الثورة السورية بعد خمس سنوات (1/2)
انتهت مفاوضات جنيف 3 من جديد إلى الفشل وعلقت حتى نهاية فبراير من هذا العام 2016م. كان الجعفري يتكلم بلهجة أستاذ مدرسة ابتدائية سورية، من العصر البعثي، وهو يلوح بالمسطرة للتلامذة (عفوا العصا)، ثم من شدة تدينه قال إن قرآنه أوحى له أن لا شروط مسبقة للتفاوض (هذا القرآن تبعنا) ويكرر من هو بجانبه، صدق الله العظيم.
الجديد أيضا ما كتبه ستيفن هايدمان (Steven Heydemann) من موقع بروكينج للأبحاث (Brookings) أن من نسف المفاوضات قبل أن تبدأ هي إدارة أوباما أمام عقدة بشار البراميلي!
بنفس الوقت يكتب (المنصف المرزوقي) رئيس تونس الأسبق عن (القوانين الخمس للثورات) وهو متفائل؛ أن أي ثورة على وجه الأرض وعبر التاريخ تأخذ خمس سمات، ما هي يا ترى؟
أولا ثمن باهظ ودماء ودموع وآهات، ثم ثانيا الثورة كالقطة تأكل أبناءها (حدث البارحة هذا عندي في حديقتي لقطتي الصغيرة). ثم الشهداء يذهبون إلى المقابر، والانتهازيون يقطفون الثمرات مبكرين، ورابعا انتبهوا للثورة المضادة، يقصد أن المستفيدين من النظام القديم يحاولون تغيير نظام التاريخ وإعادة عقارب الساعة للخلف، وهو يحدث ولكنه لا يدوم، وأخيرا (خامسا) يرى المرزوقي أن تونس لم تدفع الثمن مثل سوريا ولكنها انتكست، ويضرب مثله من الثورة الفرنسية أن الثورة ليست مثل الكبس على زر نور الكهرباء فيضيء وبكبسة ثانية يسود الظلام، لا… في نظره أن الثورة تحتاج وقتا كي تنضج وتؤتي أكلها كما جاء في الإنجيل عن الثمرة التي تقع في التربة الطيبة فتعطي ستين وثمانين.
فرنسا كنموذج مرت من عام الباستيل 1789 إلى الإمبراطور نابليون عام 1804 الذي أغرق أوربا بدم مليون قتيل، ثم ليأتي لويس الثامن عشر 1814 فشارل العاشر 1824 ثم لويس فيليب1830 فنابليون الثالث 1852 ليبني أعتى سجن في غابات جوايانا وليهزم شر هزيمة أمام بسمارك في حرب 1870 ثم كومونة باريس وحتى عام 1940 ليحكمها الديكتاتور بيتان قبل أن تولد الجمهورية الحالية ليخلص في النهاية إلى أن عقودا سوف تمر وستنهض الأمة وتتحرر من بني صهيون وجرافاتهم وستبنى المدن العربية التي دمرتها الفاشية المتسلطة، سوف تبنى حماة وحمص وتعز.
يقول المرزوقي عن أهداف الثورة الفرنسية الثلاثة أن: الحرية تحققت، أما المساواة فرأينا إعادة العمل بنظام الرق عام 1804 ولم يحصل العمال على أجر الإجازة إلا في عام 1936 ولم تصوت المرأة للمرة الأولى إلا عام 1945 (وبريطانيا عام 1912 بعد مظاهرات دموية ومقتل بنكهورست) أما الشعار الثالث (الأخوة) فمازال حلما بعيدا مع تفجر روح العنصرية.
أما (عبد الحي زلوم) الاقتصادي، فهو ينظر إلى الحرب في سوريا من منظور اقتصادي، يرى أن حربا عالمية تخاض بكل ضراوة بدفع أسعار البترول إلى الهاوية، مما يجعل دول الخليج الغنية تخسر كل يوم 1,5 مليار دولار بهذا الهبوط الأسطوري من 120 دولارا للبرميل إلى 30 دولارا.
يرى هذا الخبير أن خيوط اللعبة الأساسية هي بيد أمريكا وأمريكا وحدها، فهي كانت حتى عام 1970 منتجة للنفط لتصبح مستوردة، إذ تقوم منطقة الشرق الأوسط بضخ 17 مليون برميل يوميا لتشرب أمريكا منها 7 ملايين برميل، ولكنها هي وفنزويلا وكندا أخذت تعصر الزيت من الصخر والرمل ولكن بكلفة باهظة تزيد عن ثلاثين دولارا للبرميل، ومع تدني السعر إلى الثلاثين أصبح الإنتاج بغير جدوى، بنفس الوقت الذي زلزل الاقتصاد الروسي محاولا امتصاص الصدمة وكانت التوقعات أن الكارثة ستحل بالاقتصاد الروسي مع سعر الثلاثين أو دفعه حتى العشرين دولارا، مما دفع فعلا الروبل إلى نصف قيمته، ولكن روسيا عالجت الصدمة برافعات الضغط الدموي مثل حالات الإسعاف القصوى.
هنا تحاول أمريكا دفع روسيا إلى الهزيمة من خلال هذه الحرب الشرسة بإفشالها اقتصاديا ودفعها للغرق في الرمال السورية.
لعل هذا التحليل يلتقي مع ما ذهب إليه هايدمان في أول المقالة، ولكن من يدفع الثمن هم العرب. وهو يذكر بقصة الغلام والوصي؛ فقد كان الوصي على أموال الطفل يستعرض كل سنة ما صرف ويقول يا بني صرفنا ثمن نعال للجمال كذا وكذا..
حتى إذا نضج الغلام استنكر فقال يا عماه ولكن الجمال لا توضع لها نعال. ففرح الوصي وقال: كان ذاك اختبارا لرشدك فهذه أموالك ترجع إليك.
وكذلك الحال مع السفيه فنحن لم ننضج بعد ومازلنا ندفع ثمن نعال الجمال شيعة وسنة عربا وإيرانيين.
راسلت أخا فاضلا في سوريا وهو تحت قصف البراميل ليحدثني عن رؤيته لما يحدث في سوريا كشاهد فقال لي: أعتقد أن الثورة السورية كثورة حرية وكرامة إنسانية هي تهديد جدي للاستكبار العالمي، ونظام بشار هو نظام وظائفي يقوم بدور متميز في خدمة النظام العالمي، وهذا هو سر تواطؤ النظام العالمي ممثلا بقواه الكبرى معه، لذلك لن تكون الحلول السياسية إلا محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من نظام أصبح الإبقاء عليه مستحيلا، وكذلك ستتم محاولة لهزيمة ثورة استعصت على الحسم العسكري، بمصادرة أهدافها وجعل التغييرات الناتجة عنها في حدودها الدنيا، وهذا سيتوقف على مهارة المفاوض الممثل للثوار. ومن ثم فالخيارات إما ثوار معتدلون يؤمنون بقيم المجتمع المدني أو جماعات إسلامية بظلاميتها وعدوانيتها، للنظام العالمي، وهم عموما دواعش على درجات بكل أسف، وهذا يجعل الجهد الإصلاحي في العالم الإسلامي ملحا وراهنا؛ لأن هذا الفهم الظلامي للدين، هو العقبة الحقيقية الكبرى أمام تقدم المجتمعات العربية والإسلامية، الأمر الذي نادرا ما نلتفت إليه في معركة الحرية والتحرير.
ثم يضيف الدكتور عمار من نمر في حوران:
(لم تغير المعاناة أخلاق الناس أبدا، بل عرت الكثيرين منا فظهرت العورات وانكشفت القيم الحقيقية الحاكمة لشعب يتحدث عن الفضائل، ويدعي انتسابه إلى خير دين! وهذا هو السبب الرئيس لطول الثورة، بل وتراجعها أمام الهجمة الروسية الأخيرة. الناس في بلاء عظيم وهذا للأسف كشف الكثير من العورات، لقد تحولت الثورة التي تقوم على التضحية والفداء إلى حرب، والحرب أعلى قيمها الغنيمة، وهذه القيمة أي قيمة الغنيمة، هي مقتل الثورة وهي المسيطرة اليوم. إن ما يحدث اليوم في سوريا يبرهن على استحالة التغيير عبر القوة أو بتغيير نظام الحكم، الأمر الذي جربه المسلمون عبر تاريخهم مئات المرات، ولكنهم لم يتفكروا به أبدا. إن التغيير مستحيل من خلال العمل المسلح، فالحرب تحيي في النفس أسوأ ما فيها من غرائز، والثورة كما تبدو اليوم هي فرصة للتغير، وبوابة له، هي إمكانية للتغير، والتغيير يمكن أن يحدث بعد الثورة التي تشبه تحطيم القيود على طاقات البشر، أما توجيه الطاقات وتوظيفها فهذا يتوقف على إمكانيات المجتمع الكامنة فيه، وهي إمكانيات متواضعة في مجتمع متصحر مصادر معزول عن المجال العام منذ صفين حتى اليوم.
المتدينون عموما من أسوأ الناس، وخاصة طلبة الشريعة الذين يمارسون «فلسفة كلبية» بكل معنى الكلمة إلا من رحم ربك وقليل ما هم، وهم برهان قائم على تخلف قيم التراث الإسلامي وكيف أنها منقطعة عن قيم القرآن وقيم الإنسانية المعاصرة.
أخيرا يوجه المحلل اللبناني (ميخائيل عوض) التحية إلى مسؤول «المخابرات الجوية» في النظام جميل الحسن، لما له من دور في «صنع البراميل المتفجرة التي أخذ بها الأسد بعد نصيحة منه»، معتبراً أنها «كانت أكثر فعالية من الصواريخ المجنحة، وأقل كلفة».
وأقر عوض، في برنامج «حوار اليوم» على «الفضائية السورية» أنّ «استخدام هذه البراميل، وفر على خزينة النظام ملايين الدولارات، حيث كلفة البرميل الواحد لا تتجاوز 150 دولارا بينما كلفة كل صاروخ موجه هي 500 ألف دولار».
وأكد «المحلل» اللبناني الموالي لنظام الأسد، والذي زعم معرفته بالعلوم العسكرية أن «استخدام هذه البراميل كان اختراعا فعالاً جداً، وكانت له نتائج إيجابية» ووجه خلال لقائه «تحية لمسؤولي النظام على هذا الاختراع الفريد».
وجاء هذا الإقرار الصريح بمسؤولية النظام عن استخدام البراميل على شاشة التلفزيون الرسمي، بعد أشهر فقط من إنكار رأس النظام السوري بشار الأسد في مقابلة مع قناة bbcالإنكليزية استخدامه لها وقوله: «ليس لدينا أي براميل متفجرة وكل ما نملكه هي صواريخ موجهة نستخدمها».
كما يأتي بالتزامن مع كلمة المبعوث الدولي إلى سورية «ستافان ديمستورا» التي قال فيها موجها خطابه للشعب السوري: « كفى تدميراً للمباني، كفى قصفاً للمدن، أنا لا أعرف من الذي يقصف، أرى فقط القنابل، والصواريخ».
وكانت «منظمة العفو الدولية» أدانت في أحد تقاريها استخدام نظام الأسد لهذا السلاح معتبرة الأمر «جرائم ضد الإنسانية» ومؤكدة أنه «قتل أكثر من 3000 مدني في 2014 في محافظة حلب، بينما أوقع أكثر من 11 ألف قتيل في سورية منذ عام 2012».
وبحسب صور أظهرتها الأقمار الصناعية فإن 90 بالمئة من مدينة داريا في ريف دمشق أصبحت ركاماً بسبب قصف المدينة بأكثر من 3430 برميلا متفجرا خلال عام 2015 فقط وفق ما أكده المجلس المحلي لداريا.
وبالنسبة للمفاوضات، كتب إدوارد حشوة كلاما منطقيا يقول فيه: (المسألة السورية لم تعد محددة بين النظام والمعارضة، هي الآن شكل من صراع إقليمي ودولي يتجاوز سورية، وعبر الحرب فيها تريد الدول الحصول على مصالحها ولا تحفل كثيرا بالدم السوري ولا بخراب البلد، لذلك يجب على طرفي التفاوض أن يعرفا هذه الحقيقة، فزمن البطولات والعنتريات انتهى، ومن يكون ذكياً هو الذي يعجل في وقف الحرب الدولية على الأرض السورية بتقديم تنازلات متقابلة لتحقيق انتقال سياسي كخطوة نحو إخراج سورية من حلبة الصراع الدولي. أقنع النظام الروس أن تدخلهم العسكري سيحسم المعركة في أيام فتبين لهم في المواجهات أن الحسم وهم لا يصدقه غير المجانين، ولا يروج له غير المنافقين .الأميركيون احتلوا العراق كله في أسبوعين والروس فشلوا خلال مئة يوم أن يحتلوا قرية أو يحافظوا على منطقة أحرقوها، لأن القتال بين الجيوش غير القتال مع أكثر من أربعمائة نقطة اشتباك تتحرك ضمن بيئة موالية وقادرة على الدفع بمقاتلين جدد من خزان بشري لا يبدو حتى الآن أن فاعليته نضبت، في حين يعاني النظام رغم الدعم الخارجي من إيران والميليشيات المختلفة وأخيرا الروس من نضوب خزانهم البشري .إنها حرب استنزاف طويلة لا يريدها الروس وقد ورطتهم أميركا فيها، وهم مستعدون للمبادلة على دورهم في سورية بتنازلات في أوكرانيا أو في فك الحصار الدولي عليهم اقتصادياً، خاصة أن الروبل يتهاوى بنسبة النصف وأسواق النفط الروسي تخسر والغاز الروسي يواجه منافسين أقوياء.