شوف تشوف

الرئيسيةتعليمتقارير

التكلفة الحقيقية لفشل إصلاح التعليم

نافذة:

أن لا نتمكن من تكوين مهندسين يصنعون سيارة ليس عيبا إطلاقا إذ يمكننا استيرادها لكن العيب الأكبر أن نستوردها لبشر يسوقونا بذهنية الفروسية وركوب الخيل

 

لطالما كانت السياسات التعليمية موضوع جدل سياسي وثقافي في كل الدول، بما في ذلك الدول التي تشهد حياة سياسية «مُمَركزة»، لأن هناك إجماعا على أن هذا القطاع ينبغي أن يظل تحت إشراف مباشر من الدولة، مهما كان توجهها الإيديولوجي. فالتعليم كان وسيظل شأنا عموميا، وأي شكل من أشكال الاستثمار الخاص فيه هو استثمار في خدمة كانت وينبغي أن تظل عمومية، ولا عذر لأي شكل من أشكال التهاون في هذا الأمر.

ففي المغرب كان التعليم ومايزال منذ الاستقلال أمرا يهم الدولة والأمة، وهذا ما يفسر منه مرتبة «الأسبقية الوطنية». لذلك فعندما نُقرُّ بفشلنا الذريع في إصلاح تعليمنا، فإننا نفعل ذلك كدولة وكأمة، ولا يهم هنا اللون الذي تتشح به الحكومات المتلاحقة.

فما لَحِقَ بنا من خسارات في هذا القطاع أكبر بكثير من خسارة جهود وأزمنة وأموال عامة. فالشاب، الذي يتخرج من المدرسة بشهادة على الورق بينما هو في الحقيقة «شبه أمي»، وبدون أية مهارة حياتية، هو تماما كالشاب الذي غادر المدرسة قبل أن يكمل دراسته أو لم يلتحق بها قط. فما الفرق بين شاب أمي لم ينل حظه في التعليم إطلاقا، وشاب آخر حاصل على شهادة ولكنه يعول على رتابة المكاتب في القطاع العام ليحصل على شغل؟

هذه الخسارات منها ما يمكن استدراكه ببدائل، ومنها خسارات ترهن مستقبلنا كأمة إلى حين. فأن لا نتمكن من تكوين مهندسين يصنعون سيارة ليس عيبا إطلاقا، إذ يمكننا استيرادها، لكن العيب الأكبر أن نستوردها لبشر يسوقونا بذهنية الفروسية وركوب الخيل. بشر ليس لهم أدنى احترام للفضاء العمومي وأي اعتبار لسلامة الآخرين.

أما نوع الخسارات التي لا يمكن تعويضها إطلاقا، فيمكن إجمالها في عنوانين رئيسيين:

خسارة حقوقية، لكوننا فشلنا في ضمان تعليم جيد لجميع الأطفال المغاربة، فكرسنا بذلك طبقية تربوية تنتج عنها تفاوتات صارخة من حيث الحق في التربية، وبالتالي الحق في الارتقاء الاجتماعي والشخصي. أي الحق في تعليم يُمكّن الأطفال من اكتشاف مواهبهم وقدراتهم وصقلها لتكوين شخصيات نافعة لهم ولمجتمعهم.

المثير للانتباه، هنا، أننا عندما اكتشفنا أن مبدأ المساواة غير متحقق في تعليمنا، اخترنا، منذ 2015، اعتماد مبدأ الإنصاف، لعلنا نردم الهوة بين طبقات اجتماعية تدرس وتتفتح وتتعلم وتنمي قدراتها الحياتية المختلفة، وطبقات هشة بالكاد تنهي مرحلة التعليم الإلزامي، وإذا حصل وتمكنت من ذلك، فإنها «تتخرج» من المدرسة العمومية شبه أمية، ومع ذلك لم نستطع أن نحقق مدرسة الإنصاف هي أيضا.

أما الخسارة الثانية فقيمية صرفة.

فعندما نقول إننا فشلنا في تعليمنا، فهذا في حد ذاته يُعد تفسيرا لكل الكوارث السلوكية التي نراها ونتعرض لها في فضاءاتنا العامة. في شوارعنا وحدائقنا وملاعبنا ومدارسنا وأسواقنا وأيضا في فضاءاتنا الرقمية. فالفشل في التعليم يعني الفشل في ترسيخ السلوك المدني، فعندما قال الفيلسوف اسبينوزا إن «الإنسان لا يولد إنسانا بل يصير كذلك»، فلأن التربية على القيم تحديدا هي التي تصير الإنسان إنسانا، ولا توجد وسيلة أخرى لترسيخ السلوك المدني الإنساني في مجتمع ما غير التعليم.

فالمعارف والمهارات تفرق بين الناس، فلكل استعداداته وقدارته الفطرية التي تميزه، فأن لا يعرف زَيْدٌ الرياضيات وأن لا يعرف عَمْرٌ الأدب، في المقابل، لا ينقص ذلك من آدميتهما شيئا، لكن أن لا يكونا شخصين محترمين هي نقيصة لهما وخسارة فادحة للمجتمع الذي سيحتضن نزوعاتهما الحيوانية التي لن تلجمها القوانين وحدها، بل تلجمها التربية فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى