بقلم: خالص جلبي
(16) من قتل 99 نفسا هل له من توبة؟ حديث الرحمة
فيمن قتل 99 نفسا، وكيف أن مجرما أراد التوبة فتوجه إلى راهب جاهل، فقتل الراهب، فاكتمل نصاب القتلى بمائة نفس، حتى وصل إلى راهب واع دله على تغيير البيئة فمات في الطريق، فأخذته ملائكة الرحمة مع كل جرائمه. في الواقع ثمة نصوص تفيض بالرحمة، يكفينا الآية من سورة «الأنعام»: «كتب ربكم على نفسه الرحمة»، وهذا يعني أن هذه الرحمة هي التي ستعمنا في النهاية، ومنه كان رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم يقول: لن يدخل الجنة أحد بعمله، قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته. معنى هذه الكلام، أننا نستعد بالعمل الصالح كي نكون مهيئين لنيل الرحمة من رب رحمان رحيم، ومنه نفهم تكرار مفهوم الرحمة في مطلع كل سورة، ومنه اعتمدت المسيحية كلمة المحبة. ومن الحديث نفهم أثر الوسط في الجريمة، مما دفع دول الاتحاد الأوروبي إلى إلغاء حكم الإعدام، على أساس أنها نتاج سوء المجتمعات. والآن إليكم الحديث:
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعا وتسعين نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فَدُل على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعا وتسعين نفسا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض؟ فَدُل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومَنْ يَحُولُ بينه وبين التوبة؟ انْطَلِقْ إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله -تعالى- فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نَصَفَ الطريقَ أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا، مقبلا بقلبه إلى الله -تعالى-، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم -أي حكما- فقال: قِيسُوا ما بين الأرضين فإلى أيتِهِمَا كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة». وفي رواية في الصحيح: «فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها». وفي رواية في الصحيح: «فأوحى الله -تعالى- إلى هذه أن تَبَاعَدِي، وإلى هذه أن تَقَربِي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغُفِرَ له». وفي رواية: «فَنَأَى بصدره نحوها». (صحيح).
(17) فلسفة الموت والحياة ودلالات الموت:
في حديث موسى وملك الموت، وكيف أن موسى أراد التهرب من الموت؛ فقيل له بأن يضع يده على متن ثور فله بكل شعرة سنة؛ ليدرك موسى أن الأجل قادم وهو يتربص به ريب المنون، فاستسلم للموت. ونص الحديث كالتالي:
(أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام، فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال: فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إليه، فقل له: يضع يده على متن ثور، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب ثم مه؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق، تحت الكثيب الأحمر). (صحيح) .
(18) حديث معنى الاستيقاظ لصلاة الصبح:
وكيف أن الاستيقاظ المبكر يطلق النفس بنوازع الخير، وأن الاستغراق في النوم مفسد للروح، مهلك للبدن. ونص الحديث هو:
(يَعْقِدُ الشيطان على قَافِيَةِ رأسِ أحدِكم، إذا هو نام، ثلاث عُقَدٍ، يَضْرِب على كل عُقْدَةٍ: عليك لَيلٌ طويل فَارْقُدْ، فإن استيقظ، فذكر الله -تعالى- انحَلت عُقْدَةٌ، فإن توضأ، انْحَلتْ عُقدَةٌ، فإن صلى، انْحَلتْ عُقَدُهُ كُلها، فأصبح نشيطا طَيبَ النفس، وإلا أصبح خَبِيثَ النَفْس كَسْلان).
(19) حديث النوم قبل الغروب ونتائجه:
إلى درجة أن من نام في هذا الوقت قد يستلب عقله، وقد يكون فيه لون من المبالغة، ولكن الواقع والطبيعة والبدن تقول إن ما قبل الغروب وقت للتمشي وتبديل الجو وانشراح النفس، وليس للنوم إلا لحاجة قاهرة. وإليك الحديث:
(من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه)، هذا الحديث رواية فيه ضعف، ولكن الواقع يقول إنه صحيح. النوم بعد العصر سيئ، أما ظهرا بعد الطعام قيلولة فهو جيد.
(20) حديث سباعي الجنة:
عن سبعة أصناف يدخلون الجنة، وهم أصناف يجب الوقوف أمامهم كنماذج للقدوة مع التحليل لماذا نالوا هذه المرتبة؟ وإليكم الحديث: (صحيح)
سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا، ففاضت عيناه».
(21) حديث صخرة الخلاص:
فيمن أغلق عليهم الكهف وكانت الأدعية وفعل الصالح في ثلاثة أشكال، سببا في استجابة الصخرة وزحزحتها عنهم وخروجهم بالسلامة.
انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لاَ يُنْجِيكُمْ من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم. قال رجل منهم: اللهُم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنتُ لاَ أَغْبِقُ قبلهما أهلا، ولا مالا فنأى بي طلب الشجر يوما فلم أَرِحْ عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غَبُوقَهُمَا فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما وأَنْ أغبق قبلهما أهلا أو مالا، فلبثت -والقدح على يدي- أنتظر استيقاظهما حتى بَرِقَ الفَجْرُ والصبْيَةُ يَتَضَاغَوْن عند قدمي، فاستيقظا فشربا غَبُوقَهُما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرجْ عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه. قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، كانت أحب الناس إلي -وفي رواية: كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء– فأردتها على نفسها، فامتنعت مني، حتى أَلَمتْ بها سَنَةٌ من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أنْ تُخَليَ بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها –وفي رواية: فلما قعدت بين رجليها- قالتْ: اتقِ الله ولاَ تَفُض الخَاتَمَ إلا بحقه، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إنْ كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافْرُجْ عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم، غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فَثمرْتُ أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله، أد إلي أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك: من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله، لا تستهزئ بي! فقلت: لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافْرُجْ عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون».
(22) مداعبة الأطفال في حديث يا أبا عمير ما فعل النغير:
وهو التحريض على مداعبة طفل كان يلعب بعصفور صغير، ومنه قيل اشتق الشافعي أكثر من سبعين حكما، وأنا شخصيا راجعت الأحكام في كتاب الشنقيطي، وعرفت كيف أن الإمام كان في استضافة ابن حنبل ولم ينم طول الليل، وبنت ابن حنبل تراقب هذا الضيف الغريب (رواه الشيخان).
(23)ـ حديث الدأب والديمومة: وهو أحب الأعمال إلى الله وإن قل.
(24) ـ حديث خصال التدمير الاجتماعية الخمس عشرة: إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء
حديث الصفات الخمس عشرة (إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء)، وهو حديث في عمومه ضعيف (السند)، ولكن بعضا منه قوي الفكرة (من نموذج اختلال القيادة في المجتمع، وتفشي ظاهرة النفاق الاجتماعي)، وهذا يدخلنا في علم جديد أطلقت عليه في كتابي «النقد الذاتي وضرورة النقد الذاتي للحركات الإسلامية» الوضع الصحيح للحديث، وهو تجديد فكرة علم الحديث (دراية)، تلك التي أسسها علماؤنا من قبل، وغفل عنها اللاحقون حين أكدوا على السند دون المتن، ومنه نفهم أيضا ما ذهب إليه ابن خلدون قديما والغزالي الحديث، حين أطلق ابن خلدون القاعدة السداسية في نقل الأخبار، فقال في مقدمته: «فاعلم أن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد والذاهب بالحاضر، فلا يأمن فيها الإنسان من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق»، وهو ما وقع لكثير من أئمة النقل والتفسير. الشيء نفسه كرره الغزالي الحديث، في كتابه «الحديث النبوي»، ما جعله يلمس الجدار الصاعق ويحرك (السلفيون) في نقده وهو متوقع.
(روى الترمذي في آخر جامعه، في كتاب الفتن، عن علي – رضي الله عنه – ما نصه:
حدثنا صالح بن عبد الله الترمذي، حدثنا الفرج بن فضالة أبو فضالة الشامي، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن عمر بن علي، عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
«إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء»، فقيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: «إذا كان المَغْنَمُ دُولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وبر صديقه، وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيمُ القوم أرذلهم، وأُكرم الرجل مخافة شره، وشُربت الخمور، ولُبس الحرير، واتخذت القَيْنات والمعازف، ولعن آخرُ هذه الأمة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء، أو خسفا، ومسخا»).
(25 ) ـ حديث الإتقان في العمل: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه
هذا (الحديث مختلف في صحته فمن أهل العلم من يحسنه ومنهم من يضعفه، إلا أن معناه صحيح) .
بكل أسف فإن المشاهدة اليومية تفيد في مجتمعنا عكس هذا الحديث، فليس ثمة إتقان في العمل أو مراقبة، سواء في مخطط البناء، أو هندسة الشوارع وبنائها، أو مراقبة المياه. ومن اللافت للنظر أنه قد تكون ربة البيت معتنية ببيتها، ولكن لا يهمها جارتها. وهذا يقول إن قوة المجتمعات هي من الشبكة الاجتماعية. أنا شخصيا عاشرت الألمان، وحاليا في كندا ثمة هوس بالدقة والكمال. عندي في البيت بالمغرب أصلح الحمامات من حين لآخر، وفي كندا عندي تتناهى الإصلاحات إلى الصفر، والسبب هو إتقان العمل، أما الألمان فعندهم عشق للكمال. راقب صناعة سيارة «المرسيدس» و«بورش» و«أودي» و«فولكس فاغن» إنها قمة الصناعة. صديقي توفيق أراد تغيير بطارية السيارة عندي، قال هناك إيطالية وبطارية ألمانية أيهما تريد، والثانية أغلى بمائة درهم؟ كان جوابي بدون تردد الألمانية. أنا رجل أختص في ألمانيا وأفهم هذه الأخلاق تماما. المحزن والتناقض أن هذا الحديث من ثقافتنا ونحن عكس الحديث، فأين السر؟ هذا ما سيظهر لنا مع تدفق الأحاديث الحيوية، لكشف أسرار النفس والمجتمعات.
نافذة:
نستعد بالعمل الصالح كي نكون مهيئين لنيل الرحمة من رب رحمان رحيم ومنه نفهم تكرار مفهوم الرحمة في مطلع كل سورة