الجزائر إلى أين؟
رمى أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش الجزائري، بحجرة ثقيلة في بركة السياسة الجزائرية، حين تحدث، في كلمة ألقاها بورقلة خلال زيارة تفتيشية، عن ضرورة إيجاد مخرج للأزمة التي تعيشها البلاد عبر بوابة الدستور، بتطبيق المادة 102 منه التي تنص على شغور منصب رئيس الجمهورية، وتسليم السلطة مؤقتا إلى رئيس مجلس الأمة بعد إقرار المجلس الدستوري بوجود حالة المانع الصحي.
بطبيعة الحال، لم يكن أمام المؤسسة العسكرية من هوامش للتحرك أمام تسونامي الاحتجاجات، والتي اتسعت رقعتها بعد رسالة ترشيح بوتفليقة المستفزة للرأي العام، ليرتفع بعد ذلك منسوب المطالب السياسية من رفض العهدة الخامسة إلى المطالبة بتغيير النظام برمته، ورحيل كافة رموزه بمن فيهم قايد صالح، الذي يعد أحد المقربين جدًا من الرئيس المخلوع.
لذلك، كانت هناك عدة مقدمات يعرفها الجميع جعلت كبير عسكر قصر المرادية يرضخ للمطالب الشعبية، خصوصا عقب إعلان الموالين التقليديين لبوتفليقة مساندة الحراك الشعبي والتخلي عنه، في محاولة للتموقع للمرحلة المقبلة.
وقد فطنت المؤسسة العسكرية بحسها البراغماتي، إلى أن دورها التاريخي في النظام السياسي الجزائري منذ عهد بومدين على المحك، وأن نار الاحتجاجات أصبحت تقترب منها، فلم يعد الرهان إنقاذ الرئيس المريض، بل إنقاذ النظام ولو بالتضحية فورا ببوتفليقة واستبعاد أخيه السعيد ولوبياته من قصر المرادية، بعدما أصبح واضحا للعيان تصدع جدار بيت الحكم في بلد المليون شهيد وخرجت كل القوى السياسية والمهنية تناور لأجل مصالحها وكسب موطئ قدم خلال الترتيبات السياسية المقبلة.
وبدون شك، فإن خطوة المؤسسة العسكرية ودعوتها لتحريك سلاح إعفاء الرئيس ستكون لها عدة نتائج، لحد الآن مازالت مجهولة، وهي مرتبطة بتفاعل الشارع في الجارة الشرقية، الذي يدرك أن عسكر المرادية يلعبون أوراقهم الأخيرة، وأن إشهار الجيش لورقة الإعفاء يعني نوعا من الالتفاف على مطالب الشعب وربما توحد الرأي داخل العسكر حول الشخصية التي ستخلف الرئيس المريض. فالسلطة العسكرية أظهرت مرونة كبيرة مع مطالب الشارع، لكن وفق منطقها وبشكل يضمن لها تسيير مرحلة انتقالية ورسم خريطة طريق الجزائر ما بعد صفحة بوتفليقة.
واليوم الكرة بيد الشارع الجزائري الفاعل الوحيد القادر على تحديد التوزيع العادل للسلطة ووقف تغول المؤسسة العسكرية، التي أدخلت البلد في مغامرات غير محسوبة ومكلفة، خصوصا مع بلد جار كالمغرب ضيع العسكر بسببه على دولة المليون شهيد فرصة إنجاز نهضة تنموية واقتصادية كانت ستفيد المنطقة ككل.