التهديد المجهري للغرور العقدي
فيروز فوزي
لم نكن في حاجة إلى حجر صحي لأننا في الواقع كنا نعيش حجرا فكريا وعاطفيا، بسبب غياب الديمقراطية وحرية التعبير من جهة، وبسبب حالات الانغلاق العقدي التي تعيشها أغلب المجتمعات المصنفة «مسلمة» بصفة خاصة.
كان لا بد إذن من رجة نفسية قوية لخلخلة المفاهيم التي تحجب عنا رؤية العالم بصورة واضحة وواقعية، هذه الرجة لم تجئ في صورة المهدي المنتظر، بل بالعكس حلت بنا على نحو غير منتظر ولا هي جاءت في شكل بيان تذيعه حركة ثورية جديدة، ولا عبر انقلابات شعبية أو عسكرية زلزلت أركان الدول. فلا هذا ولا ذاك؛ بل أحدثت هذه الرجة كائنات مجهرية نسمع عنها ولا نراها بالعين المجردة، نتهيب خطرها ولا نستطيع محاربتها بكل الأساطيل والجيوش التي تملأ الأرض. الرجة شلت قدرات العالم ووضعت الدول أمام تحديات وجودية تتجاوز الهلع الذي تسببه الأزمات الاقتصادية، إذ أضحت البشرية مهددة في وجودها، وأضحت في سباق مع الزمن لضمان استمرار النوع البشري في الوجود على اليابسة، الشعوب من جانبها أصبحت تتحسس شبح الموت الفجائعي المرتقب في أي لحظة وحين.
إننا أمام تجربة إنسانية وجودية غير مسبوقة، كنا نعتقد دوما أن الكوارث العظيمة تهم الآخرين، وأننا في مأمن منها محصنون بدولنا ودساتيرنا وسياداتنا واقتصادياتنا…
لأول مرة يتهددنا عدو ينجح في اختراق أنظمتنا الأكثر حصانة والأكثر مناعة.. لقد بات جليا أن جائحة كورونا وضعت الشعوب كما الأنظمة جميعها في منزلة واحدة، وقربت الإنسان من فطرته المشاعية المجبولة على الخوف والتمسك بالحياة، لأول مرة يتخلى الإنسان عن جملة من الكماليات وهوامش رحبة من الحريات، التي كانت قبل أسابيع تشكل عصب الحياة بالنسبة إليه ولا يتصور العيش بدونها.
نحن في حال من الاكتفاء بالممكن والمتاح، وحال من التوجس حيال المتغيرات والمستقبل الذي صار أقل ضبابية. حال من الانتظارية المقيتة المشوبة بالخوف والحذر.
غير أن كل تجربة إنسانية مهما كانت درامية فهي تحمل في طياتها ما ظهر منها وما بطن ملامح مشرقة، إذ تجتاح الإنسان حالة من الصفاء الذهني تحمله إلى مدارج عالية من التأمل والتفكر في الذات والوجود، فنصير أكثر عمقا وأكثر هشاشة في آن واحد. ننشغل للحظات بالأشياء التافهة والتفاصيل التي كنا ننشغل عنها ونحن مأخوذون بتقلبات الحياة الضاجة بالجشع والرغبة في التملك والنجاح والإثراء والحلم بالحلم بامتلاك مفاتيح الخلود.
نافذة:
كان لا بد إذن من رجة نفسية قوية لخلخلة المفاهيم التي تحجب عنا رؤية العالم بصورة واضحة وواقعية، هذه الرجة لم تجئ في صورة المهدي المنتظر، بل بالعكس حلت بنا على نحو غير منتظر