شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

الثقافة لا تحلق فوق الملاعب

 

 

حسن البصري

قديما قيل: «الكرة لعبة الفقراء»، وحين تألق المنتخب المغربي في مونديال قطر سقطت هذه المقولة بالتقادم، وأصبحت ملاعب كرة القدم قبلة لعشيرة «الكيليمينيين» ومزارا لآباء وأولياء أطفال يداهمهم حلم النجومية في نومهم ويقظتهم.

لكن متى كانت الكرة لعبة الأدباء والمثقفين؟

من الصعب أن تجد أديبا في المشهد الكروي، لاعبا أو مدربا أو رئيسا، وكأن الكرة شأن الأقدام والأجسام لا مكان فيها للأشجان.

عفوا هناك استثناء، ففي مدرجات الملاعب ينتشر شعراء فصائل الألتراس، ينظمون القوافي ويشربون من كأس الهجاء وشعر النقائض، بعيدا عن صراع كتاب المغرب.

حين مات حكيم الرجاء البيضاوي، عبد القادر الرتناني، تبين أنه آخر الرؤساء المثقفين، لأنه ليس من فصيلة رؤساء «الشكارة» الذين يتحلق حولهم الصحافيون حين يرتفع مؤشرهم وينتفضون من حولهم مذعورين  حين يداهمهم الخوف والأرق.

لم يفارقه الكتاب في رحلاته وحين اقترح على أعضاء مكتبه المسير إنشاء مكتبة للناشئين في ملعب الوازيس، سخر منه اللاهثون وراء الألقاب، وقالوا له: «إذا دخل الأدب ملعبا خرجت الألقاب من الباب الخلفي»، فصرف النظر عن الفكرة.

حاول الرتناني عبثا الجمع بين الفكر والكرة، فتصدى له المغرضون، وحين استقال من منصبه بعد أن حقق مع الرجاء أول لقب بطولة في تاريخه، استعاد عافيته وهو يشم رائحة الكتب ويجوب أروقة معارض خير أنيس في العالم بحثا عن بطولات فكرية وأهداف أدبية لا يركض خلفها الرياضيون.

كلما اقترب مفكر أو شاعر أو أديب من مربع عمليات الكرة، طردوه أو حولوه إلى شخص في حالة تسلل.

ذات يوم كشف الكاتب عبد الكبير الخطيبي عن نيته لرئاسة الدفاع الحسني الجديدي، ورد الجميل للفريق الذي مارس فيه شغبه الكروي، فتصدى له المنتفعون من غلة الفريق الدكالي ورزقه.

وحين اقترب عزيز داودة الرياضي المفكر، من إدارة الرجاء وهو يتأبط مشروع تحديث هياكل الفريق، انتاب الذعر فئة من السباحين في الماء العكر.

وعندما كتب أبو بكر اجضاهيم رئيس الوداد السابق، قصائده في مدح الوداد اتهموه بالزهد وضعف اللياقة الكروية، وظل ديوانه الشعري في سراديب مركب محمد بن جلون عرضة للتلف.

ولم يسلم المفكر المغربي المهدي المنجرة من مناقرات الرجاويين، بعد أن ظهر في شريط فيديو قديم وهو يعبر عن عشقه للوداد البيضاوي، فقد تصدى له المتعصبون الخضر وشككوا في فرضياته وطالبوا بمقاطعة محاضراته قبل أن ينتبهوا إلى أن الرجل مات ولم تبق إلا كتبه في المكتبة الوطنية.

كلما ظهر أديب في محيط الكرة، اعتبروه في حالة شرود، وجيشوا من أجله قوات الردع المرابطة في ثكنات منصات التواصل الاجتماعي، حتى يخلو المجال لرؤساء يتبرعون بيمناهم وينشلون بيسراهم، بتزكية من المنخرطين يعتقدون أن الجمع سيد نفسه حتى في انتهاك الميزانيات، اسألوا الكاتب حسن نرايس عن الأسلاك الشائكة للطاس.

نعود إلى الراحل عبد القادر الرتناني، الذي كان لي شرف استضافته في قناة «تيلي ماروك» مرات ومرات، لأتقاسم معكم حدثا طريفا حصل له في البرتغال حين سافر إليها للتفاوض مع المدرب فيرناندو كابريطا. حل عبد القادر بلشبونة قبل موعد اللقاء بيومين خصصهما للتعرف على دور النشر البرتغالية، وفي اليوم الموالي جالس في إحدى مقاهي العاصمة الأديب البرتغالي الكبير جوزي دي سوزا الحائز على جائزة نوبل للأدب، لكن الرتناني سيكتشف أن صورته مع جوزي قد انتقلت إلى صحيفة مغربية حولتها إلى مادة إخبارية تحت عنوان: «رئيس الرجاء يصرف النظر عن كابريطا ويتعاقد مع مدرب برتغالي آخر». لقد ظن الصحافي أن الأديب البرتغالي مدرب فسقط في المحظور.

السبق عدو المصداقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى