الجزائر.. نهاية عهد «الرجل المريض»
الشارع الجزائري يجبر بوتفليقة على التخلي عن طموح «العهدة الخامسة»
النعمان اليعلاوي
في قرار مفاجئ، وعلى بعد قرابة شهر من انطلاق حراك الشارع الجزائري الرافض لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، خلال الانتخابات الرئاسية التي كان منتظرا إجراؤها في أبريل المقبل، أعلن الرئيس الجزائري انسحابه من خوض سباق الانتخابات الرئاسية، مؤكدًا أنه لم يمتلك أي نية للترشح. وجاء قرار بوتفيلقة في رسالة إلى الشعب الجزائري، بعد التظاهرات التي خرجت ضده، تتضمن إجراء «تعديلات جمة» على تشكيلة الحكومة وتنظيم الاستحقاق الرئاسي عقب الندوة الوطنية المستقلة تحت إشراف حصري للجنة انتخابية وطنية مستقلة.
منذ إعلان الرئيس بوتفليقة خوضه سباق الرئاسة رسميًا في العاشر من فبراير الماضي، تحولت الجزائر إلى ميادين للتظاهر الشعبي، والاحتجاج السلمي على القرار الذي اعتبروا أنه يأتي عكس رغبتهم. وشاركت في الاحتجاجات الشعبية جميع فئات الشعب الجزائري من صحافيين ومحامين ونقابيين وقضاة ورجال الجيش والسياسة، في واحدة من أشد الحركات الاحتجاجية المنظمة التي شهدتها الجزائر منذ العشرية الدامية السوداء. واستقطبت الجزائر أنظار العالم إليها في احتجاجات رفض العهدة الخامسة لبوتفليقة، منذ إعلانه الترشح لخوض سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة، وسط توترات في المجتمع السياسي نتيجة الحالة الصحية الصعبة التي لا تسمح له بحكم الدولة.
ومباشرة بعد الإعلان الرسمي لبوتفليقة، تفاعل الشعب الجزائري مع ترشحه على وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأت الدعوات لتظاهرات حاشدة للتعبير عن رفض الولاية الخامسة، وتظاهر العشرات من الشعب الجزائري في العاصمة وبعض المدن ضد ترشح الرئيس بوتفليقة للعهدة الخامسة، وأطلق جزائريون دعوة الخروج في مظاهرة رافضة لترشح بوتفليقة للانتخابات الرئاسية. واختاروا يوم الثاني والعشرين من شهر فبراير موعدا لها، قبل أن يخرج بوتفليقة ويدعو الشعب لتغليب مصلحة الجزائر، مؤكدًا أن أمن البلاد «يتطلب الوحدة والعمل والتوافق الوطني».
تصريحات وخرجات بوتفليقة الذي انتقل إلى سويسرا في أحلك اللحظات السياسية لبلده من أجل تلقي العلاج، لم تزد الشارع الجزائري إلا إصرارا على إسقاط مطامح الرئيس المريض في تولي مقاليد السلطة لخمس سنوات إضافية، وانتقلت الاحتجاجات إلى بعض العواصم الأوربية، على رأسها العاصمة الفرنسية باريس التي شهدت تجمعًا شعبيًا يحتج على ترشح بوتفليقة لعهدة جديدة، وشارك في التجمع المئات من أفراد الجالية الجزائرية.
الشارع الجزائري يقول كلمته
منذ إعلان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة رسميا العزم لتقديم ترشحه للبقاء في كرسي السلطة لخمس سنوات إضافية، خرجت تظاهرات في عدة مدن جزائرية على نطاق واسع، شارك فيها المئات، دون تدخل من الشرطة الجزائرية لتفريقها، بعد التحذيرات والدعوات التي أطلقتها عدد من الدول الأوربية ومنظمة الأمم المتحدة، للسلطات الجزائرية من أي قمع لمظاهرات مناهضي بوتفليقة، تلاها خروج عبد الرزاق مقري، رئيس «حركة مجتمع السلم» أو كما تلقب بـ«إخوان الجزائر»، يدعو بوتفليقة إلى سحب ترشحه.
دعوات التيارات السياسية الجزائرية لبوتفليقة بالتراجع عن نية الترشح، والتي قابلها الرئيس المريض بالتجاهل، جلبت المزيد من التظاهرات التي احتشد فيها الآلاف أغلبهم شباب في شوارع العاصمة الجزائرية ومدن أخرى، ضد ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، ولم تمر الأحداث المتسارعة في الجارة الشرقية دون تصادم و«مناوشات» بين السلطة والشارع، ونشبت صدامات بين الشرطة الجزائرية وعدد من المتظاهرين الذين حاولوا الوصول إلى مقر رئاسة الجمهورية، في تظاهرات 22 فبراير.
في المقابل، وفي أول مرة بعد الحراك الشعبي، وجه عبد العزيز بوتفليقة رسالة إلى الشعب الجزائري، ودعاه إلى «التحلي بالوعي حفاظًا على استقرار البلاد»، مؤكدا على «الاستمرارية من أجل بناء الجزائر»، وهي الرسالة التي وجهها بوتفليقة للشعب وهو بصدد مغادرة البلاد من أجل العلاج في سويسرا، تاركا الأزمة السياسية تغرق البلاد، في الوقت الذي فوض الدفاع عن ملف ترشحه لرئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى، الذي قال، في كلمة خلال أحد التجمعات، إن «صناديق الاقتراع» ستحسم مسألة الولاية الخامسة للرئيس، وهو الموقف الذي أجج الغضب من الذي لم ينطفئ في صفوف الشارع الجزائري ليمتد حتى شمل قطاعات كانت تحسب على دواليب السلطة، فاحتج صحفيون من الإذاعة الجزائرية، منددين بعدم السماح لهم بتغطية التظاهرات التي شهدتها البلاد يوم 22 فبراير.
فرنسا تدخل على الخط
الأحداث المتسارعة التي تشهدها الجزائر بسبب العهدة الخامسة لبوتفليقة، لم تكن لتمر دون تعليق من قصر الإليزيه في فرنسا التي دعت إلى «الشفافية الكاملة» في ما يتعلق بالانتخابات الجزائرية المزمعة، وعبرت عن أملها في إجراء الانتخابات في أفضل ظروف ممكنة، ماسكة العصا من الوسط، دون التعبير عن الموقف من ترشح الرئيس. ودفعت المواقف الدولية التي نأت بنفسها عن التعليق في الموضوع أحمد أويحيى، رئيس الوزراء الجزائري، إلى أن يصعد من لهجة خطابه ضد المتظاهرين، يقول إن هناك «حراكًا حقودًا ضد بوتفليقة، رغم ما قدمه للجزائر».
ودخل التجاذب بين السلطة والشارع في الجزائر مع متم شهر فبراير، منعرجا بدا خطيرا بعد تسريب تسجيل صوتي لمحادثة يزعم أنها بين مدير الحملة الانتخابية للرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، عبد المالك سلال وعلي حداد، رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، يهدد فيه المتظاهرين بالسلاح، تهديد لم يثن المتظاهرين عن الخروج في جمعة ثانية ضد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في مشهد وصفته “رويترز” بأنه أكبر تظاهرة تشهدها البلاد منذ 8 سنوات، تظاهرات دفعت بوتفليقة إلى أن يقيل مدير حملته الانتخابية، عبد المالك سلال، ويعين عبد الغني زعلان.
ورغم القرار «الرئاسي» لمرشح الانتخابات «غير المرغوب فيه» بإقالة مدير حملته السابق، استمرت التظاهرات بأعداد ضخمة في العاصمة الجزائرية، وعدد من المدن، وشهدت المظاهرات مقتل أول متظاهر خلال اشتباكات بين الشرطة ومحتجين قرب القصر الرئاسي بالعاصمة الجزائرية، في الوقت الذي لم تعر سلطات المرادية بالا للحادث وواصلت الحملة الانتخابية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة تعنتها في مواجهة مطالب المتظاهرين حيث أقدمت على إيداع أوراق ترشحه رسميًا لدى المجلس الدستوري، قبل ساعات من انقضاء المهلة المحددة لهذه الخطوة.
الجيش يخرج عن صمته
التظاهرات الرافضة للعهدة الخامسة لبوتفليقة زادتها زخما دعوات أحزاب المعارضة الجزائرية وجماعات المجتمع المدني إلى تكثيف الاحتجاجات، وسرعان ما استجابت فئات واسعة من الشعب الجزائري، إذ خرج مئات الطلاب داخل الحرم الجامعي قرب المجلس الدستوري ورددوا هتافات تقول: «لا للعهدة الخامسة» لبوتفليقة، في الوقت الذي استمرت جهود محيط الرئيس الجزائري لإخماد لهيب التظاهرات، ووجه بوتفليقة رسالة إلى الشعب الجزائري، يعدهم فيها بعقد ندوة وطنية شاملة جامعة ومستقلة لمناقشة وإعداد واعتماد إصلاحات سياسية ومؤسساتية واقتصادية واجتماعية، وإعداد دستور جديد يزكيه الشعب الجزائري عن طريق الاستفتاء.
وبالتزامن مع الاحتجاجات والرسائل الرئاسية، تحركت الشرطة الجزائرية فاعتقلت 195 شخصا عقب مظاهرات حاشدة في العاصمة، في الوقت الذي علقت وزارة الخارجية الفرنسية، مؤكدة أن باريس علمت بقرار الرئيس الجزائري الترشح في الانتخابات الرئاسية، و«تأمل أن يجري التصويت في أفضل ظروف ممكنة»، موقف فرنسي «غامض» لم يرجح كفة أي طرف، غير أن الجيش الجزائري كان له موقف آخر خرج به في أول تعليق على التظاهرات التي اندلعت ضد ترشح بوتفليقة.
وفي تعليقاته الأولى على الاحتجاجات التي بدأت الشهر الماضي، تذكر قائد أركان الجيش الفريق أحمد قائد صلاح، الفترة الكئيبة في التسعينيات عندما أدى القتال بين المتمردين الإسلاميين وقوات الأمن الجزائرية إلى سقوط 200 ألف قتيل، ولم تثن تلميحات ولا تهديدات الجيش الشارع الجزائري عن الاستمرار في الاحتجاج، بالتزامن مع تسرب أخبار حول الحالة الصحية للرئيس التي وصفت بالصعبة، وأشارت تقارير سويسرية إلى أن بوتفليقة يعاني من مشكلات تتعلق بالجهاز العصبي والتنفسي.
ورغم مرضه، لم يتوقف الرئيس الجزائري عن توجيه بلاغات ورسائل لمناهضيه، ففي رسالة نشرتها وكالة الأنباء الرسمية، دعا المتظاهرين ضد ترشحه لولاية رئاسية خامسة لتجنب «الفتنة والفوضى»، في المقابل، قوبلت رسائل الرئيس بغضب شعبي، وحشود كبيرة في العاصمة الجزائرية، تتظاهر في الجمعة الثالثة على التوالي، وعاد بعدها الجيش الجزائري ليتحدث مرة ثالثة للشعب، مؤكدًا على أهمية الحفاظ على الاستقرار في الدولة، دعوات لم تنجح في وقف المد الشعبي الجارف الرافض للعهدة الخامسة، واستمرار الاحتجاجات في الجزائر العاصمة والمدن الكبرى.
نهاية حكم بوتفليقة
في العاشر من مارس الجاري، وصل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الجزائر وسط مخاوف من تصاعد الاحتجاجات ضده، واستمرت التظاهرات الرافضة لترشحه، وشارك في الاحتجاجات طلاب ومحامون وقضاة وبعض متقاعدي الجيش السابقين، في إصرار على عدم التراجع إلى حين تراجع الرئيس عن الترشح، إصرار وجد صداه على مضض لدى قيادة قصر المرادية، فأعلن بوتفليقة عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية، وأصدر بيانًا للشعب الجزائري تضمن 7 قرارات أهمها إعداد دستور جديد، وعدم الترشح وتغيير في النظام.
وفي سلسلة إعلانات مساء أول أمس (الاثنين)، قالت الرئاسة إن الانتخابات، التي كانت مقررة في الأصل خلال أبريل، سيتم تأجيلها، لكنها لم تحدد موعدا جديدا، كما سيطرح دستور جديد في استفتاء عام، واستقال رئيس الوزراء أحمد أويحيى وجرى تعيين وزير الداخلية نور الدين بدوي، المعروف بأنه من أعضاء الدائرة المقربة من بوتفليقة، رئيسا جديدا للوزراء، وعين بوتفليقة رمطان لعمامرة، المستشار الدبلوماسي لبوتفليقة، نائبا لرئيس الوزراء، في الوقت الذي بث التلفزيون الرسمي صور اجتماع الرئيس مع رئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، لقطات مصورة لاحتفالات في عدد من شوارع العاصمة الجزائرية الجزائر، بعد إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عدم الترشح لولاية رئاسية خامسة، وجابت مواكب سيارات شوارع العاصمة الجزائر، ولوح المشاركون فيها بأعلام البلاد، احتفالا بعدم ترشح بوتفليقة، بعد نحو أسبوعين من الاحتجاجات المتواصلة رفضا لترشحه.