شوف تشوف

الرأي

الجبت والطاغوت

وردت عبارة أو كلمات الجبت والطاغوت في أكثر من مكان في القرآن الكريم. أعترف أن المصطلح لم يخطر في بالي حين كنت أشتغل على حفظ القرآن، ثم تبلورت مع الوقت.
في سوريا كان كفتارو مفتي سوريا، مهمته الأولى رفقة حافظ الأسد ديكتاتور سوريا السابق، يفتي له ويشرع، وإذا جاءت لحظة تاريخية كان موقعه دوما بجنب الطاغية. كان الرجل يتحكم في مسام الكلام في المساجد، وأذكر يوما أنني قمت بنشاط بسيط في مسجد بسيط فطلبوا مني مراجعة كفتارو حتى يعطيني ترخيص الكلام. قابلت الرجل فرمقني بعيني ثعلب مكار وقال يجب أن نتحقق منك. وهذا يعني أن يتصل بالفروع الأمنية الجهنمية، فهم ورجال الأمن في سروال واحد. كرس كفتارو حياته بجنب الطاغية حتى خلفه في المنصب البوطي فأصبح نجما لامعا في التلفزيون في الوقت الذي كان الطاغية يقتل عشرات الآلاف من خيرة شباب سوريا في سجن تدمر الرهيب. من هؤلاء الذين أصبحت جثثهم وعظامهم في صحراء تدمر صديقي أستاذ الجغرافيا قاسم الططري من الزبداني، والدكتور توفيق دراق الحمصي الذي اختص في الأمراض العصبية في كندا، وكان ذكيا أريبا وسيما مازلت أذكره برموش عينيه الطويلة الجميلة وكـأنه خضع للتجميل فأضيفت لها المسكرة. هنا سألت نفسي عن الإيمان والإلحاد؟
من هو المؤمن ومن هو الملحد؟ من هو الزنديق والتقي؟ من هو الفاجر ومن هو البر؟
حقيقة إنه سؤال صادم ولكن هل ثمة من جواب؟ في قناعتي لن نصل للجواب في جعبة الفقهاء. إنه سؤال ما زال يلح علي بدون أن أعثر على إجابة قاطعة حاسمة في الظلمات التي نعيشها. كيف يمكن رؤية هذا التناقض بين رياض الترك (الشيوعي) الذي نام في زنزانة انفرادية سبع عشرة عاماً من أجل أفكاره في الحرية ويعتبر حسب لوغاريتم رجال الدين هرطيقا، وواعظ السلطان الذي أقسم أن ابن الطاغية الذي مات يطير في الجنة بجناحين؟
لقد كانت الكنيسة يوما تبيع تذاكر لدخول الجنة، وتعالج السعال الديكي بلبن الحمير، وتحرق الساحرات والكتب والقطط في الساحات العامة، وفي آشور كان الكهنة يتقنون الكتابة، ولكنها كانت حرفة للتضليل أكثر من بث الوعي، واليوم يجتمع ثلاثي من (الكهنوت) و(الجبت) و(الطاغوت) في تجهيل المواطن العربي بالكتابة والفضائيات. واجتماع ثلاثة لا يعني ثلاثة بل أكثر وكل له سلاحه الخاص. فالـ (الكهنوت) يغتال العقل بالوهم، و(الجبت) يغيب الوعي تحت غبار الكلمات، و(الطاغوت) يستعبد الناس بالقوة.
وهكذا يؤكل المواطن بالطول والعرض، فلا يبقي منه مواطنا، بل مسكينا ويتيما وأسيرا، في سجن كبير اسمه الوطن.
(الكهنوت) هم وعاظ السلاطين ورجال الدين حيث لا رجال دين في الدين، ومفتي الجمهورية لا يختلف عن كهنة آمون في شيء سوى الاسم. أما (الجبت) فهم مثقفو السلطة المتأهبين لطلي مساحيق التجميل لوحش قاضم قارض، وتقديمه للجماهير أنه ملكة جمال العالم. أما (الطاغوت) فهم رجال المخابرات والجندرما والحرس الجمهوري المسلحون حتى الأظفار والأنياب الجاهزون للقتل تحت إمرة فرعون.
وكلاً من (الكهنوت) والكاهن، والجبت والمثقف، والطاغوت والمخابرات متفاهمون متعاونون.
وفي التاريخ كان فرعون وسيد الكهنة يخرجان على جمهور مخدر؛ فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، أن فرعون من نسل الإله فتخر له الجباه ساجدين.
وفي البيان الذي أصدره الشيوعيون في مطلع القرن الفائت، تم التعبير بشكل فاضح، عن حقائق مغيبة، على شكل طبقات، تمنيت أن أرسل رسمه للاطلاع، فكل له وظيفته في سيمفونية التعذيب:
ـ السلطة تحكم بالسيف والسلسال والساطور. وهي في قمة الهرم.. على شكل ملائكي بملابس ملكية جدا وعطور مخملية.. ووعاظ السلاطين يحللون الظلم بنصوص نزلت ضد الظلم، بلحى وقلانس وطرابيش وعمامات مختلفا ألوانها بيض وجدد حمر وغرابيب سود. ومثقفو السلطة يخدرون الوعي، مقابل ثمن يقبضونه ومراكز يمنحونها. فمنهم وزير للسخافة والإفساد القومي ومنهم للتضليل الاشتراكي وآخر من شكله أزواج لا مرحبا بهم، إنهم صالوا النار. وعساكر وضباط وجندرما ومخابرات، مسلحون بالطبنجة والغدارة والخنجر والعصارة، مدربون على القتل والاغتيال، والتعذيب لدرجة القتل، من ملة الحجاج، يقتلون محافظة على النوم العام. في فروع تسع عشرة جهنمية من مخابرات جوية وبحرية وتحت أرضية وفضائية. لا شيء يعمل في البلد غير جهازهم، يسبقون دقة ناسا وإحصائيات الترند، يحصون دبيب كل نملة وطنين كل نحلة، ولا تأخذهم سنة ولا نوم. وفي أسفل الطبقات عمال وفلاحون يطعمون كل الطبقات الملكية على ظهورهم طبقا عن طبق.
(واعظ السلطان) يصدر الفتوى على المقياس، حسبما أصدرها رجال الحزب والزعيم الملهم. وعلى المواطن دخول عصر المعلومات من ثقب أمني يتسع لدماغ قملة ودبيب نملة. ومن يكتب يجب أن يقول قولا لا يوقظ نائما ولا يزعج مستيقظا. ومن عاش في ظل النظام العربي؛ فيجب أن يفتح كتاب النبات فيحفظ (وظائف النبات) جيدا فهذا أسلم للعاقبة؛ فالنبات يتنفس ويتكاثر، ويمكن للمواطن العربي أن يتنفس وينجب أولادا للعبودية. وفي عصر السلطان العثماني عبد الحميد كان من حرك العوام ضد جمال الدين الأفغاني (أبو الهدى الصيادي) مفتي الديار العثمانية. وفي عهد نابليون الثالث فتح سجن في غوايانا الفرنسية أخذ اسم جزيرة الشيطان، وبقي السجن يعمل بكامل الطاقة، بعد أن مات نابليون الثالث بدهر فهذه هي مهزلة التاريخ، أن من يفتح ملفات الشيطان لا تغلق بعد موته. وإذا دخلت الديكتاتورية بلدا فمات الديكتاتور فابنه جاهز وحفيده من بعده أجهز؟
وأما (مثقف السلطة) فهو يؤكد أن الاعتقالات مؤشر صحة للأمة كما صرح بذلك الرفيق، لأنه دليل المقاومة؛ فلولا العافية في الأمة والاعتراض لما كان هناك سجون واعتقالات؟
وهذا يفيد أن كندا عقيمة سياسيا، لأنه لا توجد بها سجون ومعتقلو رأي. وهذا المثل يذكر بنكتة المجنون الذي سئل عن الجسر لماذا صنع فأجاب: من أجل أن يمر النهر من تحته؟ ومناقشة مثقفي السلطة عقيمة، وتذكر بالحوار الذي جرى بين المجرم الصربي (رادوفان كاراديتش) ومراسل مجلة (الشبيجل) الألمانية فعندما سألوه عن اغتصاب خمسين ألف امرأة مسلمة على يد الصرب قال: من فعلها هم المسلمون؟
قالوا: فما بال القبور الجماعية؟
قال: هي جثث الصرب؟ وهو يعرف أن الجثث لا تتكلم.
وفي معركة صفين ارتج معسكر معاوية بخبر مقتل عمار لوجود حديث يفيد أن عمار تقتله الفئة الباغية؛ فأنهى معاوية الجدل بسرعة، وقال: من قتله هو من أخرجه للقتل؟ ورياض الترك الذي خرج من مدفنه بعد دفن الطاغية، يرى أن النظام الشمولي الذي أشرف على بنائه مجرمون محترفون؛ «نظام غير قابل للإصلاح»؟!. وأن ما يحكم النظام الشمولي «توازن الضعف» فالحكومة ضعيفة عاجزة والمعارضة مفككة. وكل تغيير وزاري هو (تقليع) موظف انتفخت جيوبه بالرشوة، إلى موظف جديد فارغ الجيب. وأن النظام الشمولي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، فهو يلعن أمريكا جهرا بقدر ما يتعاون معها سرا. والشعب ينتظر الخلاص بالدعاء واللعنات، مثل من يريد إطفاء حريق بانتظار سحابة صيف عابرة.
والمهم أن تبقى العصابة في الحكم بأي ثمن ولأطول فترة.
خرج جحا يوما على الناس بالسواد قالوا له خيرا من مات؟ قال: البارحة مات والد ابني تقبل الله عزاءكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى