الجامع والكنيسة
يونس جنوحي
تداعيات الحادث الإرهابي، الذي استهدف المصلين في نيوزيلندا لا تزال مستمرة. الرفض الدولي، كالعادة، كان هو الموقف الرسمي. لكن مباركة التطرف العنصري لأنصار الإسلاموفوبيا العالمية تبقى حاضرة بقوة، إذ لديه أنصاره حول العالم، فيما هناك طائشون في المغرب ومتهورون يحاولون سرقة الأضواء بمباركة مثل هذه الأحداث الدموية التي تدينها الإنسانية
أول ما قامت به الحكومة ممثلة في رئيسها، هو إعلان العزم على التأكد من صحة وجود مواطنين مغربيين ضمن الضحايا الخمسين أو الجرحى. وبعدها اختفى الرسميون ليتركوا الرأي العام المغربي يتابع الحدث في القنوات الدولية. وفي الوقت الذي كانت بعض الدول من خلال إعلامها الرسمي سباقة إلى مراعاة مشاعر الضحايا وعائلاتهم، كان الأمر عاديا عندنا وكأن ما وقع لا يستحق تعديل برنامج سهرة نهاية الأسبوع التي نجح صناعها باقتدار طوال سنوات في إدخال الكباريهات ونجوم العلب الليلية إلى قلب البيوت المغربية وأداء «الغرامة» التي تعلق لهم من المال العام.
كان العالم يعلن الحداد ويتبرأ من الحادث الإرهابي ويرسل التعازي وباقات الورود إلى عنوان المركز الإسلامي، في وقت لم يكلف الإعلام الرسمي، الذي يفترض أنه تحت تصرف رئيس الحكومة، إعلان الحداد أو على الأقل إعادة برمجة سهرات نهاية الأسبوع. ولو أن الأمر يتعلق برئيس حكومة بمواقف معادية للتدين بشكل عام، كما هو شأن بعض الحكومات العربية، لفهمنا سر اللامبالاة تجاه الواقعة. لكن أن يكون رئيس الحكومة عضوا نشيطا لأزيد من ثلاثة عقود في الدعاية للأفكار الدعوية ومن أنصار الأقليات المسلمة في أقاصي الأرض لممارسة الشعائر الدينية، بل ومن المنظرين في الاعتدال الديني.. هنا يحتاج الرجل إلى وقفة حقيقية. أو كما يقال في مثل هذه المواقف حول الممارسة والتنظير في الكتب والمنشورات.
معاداة الإسلام ليست جديدة. وفي المغرب لدينا تسامح حقيقي مع الكنائس، بعكس دول إسلامية في الشرق لا يتقبل جل مواطنيها وجود كنيسة فوق أرضهم ولا يتورعون في رفض وجود أي ممارسات دينية لأي أقليات في بلادهم بسبب التعصب للطائفية. بينما نحن في المغرب لدينا كنائس وجوامع لليهود تأسست قبل قرون ولا تزال مفتوحة كدور للعبادة ينظمها القانون ويحميها المواطنون.
وسيكون من المثير التأكيد على أن أكبر مقبرة يهودية في الرباط تحرسها عائلة مسلمة توارث أبناؤها مهنة حراسة مقبرة اليهود أبا عن جد، ولديهم مفاتيح دار العبادة وسط المقبرة حيث توجد مكتبة تضم نسخا من كتب الصلوات اليهودية يحافظ عليها حارس المقبرة إلى حين وصول الأفواج التي تؤدي الصلوات على أرواح أجدادهم المدفونين في الرباط، والأمر نفسه ينطبق على جهات أخرى من المغرب.
الكنائس المسيحية أيضا مفتوحة في وجه المسيحيين لممارسة شعائرهم الدينية ليس فقط في المدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط، وإنما في مدن صغيرة مثل تارودانت التي تضم كنائس تعود إلى فترة الحماية الفرنسية وتضم مقابر للنصارى لا تزال محمية إلى الآن، وفي واحدة منها توجد قبور عائلة وأقارب الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك.
في طنجة وحدها توجد قصص بعدد المواطنين عن التسامح الديني والتعايش بين عائلات من جنسيات مختلفة، تشهد على حقبة طنجة الدولية وقصص الكنائس التي جرت العادة أن تفتح أيام الآحاد في وجه المصلين الذين يأتون إليها في أبهى الحلل وكأنهم مدعوون إلى احتفال.
من المؤسف أن يتحول العالم إلى هذه النسخة الرديئة التي تستهدف المسلمين وتقتلهم باسم الجماعات التي تحارب الزحف الإسلامي على طريقة الحروب الصليبية البائدة. والمؤسف أكثر أن هناك مغاربة حاولوا لفت الأنظار إليهم من خلال تبرير الاعتداء على مسلمين أبرياء، يكفل لهم القانون الدولي حقهم في إقامة شعائرهم الدينية. لكن بعض المعتوهين يحاولون تبرير العنصرية ضد الإسلام بكوننا أيضا عنصريين ضد الأقليات الأخرى. وجل هؤلاء الذين روجوا لهذا الخطاب البئيس يعتقدون إلى الآن أن نيوزيلندا دولة في شمال أوربا، بينما نحن نتحدث عن واقعة تبعد عن أستراليا بمسافة محترمة.
وكما جرت العادة في مثل هذه المواقف، رحم الله الموتى، والأحياء أيضا.