الجبهة الداخلية
في عز ما تتعرض له الدولة من استهداف ممنهج، يخرج علينا بعض الوزراء بقضايا هامشية (تخص شهادة المرأة، والحريات الفردية..)، ليس أوانها، بل ليست من أولوياتنا ولا تهمنا في هاته اللحظة، بل بالعكس تساهم فقط في تقسيم المجتمع وإحداث تصدعات داخله، بينما اللحظة الحساسة التي يمر بها بلدنا تتطلب تحصين الجبهة الداخلية والنأي بها عن كل ما من شأنه إثارة النعرات الفئوية أو الإيديولوجية أو السياسية، والاشتغال على إيجاد حلول لمشاكل البطالة والفساد والمحسوبية، وتحقيق التنمية الاقتصادية، وتحسين الخدمات الاجتماعية، والرفع من دخل الأسر. وعندها حتى الشيطان نفسه لن يتمكن من التدخل في شؤوننا.
فعندما يتعرض الوطن لتحرشات خارجية وعمليات استهداف ممنهجة ومخطط لها، كما يقع اليوم مع البرلمان الأوروبي، لا بد أن يعطل أعضاء الحكومة والبرلمان الموضوعات الخلافية والثانوية التي لا تساهم سوى في صناعة «البوليميك» الفارغ، ويتناسى الجميع لبعض الوقت الخلافات والتجاذبات، فمهما كان لنا من رأي مخالف أو منتقد للسياسات العمومية أو ما شابه ذلك، فإنه يجب أن ندع كل ذلك لبعض الوقت جانبا ونتوحد في صف واحد لمواجهة الاستهداف والابتزاز الخارجي، أما الذين ينتظرون التدخلات الخارجية والإملاءات الأجنبية للركوب عليها لتصفية حساباتهم، فأولئك لا يهمهم تحصين الجبهة الداخلية، بل يركبون الموجة ويستغلون الأزمة، لكي يخرج علينا من يقول إنها ليست مسؤولية البرلمان الأوروبي وهو محق في إملاءاته، بل المسؤولية تقع على المسؤولين المغاربة.
مثل هؤلاء يعتبرون أن المشكل داخلي، لكن الحل هو الاستقواء بالمنظمات والدول الأجنبية، بعدما فشلوا فشلا ذريعا في ربح معاركهم السياسية بسبب ضعفهم، لذلك فهم يغردون خارج السرب ويصطفون خلف الحقوق المفترى عليها لخدمة أجندات حالمة.
إن المطلوب من الفاعلين ليس فقط أن تتوحد مواقفهم وردود فعلهم إزاء حملات الاستهداف وحسب، وإنما أن يدركوا أن مطلب تحصين الجبهة الداخلية لم يعد ترفا ولم يعد مطلبا يحتمل الاستهتار، فهو الرد الوحيد على مخططات إشعال الفتن والفوضى الداخلية وضرب مؤسسات الدول، وهنا لا نبرر منطق الصمت والتغاضي عن القرارات الخاطئة والسياسات الفاشلة وحالات التجاوز المنعزلة، بل من الواجب مواجهتها داخليا، لكن دون الاستقواء بالخارج وتبرير الإملاءات الأجنبية، التي تحاول الاختباء وراء الملفات الحقوقية لتحقيق مآرب أخرى.