التقاعد.. القنبلة الموقوتة
من المنتظر أن يخضع الصندوق المغربي للتقاعد، المهدد بالإفلاس، للمراقبة المواكبة للدولة، وذلك اعتبارا من شهر يونيو المقبل، عقب صدور مرسوم بالجريدة الرسمية يلحق الصندوق بقائمة المؤسسات العمومية الخاضعة للمراقبة المواكبة. لا يختلف اثنان على أن اللحظة مناسبة لإثارة هذا الموضوع المارد قبل أن يتحول تقاعد مئات الآلاف من المغاربة إلى قنبلة اجتماعية مطلع 2025، حيث تقول التوقعات والدراسات الاكتوارية إنها سنة بداية إفلاس صناديق معاشات المتقاعدين وتهاوي احتياطاتهم.
لا أحد سينسى أن عبد الإله بنكيران باع الوهم للمغاربة بإصلاح جزئي، على حساب أعمار وأجور الموظفين والطبقة الشغيلة، فيما تفرغ هو للاستمتاع بمعاش استثنائي لم يساهم فيه بسنتيم واحد. لكن اللحظة ليست مواتية للبكاء على الأطلال ومحاسبة الشعبوية، بل هي لحظة لإبداع الحلول دون أن تكون مبنية فقط على حساب جيوب المستخدمين في القطاعين الخاص والعام.
والحقيقة التي لا يمكن حجبها أن الإصلاح الشمولي بعيد المدى لنظام معاشات المغاربة، لم يعد خيارا قابلا للتأجيل بل قدرا لا بد من مواجهته بكل الجرأة المطلوبة ومهما كانت كلفته السياسية والانتخابية، وهذا يتطلب من الحكومة الحالية أن لا تترك هذا الملف الحارق تركة للحكومة المقبلة، بل عليها تحمل مسؤوليتها لوضع إصلاح هيكلي يوحد بين القطبين العمومي والخاص، في أفق إحداث نظام أساسي موحد على المستوى الوطني.
السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف ستستل الحكومة خيوط هذه القنبلة الموقوتة؟ وما الكلفة المالية والاجتماعية للنبش في هذا الملف الحساس؟ خصوصا وأن المغاربة سئموا من أن تكون فاتورة الإصلاحات مدفوعة من ضرائبهم وجيوبهم، وسئموا أيضا من إصلاح الإصلاح الذي لا ينتهي، وكل ما يطلبونه هو أن يجدوا بعد عقود من العمل والوظيفة موردا بسيطا يحميهم من أعطاب الشيخوخة.
والأكيد أنه لا يمكن الحديث عن الورش الملكي لتعميم الحمايـة الاجتماعية الذي أطلقه الملك محمد السادس، دون مأسسة نظام تقاعد آمن ودائم يضمن الكرامة للمغاربة، وقادر على تجاوز الاختلالات التي عرفتها منظومة التقاعد في المغرب، وبإمكانه تعزيز المشاركة الاقتصادية للنساء، والتي لا تتجاوز اليوم 25 في المئة، ورفع وتيرة الاستثمار المنتج الكفيل بتوفير فرص التوظيف والعمل للعاطلين، وتوسيع قاعدة المشاركين في نظام التقاعد لتشمل الاقتصاد غير المهيكل، وضمان حدٍّ أدنى معقول من المعاش التقاعدي للجميع عن طريق نظام أساسي إجباري موحّد يقوم على التضامن، يمول من المساهمات الذاتية والإيرادات الضريبية ويشمل كل فئات المجتمع.