الجابري: «كتاب «البيان المطرب لنظام حكومة المغرب» لبنشنهو ساهم في تشكيل وعيي السياسي»
كانت نفقات «الدولة» تقدر «زمن الحسن الأول بخمسة عشر مليون بسيطة فضية»، تنفق كما يلي:
«أولا: السلطان وحرمه الشريف: 1.500.000 من البسيطات.
«ثانيا: أقاربه الشرفاء القاطنون بفاس ومكناس ومراكش ورباط الفتح 850.000.
«ثالثا: بقية الأشراف 500.000.
«رابعا: الحاجب وقائد المشور وسائر الخطط (= الوظائف) المخزنية 400.000.
«خامسا: إصلاح القصور الملكية وصونها 200.000.
«الصوائر الطارئة 100.000».
ويلي الوزراء في سلك الوظيفة القضاة والعدول، ومهامهم معروفة. «كان السلطان يولي على الأمصار أمراء يسمون قوادا، إذ كان كثير منهم قواد للجيوش يرأسونها ويكتبون (يجندون) عساكرها من قبائلهم ويقدرون أرزاقهم، وهم أيضا الحكام بالمدن فيفصلون في الدعاوى بين الناس، ويحرصون على الأمن بالمدن التي هي تحت استيلائهم، ويدبرون شؤونها ويصلحون الأبنية المخزنية الكائنة بها ويقبضون الغرائم من الرعية».
«والحسبة والسوق كانت فيما مضى من أهم خطط الإيالة صاحبها المحتسب… كان يبسط له الأمير اليد في أمور المدينة… وكان نظره في ما يجري في الأسواق من غش وخديعة ودين وتفقد مكيال وميزان». أما أصحاب الشرطة فقد كانوا قبل الحماية «يحرسون الأمن العام ويحافظون على النظام الملكي… وكان يقوم بها جنود من عسكر السلطان في العواصم المغربية».
أما الجيش فقد «كانت قاعدة الملوك العلوية اتخاذ جنودهم أولا: من قبائل خصوصية تسمى قبائل الجيش أشهرها الأوداية والشراردة ثم أولاد جامع والشراركة والمنابهة وأيمور وأولاد دليم. ثانيا: جيش البواخر مركب من السود والحمر، ليس لهم مقر خاص، إنما يؤخذون أينما وجدوا. أسس جيش البواخر المولى إسماعيل العلوي الذي كان جمع ما تفرق من الجيش الأسود للسعديين وجميع السودان والحراطين من جميع أنحاء المغرب. ثالثا: الجيش الرسمي المركب من عساكر يكتبونهم (= يجندونهم) من قبائل مختلفة، وكانوا تحت قيادة أوروبيين. وفي زمن مولاي عبد العزيز كانوا تحت قيادة الكروني ماك لين. رابعا: كثيرا ما كان السطان يجند قبائل الغرب للحاجة.
رابعا: التنافس الدولي على المغرب قبل الحماية
بعد اشتداد ضغوط الدول الأوروبية وتنافسها على المغرب، خاصة فرنسا وإسبانيا وإنكلترا وألمانيا، انتهى التنافس باتفاقية بين فرنسا وإنكلترا في 8 أبريل 1904 تنازلت إنكلترا بموجبها لفرنسا عن المغرب مقابل تنازل فرنسا لها عن مصر. وأمام التنازع بين ألمانيا وإسبانيا وفرنسا كل يدعي أن له حقوقا في المغرب طلب المولى عبد العزيز عقد مؤتمر دولي، وقد انعقد في الجزيرة الخضراء في 7 أبريل 1906 وشاركت فيه 13 دولة اتفقت على تكليف فرنسا وإسبانيا بتدريب أهالي البلاد على حفظ الأمن وتنظيم البوليس، كما قررت تأسيس بنك هو البنك المخزني، كل ذلك لحماية وتسهيل التجارة في المغرب والسماح للأوروبيين بشراء العقار فيه خاصة في أهم الموانئ العاملة يومئذ، أصيلة والقصر وأزمور. وفي 4 نوفمبر 1911 عقدت اتفاقية بين فرنسا وألمانيا تنازلت هذه الأخيرة بدورها لفرنسا عن المغرب واعترفت لها بحرية التصرف فيه. وكانت فرنسا قد بدأت منذ 1907 في التدخل المباشر في المغرب الشرقي بإثارة القبائل بعضها ضد بعض وضد المخزن، ثم تدخلت قواتها بدعوى إقرار الأمن في المناطق المجاورة لها (الجزائر). فاحتل ليوطي وجدة ومنطقة ملوية كلها وأصبحت المنطقة الشرقية من الحدود إلى ضفاف نهر ملوية تحت الاحتلال الفرنسي منذ 1910 وحدث مثل ذلك في الشاوية التي احتلتها القوات الفرنسية عام 1908. وأمام هذه التطورات «ثار» عبد الحفيظ على أخيه عبد العزيز وخلعه، وبويع له بمراكش حيث كان خليفة له ثم توجه إلى العاصمة فاس مؤيدا من قبائل كلاوة والرحامنة ودكالة وعبدة، واصطدم مع السلطان عبد العزيز وجيشه، فانهزم هذا الأخير في الشاوية فلجأ إلى الجيش الفرنسي. أما عبد الحفيظ فقد تابع طريقه إلى فاس حيث بويع سنة 1908. ولما لم يحسن التصرف ثارت عليه النواحي المجاورة فطلب العون والحماية من القوات الفرنسية التي كانت قريبة، على مشارف ملوية بقيادة ليوطي، فتقدمت هذه واحتلت فاس. ثم أمضى المولى عبد الحفيظ عقد الحماية مع وزير الخارجية الفرنسية السيد رينيو وذلك في 30 مارس 1912 وتم تعيين الجنرال ليوطي مندوبا مقيما عاما لفرنسا بالمغرب. أما عبد الحفيظ فقد ندم على توقيع معاهدة الحماية وتنازل عن الملك لأخيه مولاي يوسف في غشت 1912. أقام مولاي يوسف بمراكش نحو سنة ثم انتقل إلى الرباط في شهر نوفمبر 1913 حيث استقر نهائيا واتخذها عاصمة.
خامسا: معاهدة الحماية
تتكون معاهد الحماية الفرنسية على المغرب من مقدمة وتسعة فصول، وأهم بنودها ما يلي:
ينص الفصل الأول على «أن جلالة السلطان ودولة الجمهورية الفرنسية قد اتفقا على تأسيس نظام جديد بالمغرب مشتمل على الإصلاحات الإدارية والعدلية والتعليمية والاقتصادية والمالية والعسكرية التي ترى الدولة الفرنسية إدخالها نافعا بالإيالة المغربية. وهذا النظام يحترم حرمة جلالة السلطان وشرفه العادي وكذلك الحالة الدينية وتأسيساتها والشعائر الإسلامية، وخصوصا تأسيسات الأحباس، كما يكون هذا التنظيم محتويا على ترتيب مخزني شريف مضبوط». يلي ذلك التنصيص على أن تتولى فرنسا التفاوض مع إسبانيا حول مصالحها في المنطقة الشمالية وعلى أن تبقى طنجة محكومة بنظام دولي.
وينص الفصل الثاني على أن «يساعد السلطان من الآن على الاحتلالات العسكرية بالإيالة الشريفة المغربية التي تراها الدولة الحامية واجبة لاستتباب السكينة والأمن على المعاملات التجارية، وذلك بعد تقديم الإعلام للمخزن الشريف. كما يساعد على أن الدولة الفرنسية تقوم بعمل الحراسة برا وكذلك بحرا بالمياه المغربية».
وينص الفصل الثالث على أن «دولة الجمهورية تتعهد بإعطائها لجلالة السلطان الإعانة المستمرة ضد كل خطر يمس بذاته الشريفة أو بكرسي مملكته أو ينشأ عنه اضطراب بإيالته. وهذه الإعانة تعطى أيضا لولي العهد أو لمن يخلفه».
وينص الفصل الرابع على «أن الوسائل التي يتوقف عليها نظام الحماية الجديد تبرز على يد جلالة السلطان وعلى يد الولاة الذين لهم التفويض من الجناب الشريف وذلك بمعروض (باقتراح) من الدولة الفرنسية، وهذا العمل يكون جاريا أيضا في الضوابط الجديدة والتغييرات في الضوابط الموجودة».
وينص الفصل الرابع على «أن الوسائل التي يتوقف عليها نظام الحماية الجديد تبرز على يد جلالة السلطان وعلى يد الولاة الذين لهم التفويض من الجناب الشريف وذلك بمعروض (اقتراح) من الدولة الفرنسية، وهذا العمل يكون جاريا أيضا في الضوابط الجديدة والتغييرات في الضوابط الموجودة».
وينص الفصل السادس على أن «نواب فرنسا السياسيون والقنصليون يكونون هم النائبين عن المخزن والمكلفين بحماية الرعايا ومصالح المغرب بالأقطار الأجنبية. جلالة السلطان يتعهد بعدم عقد أي وفق كان له معنى دولي من غير موافقة دولة الجمهورية الفرنسية.
وينص الفصل السابع على أن «الدولة الشريفة ودولة فرنسا تتفاوضان فيما بعد باتفاق معا مع تأسيس أصول شاملة لنصب نظام مالي يسوغ به ضمانة ما يتعهد به بيت المال الشريف وقبض محصلات الإيالة على وجه منظم، وذلك مع احترام الحقوق لحملة سهام المغربية العمومية.
وينص الفصل الثامن على أن «يتعهد جلالة السلطان بأن لا يعقد في المستقبل، إما رأسا وإما بواسطة، أي سلف كان، عموميا أو خصوصيا، أو يمنح، بأي صفة كانت، باختصاص من الاختصاصات من غير موافقة الدولة الفرنسية».
أما الفصل التاسع والأخير فينص على أن هذه المعاهدة تصبح نافذة المفعول بموافقة دولة الجمهورية الفرنسية (وقد وافق عليها مجلس الشيوخ والنواب بفرنسا بتاريخ 15 يوليوز (تموز/يوليو) 1912. أما تاريخ توقيعها من طرف السلطان فكان يوم 30 آذار مارس 1912.
سادسا: نظام حكومة الحماية بالمغرب
قبل أن ينتقل بنا السيد بنشنهو إلى الكلام عن حكومة المخزن على عهد الحماية يعرض أولا لنظام إدارة الحماية ابتداء من المقيم العام (النائب عن الحكومة الفرنسية) الذي يتولى، بموجب معاهدة الحماية، مهام وزير الخارجية، وزير الدفاع، والكاتب العام للحكومة، وزير الوظيفة العمومية، وزير الداخلية، والقائد العام للجيش (جيش الاحتلال).
يمارس هذه المهام بواسطة ثلاثة مكاتب: المكتب المدني، المكتب العسكري، المكتب الدبلوماسي. «وقد أنشأت الحماية مصالح مختلفة لتدبير شؤون المغرب ومراقبة أعمال أرباب المخزن والعمال، وتلك المصالح مع الإقامة العامة تسمى حكومة الحماية، وكلها تحت نظر المقيم العام، بعدما كان جلها بدار المخزن في ابتداء الأمر، ثم انفصلت منها وسارت مستقلة تحت تصرف المقيم العام»، وهي المالية والأشغال العمومية و«البوسطة» والعلوم والمعارف والأملاك المخزنية».
بعد ذلك ينتقل إلى الحديث عن «حكومة المخزن» على عهد الحماية فيلاحظ أن وزارات المخزن القديم أسقطت وضمت مهامها إلى المقيم العام ولم يبق إلا الصدر الأعظم الذي لم تتغير مهامه «إلا قليلا»، فهو يشرف على الوزراء والباشوات والقواد ويكاتبهم بواسطة إدارة الحماية ومشورتها. وله الاتصال بالإدارات التي يشرف عليها مديرون فرنسيون وهم الوزراء على الحقيقة. وللصدر الأعظم مندوبون يربطون الصلة بالمخزن في إدارة المالية وإدارة الفلاحة والتجارة وإدارة الأشغال العمومية وإدارة البريد والتلغراف وإدارة الصحة وإدارة الشؤون الاجتماعية. ومجلس المديرين كمجلس للحكومة برأسه المقيم العام.
وإضافة إلى الصدر الأعظم الذي يجمع بين يديه ما تركته معاهدة الحماية لحكومة المخزن، أنشئت ثلاث وزارات جديدة هي: وزارة العدلية المكلفة بالشؤون الشرعية: القضاة والعدل والوكلاء الشرعيون. وزارة الأحباس، و«شبه وزارة وهي نيابة التعليم»، يباشر صاحبها لدى إدارة التعليم شؤون المعارف الإسلامية في المدارس الفرنسية».