شوف تشوف

الرأي

الجائحة الكورونية والغمة النووية

إميل أمين
خلال العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، انفجرت مرة جديدة قضية التسليح النووي، فقد عمدت روسيا الاتحادية إلى بناء ترسانة نووية نوعية تعوض النقص الذي حدث لها في سنوات الخنوع للعم سام، والأخير كان له أن يرد وبقوة عبر تشغيل برنامج حرب الكواكب مرة جديدة، ووصل الأمر بالرئيس ترامب حد الانسحاب من اتفاقية الصواريخ المتوسطة، ما فتح المجالات للخوف النووي مرة أخرى.
هل العالم الذي تجتاحه كارثة فيروس كورونا، مهدد أيضا اليوم بغمة نووية ساحقة ماحقة؟ أغلب الظن أن ذلك كذلك، وهو ما أشارت إليه ساعة يوم القيامة في منتصف فبراير الماضي.
ساعة يوم القيامة نشأت عام 1947 على أيدي مجموعة من العلماء والخبراء، وذلك لتقدير أحوال العالم نوويا ومدى الاقتراب أو الابتعاد من لحظة الذروة وحدوث الكارثة المتوقعة، أي الانفجار النووي.
مرت في تاريخ الساعة لحظات كانت أقرب ما تكون إلى الوصول إلى الثانية عشرة، بما يعني أن البشرية قاب قوسين أو أدنى من الضغط على مفاتيح التفجيرات الجهنمية، حدث ذلك أكثر من مرة، مثل وقت أزمة صواريخ كوبا على سبيل المثال، فيما جاءت أوقات أخرى تراجع فيها مؤشر الساعة عندما هدأ التوتر في السنوات العشر التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، وقبل أن يصل القيصر بوتين إلى سدة الحكم في روسيا، ويسعى إلى إعادة أمجاد الإمبراطورية من جديد.
عقارب ساعة يوم القيامة تقدمت أخيرا 100 ثانية نحو النهاية، والقائمون عليها يرون أن الكون مهدد نوويا من جهة وإيكولوجيا من جهة ثانية، وأن احتمالات الانفجار واردة في أي وقت، الأمر الذي أكدته دورية تعرف باسم «نشرة علماء الذرة»، وهي مجموعة غير هادفة للربح من العلماء وخبراء الأمن، الذين يرصدون احتمال حدوث موقعة نهاية الأزمنة، أو هرمجدون بلغة اليمين الأمريكي المتطرف.
من أسف شديد بدا العالم يستمع أخيرا إلى صوت التهديدات النووية مرة أخرى، بعد أن قررت الولايات المتحدة الأمريكية إعادة تسليح الغواصات من طراز
«تريدينت -2» بصواريخ نووية منخفضة الطاقة، الأمر الذي اعتبره الجانب الروسي خطيرا جدا ويؤدي إلى زعزعة الاستقرار، ما قاد المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إلى التصريح بأن أي هجوم صاروخي من الغواصات الأمريكية، سيقابل بضربة نووية روسية مماثلة.
قبل تصريحات زاخاروفا كان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يعلن عن أن إنتاج شحنات نووية منخفضة الطاقة يؤدي إلى تلاشي العتبة النووية، وهو أمر خطير للغاية..
بلا شك قدرتها النووية التدميرية المخيفة، فالمعروف أن وزن الشحنة الجديدة يصل إلى 6 كيلوطن، بينما تصل قدرتها التفجيرية إلى 100 كيلو طن.
هل روسيا بدورها بريئة بالمطلق من إعادة الحياة للسباق النووي، واحتمالات تعرض الخليقة مرة جديدة إلى مأساة كارثية؟
يستدعي الجواب التوقف أمام رؤية فلاديمير بوتين لما يعتبره أكبر عمل كارثي جرت به مقادير العم سام في القرن العشرين، ويعني بذلك تفكيك الاتحاد السوفياتي على ذلك النحو المهين الذي رآه العالم، ووقتها قال العقلاء إن معاملة جافة متغطرسة تتسم بالمزيد من الفوقية الإمبريالية الغربية، سوف تؤدي حكما يوما ما إلى ردات فعل تعيد الروس إلى إحياء كل ما تم إجبارهم على التخلي عنه وهو ما حدث بالفعل.
عمد القيصر الآتي من دروب الـ«كي جي بي»، ودهاليز السوفيات الأعلى إلى مقارعة أمريكا من غير الدخول في سباق تسلح مهلك كالذي وقع فيه الكبار، من ستالين وصولا إلى الرفيق بريجنيف، ومن غير أن يكلف المرء نفسه حسابات أندروبوف وتشيرننكو وصولا إلى غورباتشوف ويلتسين.
عمد بوتين إلى إحياء ترسانة روسيا العسكرية، وزخمها بأسلحة نووية صاروخية أشد قوة وتدميرا مما عرفه الاتحاد السوفياتي سابقا، من عينة الصاروخ «توبولوف -أم»، والصاروخ الجهنمي «سارامات»، القادر على حمل عشرة رؤوس نووية، ناهيك عن الأسلحة الفرط صوتية.
على الجانب الآخر من الأطلسي ورغم فتك كورونا بالأمريكيين وإيقاعها من الضحايا خلال ثلاثة أشهر ما هو أكثر من ضحايا حرب فيتنام التي استغرقت 12 سنة، بدا واضحا أن واشنطن مستعدة لاستخدام السلاح النووي أكثر من أي وقت سبق.
عبر شبكة «فوكس نيوز»، كان الجنرال الأمريكي «تيم راي»، قائد القوة الجوية العالمية، يطل على الأمريكيين مطمئنا إياهم بالقول: «اطمئنوا لقد اتخذنا الخطوات اللازمة للتأكد من أن القاذفات والصواريخ الباليستية العابرة للقارات جاهزة لضرب أي هدف على كوكبنا في أي وقت»، ولافتا إلى أن الجيش الأمريكي اتخذ إجراءات التباعد الاجتماعي والعزلة بين طواقم العاملين في الترسانة النووية الأمريكية، تحسبا لفيروس يمكن أن ينتشر بينهم.
هل جاءت تصريحات الجنرال «راي» ردا على ما قاله وزير الدفاع الروسي العتيد «سيرجي شويغو»، من إنه: «لا يجب أن تؤثر أزمة تفشي وباء كورونا على الأنشطة اليومية للقوات الروسية، بما في ذلك الأعمال التدريبية.
لم يتعلم الإنسان من درس كورونا، ذلك الكائن غير المرئي الساعي لإهلاك البشر، وربما علينا التساؤل، ألا يستدعي مثل هذا الهجوم من كائنات خفية وحدة علم وعمل لانتشال الخليقة من وهدتها، عوضا عن التخطيط لضربات نووية متبادلة تبيد الذرع والضرع؟
ألا يتطلب مستقبل البشرية وحدة بحث علمي تسعى في طريق الانتصار على المجهول المرضي المرعب المحلق حول العالم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى