التيكتوك.. سوق النخاسة الجديدة
زينب بنموسى
في الوقت الذي لا يتوقف فيه قوم الفيسبوك عن النقاش حول القانون 490 من القانون الجنائي، وما قاله الوزير الرباح عن زيارة إسرائيل، و«طارو الزبل» الذي اشترته وزارة العدل بمبلغ كبير، ويحلل فيه قوم التويتر ما يحدث داخل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وصفقات اللقاحات، وما تيسر من مسائل عالم المال والأعمال، ويسافر فيه سكان الإنستغرام من بالي إلى أكادير، ثم يعودون إلى باريس لأجل «الشوبينغ»، وحدها كائنات التيكتوك تسبح في عالمها الخاص بسلام، لا دخل لها بسياسة الفيسبوك ولا تملك القدرة الشرائية التي يحتاجها إنستغرام.
كائنات التيكتوك، على خلاف جميع رواد مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، تمثل شريحة واسعة من المغاربة، شريحة لن يغير إلغاء فصول القوانين الجنائية المجرمة للحرية، أو ذهاب الرباح لإسرائيل، أو حتى تغير أعضاء الحكومة شيئا من حياتها التي تقضيها منذ ولادتها إلى أن يتوفاها الله بحثا عن لقمة العيش.
رقصات التيكتوك الغريبة، موضة تصوير «الروتين اليومي»، وحتى «المعاطية» كلها تدخل في صميم عملية البحث عن لقمة العيش، التي كانت سابقا تتم لدى شعب المغرب العميق في الشارع بطرق مهينة، وتمت عولمتها حاليا بطريقة «تحفظ»، حسب ظن روادها، قليلا من كرامتهم، وتوفر لهم ربحا صافيا من المنزل.
فمن يظن أن الفيديوهات المنتشرة على التيكتوك لا تجلب لمصوريها الا الشوهة والعار، فهو غالبا يجهل أو يتجاهل عمدا أن مداخيلها تغني صاحبها عن شوهة أخرى هي شوهة الفقر، وعار أفظع هو عار الحاجة، وأن صاحبات روتيني اليومي اخترن الشوهة لي كاتوكل الخبز، بدل «العفة» التي لا يدفع لأجلها المجتمع.
تطبيق التيكتوك هو مرآة الحقيقة التي يرفض المغاربة النظر إليها لأنها تعكس وتفضح واقعهم الأخلاقي الذي ظل لسنوات مخفيا وراء أبواب البيوت، وتعري أسطورة «الحشومة» التي كبروا معها وعلمتهم أن يمارسوا في السر ما يستنكرونه في العلن، ولا زالوا يمارسونها إلى الآن على الإنترنت عبر قاعدة «يخ منو عيني فيه»، حيث تتجاوز مشاهدة فيديوهات التيكتوك والروتين اليومي الملايين في ساعات معدودة، وفي نفس الوقت يتبرأ منها الجميع. فمن يشاهدها إذن؟ ولماذا ستواصل «التيكتوكرات» عروضهن إذا لم يكن هناك طلب عليها؟
فإذا قلنا إن مصوري هذه الفيديوهات يحركهم المال والشهرة، ما الذي يحرك هؤلاء المتابعين الذين يعدون بالملايين؟
لذلك، لا يمكن تحميل المسؤولية كاملة لأصحاب القنوات، لأن المتفرج والمصور على حد سواء وجهان لعملة واحدة وتجسيد للواقع المغربي الناتج عن نفس التنشئة الاجتماعية والخلفية الثقافية الفارغة التي ساهمت في خلق شريحة لم تجد حرجا في الدخول الى سوق نخاسة رقمي جديد لتجعل من نفسها فرجة مقابل التربع على عرش الطوندونس عن طيب خاطر، وكما كانت العاهات الجسدية تعرض في الأماكن العمومية سابقا طمعا في الصدقة، ها هم الناس يعرضون عاهاتهم الفكرية حاليا على التيكتوك طمعا في الأدسنس.