شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

التكتيكي والاستراتيجي بأوكرانيا

 

 

وحيد عبد المجيد

 

 

كثيرة هي الالتباسات التي تحيط بتطورات الأزمة الروسية الغربية، منذ بداية تصاعدها في خريف 2021، ثم تحولها إلى حرب في أوكرانيا دخلت شهرها السادس، ويتوقع أن تستمر لأشهر أخرى على الأقل. تعود هذه الالتباسات إلى تعقيدات الأزمة في شقيها السياسي والعسكري، وأبعادها الاقتصادية والثقافية.

لكن أهم ما يزيد هذه التعقيدات، ويوسع نطاق تلك الالتباسات، هو الخلط الذي صار شائعا بين الاستراتيجي والتكتيكي في الأزمة – الحرب. وهذا خلط يحدث إما بقصد تمليه انحيازات سياسية أو إيديولوجية إلى هذا الطرف أو ذاك، أو بغير عمد نتيجة اختلاط الأمور في وضع شديد التعقيد. ويتغذى الخلط بين الاستراتيجي والتكتيكي على فائض من الأخبار الزائفة أو المصنوعة، وقلة المعلومات الدقيقة أو المدققة في ظل حرب إعلامية دعائية، ربما تكون الأشد في تاريخ الصراعات الكبرى.

ويضاف إلى ذلك أن طبيعة الحرب نفسها تزيد قابلية اختلاط الاستراتيجي بالتكتيكي، أو الخلط بينهما. فهي مزيج من حرب نظامية، وحرب مدن وشوارع لم تشهد أوروبا مثيلا لها، منذ الحرب العالمية الأولى. كما أنها خليط من الحرب الثنائية والإقليمية، وكذلك الحرب العالمية من زاوية أنها تؤثر في مناطق واسعة من العالم، وتؤدي إلى تفاقم أزمات يتعلق أهمها بالطاقة والغذاء، وتتسبب في مزيد من تباطؤ سلاسل التوريد العالمية التي لم تكن قد استردت عافيتها، بعد ما ألمَّ بها نتيجة جائحة كورونا.

مفهوم، إذن، في ضوء هذه الالتباسات والتعقيدات أن ينتشر الخلط بين الجوانب التكتيكية والأبعاد الاستراتيجية للأزمة- الحرب الراهنة بمعدلات أعلى من معظم الأزمات والحروب الكبيرة في التاريخ الحديث. ويتجلى هذا الخلط في كثير مما نُشر ويُنشر عنها، خاصة حين تزداد جرعة الانحياز السياسي إلى هذا الطرف أو ذاك، أو يتغلب التفكير الرغبوي Wishful Thinking  على التفكير الموضوعي، أو يُنظر إلى بعض المتغيرات كما لو أنها ثوابت، أو يحدث تركيز في جزء صغير من الصورة وإغفال ما دونه.

ويحدث هذا حتى في بعض تحليلات صادرة عن مؤسسات أكاديمية وبحثية، حيث نجد خلطا بأشكال مختلفة بين المكاسب التكتيكية والنصر الاستراتيجي، وهما مفهومان مختلفان نظريا وتطبيقيا. فتحقيق مكاسب تكتيكية لا يعني بالضرورة ضمان النصر الاستراتيجي. وكم من حروب حصلت فيها دول على مكاسب تكتيكية في معارك عدة، لكنها لم تستطع تحقيق النصر الاستراتيجي الذي يعد الهدف الأساسي في أي حرب.

ولهذا يتعين توخي الحذر والتأني في تحليل تطورات هذه الحرب بكل التباساتها وتعقيداتها، وعدم القفز إلى استنتاجات متعجلة أو في غير محلها أو سابقة لأوانها، وتجنب الجزم بما ستؤول إليه الأوضاع عندما تسكت المدافع في وقت لا يستطيع أحد تحديده.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى