شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

التنصيب الثاني لترامب

 

مقالات ذات صلة

 

د. خالد فتحي

ليس جديدا هذا اليوم أن يتربع ترامب رسميا على عرش البيت الأبيض، فقد جرى التقليد أن الرئيس الأمريكي ينصب عادة في هذا التاريخ.. ولكن الجديد أن الرئيس 47 للولايات المتحدة لا يتمثل عرشه على أمريكا لوحدها، فهو لا يراها شيئا يذكر مقارنة بفائض القوة التي تحصلها. بعد أن عاد منتصرا مكللا بالغار، على الرغم من أنوف أعدائه، شامتا بهم، متوعدا لهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، وتحصن بما يراه أنصاره عناية إلهية تحيط به، بعد نجاته بمعجزة من محاولتي اغتيال.

إنه يأتي الآن محاطا بكوكبة من رجاله المخلصين، الذين يقدمونه بكونه المخلص المنتظر، الذي سيحل كل مشاكل أمريكا والبشرية بضغطة زر. ولذلك لا ينوي أن يكون دركي العالم فقط، بل الآمر الناهي الذي يحكم هذا العالم أرضا وفضاء، بالضبط كما لا يفتأ يزين له إيلون ماسك القادم في ركابه .

اليوم يفرك أغلب العالم عينيه غير مصدق.. وهو يرى ويتحقق من أن الترامبية لم تكن سحابة صيف عابرة، بل نموذج حكم لن يترسخ بأمريكا وحدها، وإنما سينتشر كما تنتشر الموضة، حتى لا أقول الوباء، لدى باقي الشعوب التي لم تنتم بعد لنادي الدول السلطوية .

كل عيون العالم معلقة إذن بالبيت الأبيض، تتابع هذا الحفل السوريالي، فهناك أمريكا مختلفة مثيرة للجدل داخليا وخارجيا ستولد، وهناك أمور كثيرة ستتغير. هناك الآن ترامب مجرب تمرغ في السياسة يصر على أن يملأ الدنيا ويشغل الناس. جو بايدن من جهته مستاء ومتخوف كثيرا مما يخبئه المستقبل لأمريكا وللديمقراطية، وهو محق في جانب كبير من تخوفاته.

ترامب سيسعى يقينا إلى التنكيل ليس بخصومه فقط، وإنما حتى بأصدقاء لأمريكا ممن أساؤوا تقدير إمكانية عودته على رأسها، منهم من يتحسس الآن رأسه كزيلينسكي، ومنهم من يبادر لاسترضائه برفع وارداته من أمريكا. ومنهم من ينتظر حتى يتبين له الخيط الأبيض من الأسود .

ينوي ترامب أن يخفض الضرائب، وأن يرفع رسوم الجمارك، ويقلص حجم الحكومة والإدارة، وسينفذ بالتأكيد وعيده بملاحقة المهاجرين غير الشرعيين. وسيرخص حتى لاستعراضات في الشوارع بأسلحة نارية، سيقوم بمنع الإجهاض وتجريم التحول الجنسي، ونقض إيديولوجية النوع الاجتماعي، وإنقاذ الرياضيات من النساء من اعتداء الرجال عليهن في حلبات المصارعة وفنون القتال. وعلى الصعيد الدولي، ها هو قد بدأ بما لم ينتظره منه أحد: وجه حربته الإمبريالية نحو أوروبا، حين أعلن رغبته في التهام كندا وجزيرة غرينلاند الدانماركية وقناة بنما مرة واحدة. وأتوقع أن تنفتح شهيته لضم الوالدة بريطانيا تحت جناحه، برا بها ونكاية في أوروبا، فبعد البريكست لا شيء بقي سوى الضم. إنه يضفي بهذه الشطحات شرعية كاملة على حرب بوتين بأوكرانيا ويهين أوروبا.

نسخة جديدة من الديمقراطية الغربية ترى النور إذن مع ترامب في نسخته الثانية، تقوم على مبدأ أن الأقوى هو الأصلح، وأن الحق مع من غلب. وأول ترجمة لهذه المبادئ، هي أنه حيث توجد مصلحة أمريكا سيوجد لها حق بالتدخل، ولم لا بالاستحواذ. من الواضح أن ترامب يحمل برنامجه «الثوري» للثأر من اليسار، ومن إيديولوجية «الووك»، ومن الصين، أما العالم العربي فربما أنه لا يراه. إنه يؤسس كذلك، ومع ماسك هذه المرة، لأممية يمينية يراها البعض متطرفة أو رجعية كما نعتها ماكرون، ويراها هو قمينة بإعادة هيبة أمريكا وسؤددها على العالم.

رجعة ترامب تعني أننا على أبواب منعطف تاريخي، سيتغير فيه النموذج الأمريكي بالكامل، ويتحور فيه المشهد الدولي، وتدخل فيه الديمقراطية الغربية المتعالية في أزمة مفتوحة، ستدفع بها نحو حتفها المحتوم .

هناك من يظن أن ترامب مقدمة لانهيار أوروبا، أو لانهيار أمريكا ذاتها، لكني أعتقد أن ترامب وأمريكا يعرفان بدقة ملامح العالم القادم، ويستعدان لقيادته.

ففي رأيي، أدى كل من التوحش الرأسمالي والتقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي إلى نقض التمثلات القديمة للديمقراطية، التي لم تعد ممكنة بمفهومها المتعارف عليه. نحن نستقبل الآن عالما مختلفا سيكون بقيم أخرى وبمؤسسات دولية جديدة، عالم ستتغير فيه التحالفات بشكل جذري. نحن في حالة توزيع لأوراق اللعبة، وقوة أمريكا أنها ترى ما في يد الخصوم من أوراق، فتتحكم في خبايا اللعبة. حقيقة مع ترامب لن نغمض عيوننا خلال أربع سنوات، ولربما لمدة أطول، فلنحزم الأربطة إذن ولنستعد للإثارة، وكذلك لتحمل كل ما هو غير متوقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى