الجدل بشأن إلغاء مجانية التعليم العمومي يعود للمجلس الأعلى مرة أخرى
بالرغم من رفض أغلب أعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لمقترح يهم تحميل الأسر المغربية جزءا من مصاريف تعليم وتكوين أبنائها، فإن المسألة عادت من جديد، وهذه المرة من بوابة القانون الإطار. أصحاب هذه الفكرة أسسوا مشروعهم على استراتيجية الإلغاء التدريجي لمسألة مجانية التعليم، مع إيجاد صيغة، على شاكلة برنامج راميد في قطاع الصحة، باستثناء الأسر الفقيرة من دفع ثمن الخدمات التربوية والتكوينية للمؤسسات التعليمية العمومية. مصادر موثوقة من داخل المجلس الأعلى، أكدت للأخبار، أن مشروع القانون الإطار تبنى مادة تتضمن الإلغاء التدريجي للمجانية في كل مسالك وشعب التعليم الثانوي، ويتعلق الأمر، حسب ذات المصدر بفقرة أثير حولها نقاش ساخن في المجلس الأعلى في مارس الماضي، بسبب رفض أغلب الأعضاء لما تتضمنه بوضوح، في مسألة إلغاء المجانية، وخاصة في التعليم الثانوي، وهو مستوى تعليمي، بحسب الذين طرحوا الفكرة، يتطلب إمكانات مادية لا تستطيع الدولة وحدها توفيرها، خصوصا في المسالك المهنية والتقنية والتي تتطلب وسائل تعليمية باهظة الثمن، فضلا عما تتطلبه من تداريب ميدانية طوال سنوات الدراسة، لذلك فإجبار الأسر على دفع ثمن تمدرس بناتها وأبنائها في السلك الثانوي سيمكن الدولة من تركيز كل مجهوداتها على التعليم الإلزامي، أي التعليمين الابتدائي والإعدادي، وهما سلكان يعانيان من مشكلات عويصة بسبب الخصاص على مستوى الموارد البشرية وكذا ضعف البنيات التحتية والتجهيزات والغياب شبه التام للوسائل التعليمية الحديثة.
«فقرة» أُخرِجَت من الباب وعادت من النافذة
بحسب ذات المصادر، فإن دراسة أنجزتها لجنة خاصة منبثقة عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، حول تمويل المنظومة التربوية، وتمت مناقشتها في مارس الماضي، تضمنت توصيات تهم مستويين لكل منهما خصوصيته وأشكال تمويله، ففيما يتعلق بالتعليمين الابتدائي والإعدادي، أوصت الدراسة باستمرار تحمل الدولة المسؤولية الكاملة لتمويل التعليمين الابتدائي والإعدادي، وفي نفس الوقت إعادة تنظيم التعليم الخصوصي ليكون في المستوى الحقيقي للشراكة فيما يتعلق بهذا المستوى الحيوي من التعليم، وذلك عبر منحه تحفيزات جبائية، ولاسيما للمدارس الخاصة المسهمة في مجهود تعميم التعليم الإلزامي، مع ربط التشجيعات والامتيازات المخولة للمقاولات المستثمرة، خاصة الأجنبية، بمدى مساهمتها في تطوير البحث التنموي.
لكن بشأن المستوى الثاني، أي التعليمين الثانوي والعالي فإن الدراسة تبنت توصيات تقضي بتنويع مصادر التمويل بحيث يتقلص الدور المالي للدولة إلى حدود دنيا، وذلك عن طريق ما أسمته «مساهمة المستفيدين من المرفق العمومي، على أساس مبدأي الاستحقاق والقدرة على الأداء»، وربط المجلس ذلك وفق نمط متباين، على المدى القريب، حسب المسالك بالنسبة للتعليم العالي، وعلى المدى المتوسط بالنسبة للتعليم التأهيلي، تفيد ذات المصادر. مع ضرورة إحداث مساهمة اجتماعية للتضامن من أجل إدماج الساكنة المعوزة في المنظومة، وذلك عن طريق اقتطاع مداخيل ضريبية على الدخل، وعلى الشركات والمتوفرة من عائدات صندوق المقاصة».
حدة النقاش الذي صاحب هذه التوصيات في مارس الماضي، ولاسيما بعد دخول وسائل الإعلام المختلفة على الخط، دفع رئيس المجلس عمر عزيمان إلى تأجيل الحسم في هذه النقطة تماما كما تم تأجيلها إبان صياغة الرؤية الاستراتيجية في مارس 2015 قبل تقديم نسختها النهائية للملك محمد السادس، مصادر الجريدة أكدت، أن التوصية المتعلقة بالتعليم الثانوي تحديدا هي التي أثارت العديد من الاعتراضات أكثر مما أثارته التوصية المتعلقة بالتعليم العالي، ويتعلق الأمر تحديدا بفقرة، أجمع كل أعضاء المجلس على مسحها من التقرير، لكن المفاجئة حسب ذات المصادر، هي أن الفقرة ذاتها عادت، بالنقطة والفاصلة إلى القانون الإطار، وهو ما يعني أن الجهة التي فشلت في تمرير فكرة إلغاء المجانية عبر الجمعية العمومية للمجلس كانت تعول أن تمررها عبر القانون الإطار، علما أن إرجاع مشروع القانون إلى المجلس لم تكن في حسبان من اقترحوها للمرة الثانية، إذ كانوا يعولون أن يتم وضع القانون الإطار في السكة التشريعية المعروفة، ويتم تمريرها من خلال التصويت عليها في البرلمان، لذلك، يفيد ذات المصدر، أن إرجاع الحكومة للمشروع إلى المجلس ليقدم فيه رأيه يعتبر فشلا ذريعا للجهات التي تتبنى إلغاء مجانية التعليم.
حكومة منتهية تطلب رأيا مستعجلا
إرجاع الحكومة لمشروع القانون الإطار إلى المجلس مرة أخرى، أثارت جدلا سياسيا وقانونيا كبيرا، فمن جهة، اعتبرت بعض مكونات المعارضة بأن إرجاع المشروع للمجلس هو خرق للدستور، بسبب الطبيعة الاستشارية الخالصة للمجلس، مستندة إلى كون المكان الطبيعي للتداول في مشروع قانون هو البرلمان، ومن جهة أخرى ثمنت مكونات أخرى داخل المجلس، بما في ذلك رئيسه، خطوة إرجاع المشروع إلى المجلس عبر بوابة «طلب رأي»، لاسيما في ظل وجود تخوفات لا يخفيها أعضاء اللجان الدائمة، بتضمين القانون توصيات تتعارض مع توجهات الرؤية الاستراتيجية، أي تخوفهم من أن يتم تمرير مواد تعطي الطابع الإلزامي لأفكار تم رفضها أثناء التداول في الجمعية العامة للمجلس، من هنا رأوا أن إرجاع المشروع إلى المجلس هو خطوة لتنقية القانون من كل الأفكار التي يمكن أن تعارض توجهات الرؤية، سواء فيما يتعلق بالتمويل أو تكوين الأطر أو التعليم العالي أو الشراكات مع القطاع الخاص. والدليل يفيد مصدر موثوق داخل المجلس على صحة ومشروعية هذا التخوف هو «تهريب» فقرة عن التمويل تم رفضها في المناقشات وتم إرجاعها مرة أخرى في مشروع القانون الإطار.
الجدل بشأن إرجاع مشروع القانون الإطار لم تقف عند حدود هذه المسألة الدستورية، بل شملت أيضا مسألة قانونية لاسيما الطابع الاستعجالي للطلب الحكومي، وتجلى هذا بوضوح في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها رئيس المجلس الأعلى عند افتتاح الدورة الاستثنائية الأخيرة، والتي خصصت لتشكيل لجنة تدرس مشروع القانون الإطار، حيث رفض الطابع الاستعجالي للطلب الحكومي بسبب خلو القانون التنظيمي للمجلس، ولاسيما المادتين 2 و3 منه، لا يتضمن أي تنصيص على المسطرة الواجب اتباعها في حالة الاستعجال، ولا على كيفية تقليص مدة إعداد مشروع الرأي، ولا على المراحل القابلة للاختزال.
وبحسب مصدر من المجلس، فإن عمر عزيمان تفادى برفضه هذا، الدخول في حسابات سياسية تهم الحكومة وحدها، ذلك أن التأخر الواضح في تقديم مشروع القانون الإطار تتحمل مسؤوليته الحكومة وحدها، لكون سبعة أشهر التي تم تكريسها لصياغة المشروع غير طبيعية تماما، خصوصا وأن الطبيعة العامة لمشروع القانون لا تفرض كل هذه المدة، الأمر الذي رجح، عند أغلب أعضاء المجلس، فكرة وجود خلفيات سياسية وراء هذا التأخير من جهة، ثم وراء إعطاء الطابع الاستعجالي لطلب الرأي، خصوصا وأن توقيت تقديم هذا الطلب تجعل الاستعجال في تقديم الرأي غير مجدي تماما، بسبب الظرفية السياسية الحالية، ونحن على بعد شهر واحد من نهاية الولاية الحكومية الحالية، فحتى لو تم الاستعجال فعلا، يفيد ذات المصدر، فإن هذا لن يفيد في شيء، لأن مشروع القانون سينتظر حتما تشكيل الحكومة القادمة التي تفرزها انتخابات 7 أكتوبر. فالحكومة تقدمت بطلبها بتاريخ 27 يوليوز، وإذا أضفنا مدة 30 يوما، والتي يحددها القانون التنظيمي للمجلس كأدنى فترة لصياغة رأي، فإن رأي المجلس سيكون جاهزا بتاريخ 27 غشت، هو الأمر المستحيل تحقيقه بسبب تزامن هذه الفترة مع العطل السنوية لأعضاء المجلس، لذلكم ولضمان انخراط أوسع لكل الأعضاء تم تحديد الأسبوع الأول من شتنبر كتاريخ لاجتماع المجلس، لتشكل لجنة مصغرة لبلورة مشروع رأي، مما يعني أن المجلس لن يستطيع تقديم الصيغة النهائية لرأيه إلى في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر، وهو الموعد المحدد للانتخابات. وبالتالي فلا طائل من إعطاء الطابع الاستعجالي للطلب الحكومي.