ضخمة وقعت على رأسي، فأنا من جيل كان الصراع العربي الإسرائيلي بالنسبة إليه جزءا رئيسيا من معادلة الحياة».
وأضاف: «ظلت صور دير ياسين ثم صبرا وشاتيلا، وأنباء اغتيالات رجالاتنا عبر عقود خمسة، جزءا من الذاكرة الجماعية لشعبنا، خاصة وأن العدو لم يكتف بالاستيلاء على الأرض، ولكنه حاول دائما تمزيق نفوسنا بالإذلال المستمر والإهانات المقصودة».
لكن التلفزيون الجزائري الذين نقل المصافحة، عمل على بتر تلاقي يد الرئيس الجزائري السابق ويد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، كما ركزت الصور التي صدرت في الصحف الجزائرية على مقابلة وجها لوجه بين الرجلين.+++
مفاوضات جزائرية مع رجال أعمال إسرائيليين
قام الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة خلال زيارته إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، مطلع عهده، بلقاء رجال أعمال يهود، ودعاهم إلى الاستثمار في الجزائر.
كما تعهد الرئيس بوتفليقة ليهود فرنسا الذين التقاهم على هامش زيارته إلى باريس، بالبحث عن اعتراف قانوني بإسرائيل، حال إنجاز التسوية السلمية بالشرق الأوسط. وتقول تقارير إعلامية فرنسية «لوبسيرفاسيون» مثلا، إن اللقاء الذي كان مقررا له نصف ساعة قد امتد لساعة كاملة.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن هنري هاجدنبرج، رئيس الجالية اليهودية الفرنسية، قوله: «إن الرئيس الجزائري أبدى استعداد بلاده للاعتراف رسميا بإسرائيل، وحتى إقامة علاقات مميزة معها، بعد التسوية الشاملة بالانسحاب من الجولان وإقامة دولة فلسطين». وأضاف أن بوتفليقة أعلن بأن الفلسطينيين قدموا الكثير من التنازلات لإسرائيل. واعتبر أن اللقاء يشكل سابقة، موضحا أنها المرة الأولى التي يلتقي فيها الرجل الأول في الجزائر وفدا من المسؤولين اليهود.
وتابع هنري هاجدنبرج، بأنه شارك في اللقاء بصفته رئيسا للمؤتمر اليهودي الأوروبي، الذي يضم 2,5 مليون شخص. وتناولت المباحثات بشكل أساسي الأوضاع في الشرق الأوسط، إلى جانب تذكير اليهود من أصل جزائري، الذين يشكلون حوالي ثلث الجالية الفرنسية اليهودية، بالروابط التاريخية مع وطنهم الأول.
في السياق الدبلوماسي ذاته، انتشرت صور تظهر بوجمعة رويبح، القنصل العام الجزائري في مارسيليا، برفقة معاريف يوشري، الناطق الرسمي باسم القنصلية الإسرائيلية في فرنسا، وتناولتها العديد من منابر الإعلام.
وفي رمضان عام 2017، قام يهوديان بزيارة سرية إلى الجزائر، وحلا بولاية بشار في الجنوب الغربي غير بعيد عن الحدود المغربية، من أجل استكمال إجراءات نقل جثمان أبحصيرة إسرائيل، الحاخام اليهودي الديانة الجزائري الجنسية إلى فرنسا.
لكن أكثر الوقائع جدلا تمثلت في الزيارة، التي قام بها وفد إعلامي جزائري يضم ثمانية صحافيين، في 25 يونيو 2000، إلى الكيان الإسرائيلي، بدعوة من الجمعية الإسرائيلية لتطوير العلاقات بين دول البحر الأبيض المتوسط، وبرعاية من وزارة الخارجية الإسرائيلية.
وفي تلك الفترة أيضا، قدم مجموعة من الأشخاص، يتقدمهم مدير مدرسة في منطقة بوفاريك قرب الجزائر العاصمة، يدعى محمد برطالي، طلب اعتماد الجمعية الوطنية للصداقة الجزائرية الإسرائيلية، لكن السلطات الجزائرية رفضته.
لغز توقيف أمين سر بومدين في مطار تل أبيب
يخصص وزير الإعلام الجزائري الأسبق محيي الدين عميمور جزءا من كتاباته للقضية الفلسطينية، وتحديدا لعلاقات الجزائر مع الكيان ونظريته لأوجه الصراع العربي الإسرائيلي، ويعترف بانتمائه لجيل عاش عمق أزمة الخلاف ومآسيها.
لكن الواقعة التي لم تغادر ذاكرته، وهو يشغل منصب مستشار إعلامي للرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين، هي تلك التي حكمت على العقيد الجزائري جلول بالإبادة السياسية، بسبب حادث عرضي، وكان العقيد يشغل منصب الأمين العام للرئاسة الجزائرية.
في منتصف السبعينات، توقفت طائرة مدنية تابعة للخطوط الفرنسية في مطار إسرائيلي، كانت قادمة من باريس وعلى متنها العقيد جلول، الأمين العام لرئاسة الجمهورية الجزائرية آنذاك، والذي كان في رحلة شهر عسل مباشرة بعد زفافه، وفاته أن يراجع ويتأكد من خط السير، فاعتقله الإسرائيليون.
كان العقيد جلول خطيبا من أقرب المقربين إلى الرئيس بومدين، ولكن ذلك التوقف كلفه مستقبله السياسي، إذ شطب اسمه إلى الأبد من قائمة المسؤولين السامين، وكأن الزفاف كان وبالا على الرجل الذي اعتبر علبة أسرار هواري.
وكان العقيد الزبيري قد أشار إلى بعض الحقائق المثيرة التي ذهبت بذهاب أصحابها، مثل ما حدث لأمين سر الرئيس بومدين العقيد جلول الذي تم إبعاده من الطريق، «وذلك بطريقة بشعة، حيث تم اغتياله بالساطور، وعثر على جثته في 2 يناير 2009 بشارع الشافعي ببلدية المرادية. كان الرجل محل ثقة عمياء لدى المرحوم بومدين، ويعرف الكثير من الخفايا والأسرار التي دفنت مع الراحل بومدين وشيعت مع جلول».
إن واقعة مطار إسرائيل قلبت مسار العقيد رأسا على عقب، يقول عميمور: «أتذكر بأن واحدة من أهم قواعد دبلوماسيتنا تجسدت في قول الرئيس هواري بومدين: نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، وكانت حساسيتنا بالنسبة إلى إسرائيل حساسية فائقة، لدرجة أن الرئيس الراحل طرد الأمين العام للرئاسة الجزائرية نهائيا من محيطه، فقط لأن طائرة كان يستقلها توقفت بدون ترتيب مسبق، في مطار إسرائيلي».
عاش وزير الثقافة الجزائري الأسبق، حين كان يضع الترتيبات الخاصة لانعقاد المهرجان الدولي الخامس عشر للشباب والطلبة في الجزائر، رغم أنه الأول الذي يعقد في عاصمة عربية، منذ ولادة الفكرة في الأربعينات، حيث كان حكرا على دول الكتلة الاشتراكية.
«كانت ضغوط أوروبية قد مورست على الجزائر لقبول مشاركة مجموعة إسرائيلية، أو على الأقل للسماح لمجموعة من «راكاح» ترفع شعار السلام بالدخول إلى الجزائر، وهو ما يعني بطبيعة الحال أن يرفع العلم الإسرائيلي مع الأعلام التي ترفرف فوق ملعب الخامس من يوليوز، وهو التاريخ الذي يرمز ليوم الاستقلال.
رفضت الجزائر كل الضغوط، رغم أن اليهود كانوا قديما جزءا من النسيج البشري الجزائري، وظلوا كذلك إلى عام 1870، عندما اختاروا الجنسية الفرنسية فوضعوا أنفسهم بذلك في صف المستعمر ضد الشعب».
ويقدم محيي الدين عميمور واقعة مماثلة حدثت في عهد الرئيس الأسبق هواري بومدين: «عندما أعاد الرئيس الجزائري طائرة العال الإسرائيلية التي خطفت إلى الجزائر، لمجرد أن الجزائر تدين ترويع المدنيين، وسمعت الجزائر آنذاك من ثوريي المقاهي ما سمعته من اتهامات وشجب وتنديد».
وتواصلت محاولات التطبيع، ففي عام 2001 ظهرت فكرة زيارة سفينة للسلام حملت اسم أوديسا، وكانت في الأصل باخرة حربية رومانية، خطط لها أن تجول في عدد من موانئ البحر الأبيض المتوسط، ومن بينها عدة موانئ جزائرية، وعلى متنها فرق فنية ومسرحية وغنائية.
بالعودة إلى قضية العقيد جلول الذي جنت عليه الخطوط الفرنسية بتوقفها في مطار إسرائيلي، فإن اغتياله وصف بالاغتيال السياسي الغامض للرجل المعروف بكونه «حافظ أسرار» الرئيس الراحل بومدين، قد تكون دوافعه على صلة «بحالة النقاش والسجال السياسي المسجل، أخيرا، بين عدد من كبار قادة نظام حكم بومدين، بشأن قضايا تاريخية تعود إلى عهد الثورة وسنوات الاستقلال الأولى»، كما أوردت الصحافة الجزائرية في متابعتها لواقعة الاغتيال، مركزة في الوقت ذاته على «رمزية» المكان الذي ارتكبت فيه، في إشارة إلى أن الضحية قتل بمنزله الكائن بالمرادية، وبالتحديد على بعد أمتار فقط من مبنى الرئاسة، وعلى مقربة أيضا من مقر إقامة عدد من كبار المسؤولين في الدولة، أمثال رئيس الحكومة الأسبق عبد العزيز بلخادم، والوزير الأسبق محيي الدين عميمور وآخرين، لكن الغريب هو اعتراف زوجته بأنها وراء تصفيته بساطور حين كان نائما، لقساوته مع أفراد أسرته.
جنرالات الجزائر جنبا إلى جنب نظرائهم الإسرائيليين في مناورات «الناتو»
يعترف الحكام الجزائريون بالضغوط التي تمارسها واشنطن وعواصم غربية لدفع الجزائر إلى التطبيع مع إسرائيل، دون أن يحددوا طبيعة الضغوط أو يشيروا إلى اسم البلدان التي كانت تدفع في هذا الاتجاه، خاصة في ظل تقارير صحفية نقلتها الصحيفة الإسرائيلية «جيروزاليم بوست»، حول «تدارس الجزائر لمسألة إرسال مراقبين عسكريين إلى مركز نابولي، قصد المشاركة في مناورات حلف شمال الأطلسي «أكتيف انديفو»، التي تشارك فيها إسرائيل لأول مرة».
«عادة ما تتم الاستجابة للضغوط في حالة انهيار الوضع السياسي والاجتماعي في البلاد، خاصة إذا كانت البلاد منهارة ولا تتوفر على رصيد اقتصادي وسياسي، ولا تأثير إقليمي لها»، موضحا أن هناك مساومات يمكن أن تقع بين الدول، لكن مع الدولة الصهيونية فهي خط أحمر في علاقات الجزائر الدولية، وأنه لا يوجد مسؤول جزائري يفكر في إقامة علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل، أو وجود نوايا لدراسة فكرة إرسال مراقبين إلى مناورات «الناتو»، لكن الصحف العربية الصادرة في العواصم الغربية أكدت بالصورة والكلمة، مشاركة ضباط جزائريين في اجتماعات «الناتو» بحضور إسرائيل.
يعترف المسؤولون الجزائريون بوجود تطبيع «سطحي» مع إسرائيل، بالرغم من تمسكهم بقضية الخط الأحمر، «لم تكن الجزائر غافلة عن أن إسرائيل راغبة كل الرغبة في إقامة علاقات وثيقة معها، تتجاوز حدود التطبيع السطحي إلى أعماق كانت تحلم بها الوكالة اليهودية منذ عهد هرتزل. وربما كانت الأهداف الإسرائيلية المرحلية ترمي إلى الالتفاف حول عملية السلام، لتضغط على الفلسطينيين عبر أصدقاء جدد للكيان الصهيوني. وبالطبع فإن صديقا في وزن الجزائر يمكن أن يكون له دور حاسم في إضعاف القوة التفاوضية، وإرباك الساحة بما يحدثه من توترات بين الجزائر وكل الأشقاء المعنيين بقضية الصراع العربي الإسرائيلي».
مطرب يهودي جزائري يحرج الحكومة الجزائرية
ظهرت بوادر أزمة سياسية أثناء وضع مشروع زيارة إنريكو ماسياس إلى الجزائر، والتي اعتبرتها أوساط إعلامية معينة «عملية تطبيع شعبي مع اليهود الفرنسيين من أصل جزائري»، ليكونوا حصان طروادة للوجود الإسرائيلي المؤثر، فقد رفضت وزارة الثقافة الجزائرية الترخيص للمغني اليهودي رغم أصوله الجزائرية، كي يقوم بإحياء حفلاته في الجزائر، وقيل له إن الوضع الحالي لا يشجع على إقامة الحفل مع دعوته لتأجيله.
اسمه الحقيقي «غاستون غريناسي»، وهو مغني يهودي فرنسي من أصل جزائري. ولد في 11 دجنبر عام 1938، في الحي اليهودي بقسنطينة، اشتهر بلقب مطرب «المليون منفي» كناية عن «الأقدام السوداء»، وهو دائم التغني بالجزائر، وخاصة مدينة قسنطينة. أشهر أغانيه «قسنطينة»، و«غادرت موطني» و«سولنزارا».
«لا أحد منع المطرب الفرنسي إنريكو ماسياس من زيارة الجزائر»، بهذه العبارة رد وزير الاتصال الجزائري الأسبق ناصر مهل، عن القضية التي شغلت الرأي العام منذ عام 2007، بعد منع المطرب الفرنسي اليهودي من أصل جزائري من دخول الجزائر وزيارة مسقط رأسه في قسنطينة، شرق الجزائر، بسبب دعمه للأطروحة الإسرائيلية بماله وفنه. وأضاف الوزير الجزائري أن الفرنسيين الذين يرغبون في زيارة الجزائر مرحب بهم، بمن فيهم إنريكو ماسياس.
ووفقا لصحية «الوطن» الجزائرية، فقد ربط المسؤول الجزائري ما حدث من ضجة حول الزيارة بقوله: «هناك ميل كبير في الجزائر لالتزام الصمت، لأننا لا نريد خلق المشاكل، اليوم وقد انقضت سنوات عن ذلك وأنا عضو في الحكومة الجزائرية لا يسعني سوى تكذيب ماسياس».
لاعب جزائري في الدوري الإسرائيلي يرغب في الانضمام للمنتخب الجزائري
قال الصحافي الجزائري توفيق عمارة إن اللاعب الفرنسي ذو الأصول الجزائرية من جهة والدته، جوردان فوشير، المحترف بنادي ماكابي هرزلية لكرة القدم، الناشط في دوري الدرجة الثانية الإسرائيلي، قد عبر عن أمنيته بحمل ألوان المنتخب الجزائري مستقبلا، مشيرا إلى أنه سيناصر «الخضر» في كأس أمم إفريقيا وسيتابعهم باهتمام كبير جدا، على أمل أن يشارك في المستقبل القريب في هذه المنافسة القارية، ليكون بذلك أول لاعب جزائري يلعب في إسرائيل يحمل ألوان «الخضر»، على حد تعبيره، «وهو الذي لا يدرك جيدا مدى حساسية مثل هذا الموضوع بالنسبة إلى الجزائريين، الذين يرفضون أي تطبيع مع إسرائيل مهما اختلفت ألوانه». وقالت صحيفة «الشروق» الجزائرية، إن اللاعب الفرنسي ذو الأصول الجزائرية، يصنع الحدث في إسرائيل لتصدره قائمة هدافي الدرجة الثانية للموسم الثاني على التوالي، ما جعله محل أطماع عدة أندية ومنها الفرنسية، التي تسعى لإعادته إلى الدوري الفرنسي بعد أن لعب لنادي تور. ويرتبط فوشير بالجزائر بوالدته التي تنحدر من مدينة قسنطينة، كما سبق لخاله فتحي شبال أن لعب للمنتخب الجزائري لكرة القدم سنوات الثمانينات.
وقال جوردان فوشير في تصريحات لصحيفة «لوموند» الفرنسية: «أريد العودة إلى اللعب في فرنسا لأنها ستشكل فرصة لتطوير مستواي، كما سترفع من حظوظي في اللعب للمنتخب الجزائري، لأني أحلم بالمشاركة في منافسة كأس أمم إفريقيا»، مضيفا: «الاتحاد الجزائري لكرة القدم كان مهتما بي في فترة سابقة للعب في الفئات الصغرى، لكنني تعرضت للإصابة بعدها وخرجت من الحسابات. الآن أنا مستعد ولن أتردد في قبول دعوة المنتخب الجزائري، وربما سأكون اللاعب الأول الذي يحترف في إسرائيل ويلعب لواحد من منتخبات شمال إفريقيا».
ليون روني سلطان.. محام يهودي أسس الحزب الشيوعي بالجزائر
ولد ليون سلطان في عائلة يهودية من مدينة قسنطينة الجزائرية عام 1905، داخل أسرة تتكون من ثمانية أبناء، كان يحمل الجنسية الفرنسية بحكم قانون «كريميي»، الذي منح الجنسية الفرنسية لكل يهود الجزائر، حين فتح عينيه على الحياة كان والده يعمل في المرافق العسكرية في قسنطينة.
التحق بكلية الحقوق في الجزائر العاصمة ودرس القانون، ثم عمل محاميا من 1925 إلى 1929 في قسنطينة. وفي عام 1929 انتقل إلى المغرب، وتحديدا مدينة الدار البيضاء، حيث التقى بشباب اشتراكيين واختلط مع المسلمين واليهود، وكان يتحدث اللغتين العربية والفرنسية بطلاقة.
حين استشعرت الإقامة العامة الفرنسية بالمغرب تحركات هذا الشاب القادم من الجزائر، حاصرته بناء على تعليمات الحكومة الفرنسية الفيشية المعادية لليهود، عندما فتح مكتبا للمحاماة وانخرط في هيئة المحامين بالدار البيضاء في نونبر 1929، حيث ساعدته أصوله الجزائرية في فتح قنوات التواصل مع المغاربة، المسلمين منهم واليهود، لكن الإقامة العامة قامت بإغلاق المكتب وطرد ليون من نقابة المحامين.
بتنسيق مع الحزب الشيوعي الفرنسي، شرع في تأسيس فرع للحزب بالجزائر وآخر بالمغرب ومقره بالدار البيضاء، حيث انتخبه المؤسسون أمينا عاما، بدأ التنظيم الحزبي بأعضاء أغلبهم من المثقفين حاملي الجنسية الفرنسية، منهم من جاء من الجزائر، ومنهم فئة قليلة من النخب المغربية المشبعة بالعلم وحداثية التفكير وأسلوب العيش.
عزز الرجل نواة الحزب بجريدة أصبحت لسان هذه الهيئة الشيوعية، وأصدر صحيفة أسبوعية بعنوان: «الوضوح»، وعرف التنظيم مضايقات من الإقامة العامة، وصلت إلى حد منع أنشطته عام 1939، بسبب مساندته للاتفاق الألماني السوفياتي. ظل ليون ورفاقه يشتغلون سرا، رافضين توقيف أنشطتهم، قبل أن تعود الحركة الشيوعية في المغرب عام 1943 بشكل رسمي.
قبل رحيل ليون ظل الرجل ينسج علاقات متينة مع فرع الحزب الشيوعي بالجزائر، وخاصة مع هنري علاق، الصحافي اليهودي الديانة والجزائري الجنسية، الذي عانى مع الاستعمار الفرنسي بعد توقيف إصدار جريدة «الجمهورية الجزائرية»، لسان حال الحزب الشيوعي الجزائري، ومتابعة محرريها بتهمة التحريض على العنف والإرهاب في الجارة الشرقية، والتحق عدد منهم بالمغرب هروبا من المداهمات الفرنسية التي ذهبت إلى إغلاق مقر الحزب الشيوعي، على غرار ما حصل لفرع الحزب بالمغرب.
لكن رحيل ليون لم ينه قلق المقيم العام الفرنسي، حيث صدرت «وثيقة الحزب الشيوعي المغربي»، بعد تولي علي يعتة، الزعيم الثاني للحزب، قيادة التنظيم الذي عقد مؤتمره الوطني في أبريل 1946، وأصدر بيان المطالبة بالاستقلال في 4 غشت من العام نفسه.
برزت صحيفة «الوضوح» للوجود في 19 دجنبر 1936، قد قدمت نفسها أول الأمر كلسان محلي للفرع الفرنسي للأممية الشيوعية، ثم بعد ذلك فضلت إبراز صفتها المغربية، باختيار عبارة «اللسان الجهوي للحزب الشيوعي بالمغرب». لكن ما أن ازدادت تجذرا بدعم الحركة الوطنية، وخلق منظمة مسلحة هي الهلال الأسود التي ساهمت في الكفاح من أجل الاستقلال، حتى سارعت السلطات الفرنسية إلى التصدي لشيوعيي المغرب بكل الوسائل، وتشديد المراقبة على الصحيفة التي كانت تحمل في طياتها مقالات تحرض على الثورة في ركن كان يحمل عنوان: «السياسة المغربية»، مع توقيع مستعار لصاحبه الذي لم يكن سوى ليون روني سلطان.