شوف تشوف

الرأي

الجاثمون أسفل القبة..

المسألة بسيطة، المعارضة عليها أن تندد، والأغلبية عليها أن تتحدث عن الرؤية المستقبلية وبُعد النظر. وكل ما يتبقى مجرد ضحك على الذقون، والضحية هم المتعاطفون مع التجربة الحكومية الحالية، لأنهم سيجدون أنفسهم مستقبلا مجبرين على تبرير حماقات حكومية أخرى، وآخر من يعبأ بهم هو رئيس الحكومة، لأنه يسب الناس ويتهمهم بالفساد وعدم الأهلية، ويعمل معهم في الغد.
سيكون من المجحف في حق البرلمان والبرلمانيين، ألا نصفهم بالمهرجين، وهذا أضعف الإيمان. ماذا سيقدم برلماني للمواطنين وهو لم يتعلم بعد حتى كيفية صياغة جملة سليمة وخالية من الأخطاء، بالدارجة فقط وليس باللغة العربية؟ إن أغلب البرلمانيين اليوم ليسوا إلا جماعة من المعاقين في التواصل، ممن يملكون الأموال الموروثة عن الآباء أو عن طريق البيع والشراء. يستثمرون في الأصوات بعد أن جاءهم الملل من الاستثمار في العقار والقمح والحوامض وتعليب السردين، وهكذا دخلوا إلى عالم السياسة للوصول إلى البرلمان، حتى يضعوا أيديهم على مزيد من المشاريع، تحت رعاية الأحزاب التي تعتمد عليهم لحصد الأصوات.
الأحزاب تتمدد، وتتمدد معها رقعة هؤلاء الذين يدخلون البرلمان للاستثمار، فيجدون أنفسهم مطالبين بالتصويت على مشاريع ومقترحات قوانين، تعيدنا سنوات ضوئية إلى الوراء، رغم أننا نسير إلى الخلف منذ مدة وبدأنا نعتاد على الأمر.
نسبة أخرى من البرلمانيين، جاؤوا إلى قبة البرلمان فقط لأنهم لا يملكون مشاريع حالية في الحياة، وهكذا تعتمد عليهم الأحزاب التي تشغلهم، لكي يفتحوا «الويفي» أسفل القبة، أو يمرحوا قليلا بـ«كاندي كراش»، في انتظار أن يدق الجرس معلنا نهاية الجلسة، ويعودوا إلى منازلهم في سياراتهم التي تحمل شارة البرلمان.
هذا النوع من البرلمانيين لم يقدم شيئا للدولة طيلة حياته، منذ يوم حصوله، أو حصولها، على البطاقة الوطنية، وسعادة الأخ البرلماني أو الأخت البرلمانية عالة على الحزب الذي ينتمي إليه، ولولا بعض المناصب الجميلة التي تخلقها الأحزاب لأبنائها لكانوا عالة على آبائهم وأسرهم. فهناك من لم يعمل يوما عملا جادا في حياته، وتدرج في العمل الحزبي وعقد الاجتماعات التي لا يقال فيها أي شيء، وتدبر له الحزب مسألة الإشراف على مكتب إقليمي في مدينة لا يتوفر فيها الكهرباء، وجرّه إلى الترشح في الانتخابات ووجد نفسه في البرلمان مستغلا بعض المصداقية التي يمكن أن يتمتع بها هذا النوع من الناس أمام المواطنين المساكين الذين ملوا في الحقيقة من أصحاب البطون والسيارات الفارهة الذين لا يأتون إلى المدن الصغيرة إلا في مواسم الانتخابات.
يجب على هؤلاء الناس أن يكونوا واضحين مع أنفسهم على الأقل، ويدركوا أنهم فاشلون، يستغلون هشاشة الوضع السياسي في البلاد، ليأخذوا أجورهم من أموال هذا الشعب. على البرلماني أن يخجل من نفسه، لأنه يأكل من أموال الدولة كل شهر، دون أن يكون في السابق قد مارس عملا حقيقيا يجني به أجرته.
بعض البرلمانيين، وهم أندر من شعرة من فرو فأر يتيم، يعملون بالنية ويركبون الحافلات لحضور جلسات البرلمان ويأخذون الأمر بجدية.. هؤلاء يجدون أنفسهم منبوذين وخارج التجربة في أقرب محطة، لأن الذين يقفون أمام باب البرلمان يحرصون على اختيار «النوام» المحترمين بعناية فائقة. عليك أن تكون متفرغا، وفارغا، لكي تضمن النوم أسفل القبة، حتى أن هناك من ينام أسفلها منذ عقود، ولا يحتاج إلى اللحم والبرقوق كل خمس سنوات، ليعود إلى مقعده.
على السيد نبيل بنعبد الله، صديقنا الحداثي، أن يعيد النظر في كل الأشياء التي قرأها في السابق، لأن شيئا ما جعله يتأثر ويؤثر في أبناء حزبه أيضا، فإذا سكت عن تمرير مشروع القانون الذي سيسمح باستغلال القاصرات خادمات في البيوت، وبسند قانوني، فإن الشيوعية واليسار ومفهوم التقدمية، «سيبعثون» من الكتب التي يبدو أنها المكان الوحيد الذي يحتضن هذا النوع من الأفكار، ويبصقون في وجه هؤلاء التقدميين الجدد. أما الإسلاميون، فإنهم قد خرجوا «ليها نيشان»، ومنذ مدة، وتآلفوا مع استخلاص ضرائب الخمور والرفع من قيمتها، ولن نضيع وقتكم بقراءة احتمال صمتهم هم أيضا، عن تقنين تشغيل القاصرات. أما الأغلبية التي ولجت البرلمان لاستخراج رخص تصدير الأسماك وصفقات تعبيد الطرق لمقاولاتهم الخاصة، فهؤلاء يظنون أصلا أن كلمة «القاصرات» نوع من العربات المكيفة التي سيأتي بها الوزير رباح لإطلاق القطار السريع «تي جي في».. احمدوا الله أنهم لم يسنّوا قانونا بعدُ لبيعنا جميعا في الأسواق الأسبوعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى