شوف تشوف

الرئيسية

التيسير (عمر نص بلاصة).. زلة قدم تنهي أسطورة رجل أعمال استثنائي

ولد عمر التيسير في أحد دواوير تمنار، «حاضرة» منطقة حاحا وعاصمة الأركَان، خلال ثلاثينات القرن الماضي. واجه الفتى قسوة الحياة وقسوة الطبيعة أيضا، وتسلح بالتحدي وقرر القفز فوق كل الحواجز الطبيعية والبشرية، ليصنع لنفسه شخصية ملقحة ضد الإحباط. قرر خوض معاركه مع كسرة الخبز وعمره لا يتعدى 12 سنة، مستعينا بفكر يقظ وذكاء خارق، استعان بهما لاختراق عالم رجال الأعمال من خم الدجاج.
بدأ عمر حياته في عالم «البيزنيس» بفكرة جهنمية، أعفى من خلالها نساء دواوير تمنار من التنقل إلى السوق، إذ كان يشتري منهن ما جمعنه من بيض، دون أن يسلمهن مقابل البضاعة، لكن الفتى كانت عملته «الكلمة» فأسس علاقة ثقة مع محيطه، وحين كان يبيع البيض يسلم لمزوديه ما بذمته. هكذا نال الفتى شهرة في منطقة حاحة وأصبح موردا لرزق الكثير من الأسر، ما شجعه على توسيع نشاطه ليصبح في ظرف وجيز بائعا للبيض بالجملة، ومزودا رئيسا لأسواق تمنار وسميمو بهذه المادة الغذائية.
يرجع أصل لقب «نص بلاصة» الذي التصق بالتيسير، في حياته وبعد مماته، إلى إصراره على التنقل في حافلات نقل المسافرين التي تربط بين مراكز المنطقة، دون أداء الثمن الكلي للتذكرة، حيث يكتفي لصغر سنه بأداء نصف الثمن، مانحا لمسافر آخر فرصة مشاركته في المقعد الواحد. ما جعل سائقي ومحصلي الحافلات وأيضا «كورتيات» المنطقة يلقبونه بـ»عمر نص بلاصة».
انقطع عمر عن جولاته بين الدواوير، وقرر الاشتغال في مجال آخر، فراودته فكرة جمع الحجارة بدل البيض، يقول أحد أفراد عائلته إن شركة فرنسية كانت بصدد بناء طريق يربط المنطقة بأكادير، وكانت تحتاج إلى كمية من الحجارة المكسرة، لاستعمالها أسسا لبناء الطرق، قفزت إلى ذهن عمر فكرة جهنمية، فجمع حوله شباب الدواوير وشرح لهم المشروع المدر للدخل، لتبدأ أولى خطوة في مسار الألف ميل، الذي قاده إلى محيط القصر بوصفه أحد أكبر رجال الأعمال.
في نهاية شهر أبريل من سنة 1979، تعرض عمر التيسير لحادث عرضي حين التوت قدمه وهو يهم بصعود سلم مكتبه، هوى الرجل من الأعلى إلى الأسفل وارتطم رأسه بدرج، قبل أن يدخل في غيبوبة، ليتم نقله على وجه السرعة إلى إحدى مصحات الدار البيضاء، ولكن حالته الصحية لم تتحسن، بل ازدادت سوءا.. حينها تقرر نقله إلى مستشفى «لاتيمون» في مارسيليا بتوصية من أحد الأطباء، لأن النزيف الدموي كان خطيرا، ما أدخل «الحاج» في غيبوبة. استأجر مجلس الأسرة طائرة خاصة أقلت الأب المغمى عليه إلى مدينة مارسيليا، هناك خضع لعملية جراحية على يد اختصاصيين في جراحة الدماغ، لكن الرجل ظل في غيبوبته التي دامت عشرين يوما انتهت بوفاته في 26 ماي 1979. ظل صهره حريصا على مرافقته في أصعب وضعية صحية عاشها، لكن مشيئة الله كانت فوق كل الآمال والتوسلات، لتنهي أسطورة رجل عصامي تحول إلى أحد بناة مغرب ما بعد الاستقلال.
دفن الفقيد بمقبرة «الشهداء» في موكب جنائزي مهيب، وحين عاد أبناؤه إلى البيت لتلقي التعازي، أجمعوا على الاستمرار في مسار الألف ميل الذي لم يكتب للأب إنهاؤه. خلف الراحل ثلاثة أبناء، وهم «فاطمة الزهراء» و»رشيد» ثم «أمينة». وحين انفض المعزون عقد الأبناء اجتماعا طارئا حضره بعض المقربين من أمثال الصويري وبوفتاس، وخرجت توصية تقول: «نحن على عهد الفقيد سائرون»، ليعهد لرشيد باستكمال المسار، سيما وأن الراحل مات تاركا 20 مشروعا قيد الإنجاز في الداخل والخارج، ما عجل بقرار الاستمرار.
قبل وفاته، كان عمر بصدد الاستعداد للاستقرار في مدينة مراكش، ما كان يجعله قريبا من مشاريعه التي بدأت تكبر في المنطقة الجنوبية، وفي الهضبة الفوسفاطية، لكن لا مرد لقضاء الله.
بعد سنة على رحيل التيسير، تيسرت الأمور لمقاولة لطفي المتخصصة في بناء الطرق، والتي نالت صفقة بناء الجدار الدفاعي بالصحراء المغربية، بقرار من الجنرال الدليمي، فكان آخر قرار يتخذه الرجل قبل وفاته في الحادثة الشهيرة.
ورغم أنها الأصغر من بين أبناء عمر، فإن أمينة ظلت تناضل من أجل استمرار صرح عائلة التيسير، تملك أمينة، وهي زوجة عمر الصويري، نجل المرحوم عبد الله الصويري الذي قاد قطاع التجارة والصناعة والفلاحة والخدمات لسنوات، رغبة فولاذية في صيانة الموروث الذي خلفه الراحل، تتصدى لكل من يحاول وضع خاتمة الإفلاس في «جنيريك» قصة عمر «نص بلاصة»، تنتابها بين الفينة والأخرى حالة غضب كلما رسمت بعض الأقلام لنهاية والدها سيناريو مخالفا لواقع الحال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى