إعداد: أميمة سليم
طرق لإعادة بناء الذات بعد الأزمات
ها نحن قد ودعنا سنة واستقبلنا أخرى. ولعل 2020 كانت من أصعب السنوات التي عاشتها البشرية بسبب تفشي وباء فيروس كورونا، الذي أوقف عجلة الحياة وتسبب في انتكاسة كبرى. ومع حلول سنة جديدة تولدت آمال يغذيها التفاؤل.. هذا الشعور بمثابة الشعلة التي تمنحنا القوة للتقدم وتعطي معنى للحياة.
في هذا الأسبوع من دليل الصحة النفسية سوف نقدم لكم بعض الأفكار لإعادة إحياء التفاؤل الذي انطفأ في ظل الأزمات المتتالية.
أربع أفكار تحيي بداخلك التفاؤل من جديد
«التشاؤم مزاج، لكن التفاؤل إرادة»… ماذا لو كانت هذه المقولة الفلسفية صحيحة؟ في ما يلي أربع أفكار يجب تبنيها في الصباح عند الاستيقاظ حتى تجد ابتسامة اليوم.
من الطبيعي الشعور بالتشاؤم من حين لآخر، إنه أمر إنساني. إلا أن التفاؤل قرار، ويجب عليك أن تقرر ذلك.
في بعض الأحيان، النظر إلى نصف الكوب المملوء بدلا من النصف الفارغ، لا يعد جنونا. في الواقع، إذا كنت تملك الخيار بين النظر إلى العالم بنظرة وردية أو نظرة سوداء طوال الوقت، فماذا تختار؟
خبر سار للقراء: إنك تملك الخيار، بفضل أربع أفكار بسيطة، سوف تتيح لك تلوين نظرتك للحياة باللون الوردي.
هذه أربع أفكار، يجب تبنيها، إذا أمكن، عند الاستيقاظ من أجل بدء اليوم على أسس جيدة. إذا بدأت يومك بتأجيل المنبه في كل مرة والتفكير في أن الخروج من السرير للذهاب إلى العمل أمر مؤلم، فمن غير المرجح أن تتحسن معنوياتك … من ناحية أخرى، إذا جربت هذه الأفكار …
الفكرة رقم 1: سأفعل اليوم شيئا مفيدا
لا يوجد يوم لا تفعل فيه شيئا مفيدا للآخرين. سواء في عملك أو في حياتك الشخصية. إن مجرد التفكير في ذلك عند الاستيقاظ يعد هدفا. تستعد ليوم ممل في العمل؟ خذ بعض النقود واعطها لشخص فقير… إن القيام بشيء إيجابي أو توقعه يعطي شحنة من الطاقة.
الفكرة رقم 2: اليوم سأفعل شيئا لنفسي
العمل والنوم… يكسر غالبا هذا الروتين معنوياتنا. لذا، فكر كل صباح في الجرعة الصغيرة من الأنانية التي سوف تخصصها لنفسك: الرياضة، والتأمل، والقراءة، تناول الطعام مع شخص لم تره منذ فترة طويلة، أو مكالمة هاتفية مع صديق لطالما أردت الاتصال به… يجب التركيز على هذه النقطة، أن يكون شيئا لك، أنت فقط، مرة واحدة في اليوم. إن بدء اليوم بفكرة أن تعتني بنفسك بدلا من تكريس 100٪ من وقتك للآخرين أمر ضروري للشعور بأنك موجود بمعزل عن الآخرين.
الفكرة رقم 3: أنا شخص جيد
هل تنظر في المرآة في الصباح؟ ماذا ترى؟ ظهور شعر أبيض؟ أو التجاعيد؟ ماذا لو، بدلا من غض النظر عن كل ما هو سلبي، ونظرت في عينيك ورأيت أنك شخص جيد؟ في البداية، سيبدو ذلك سخيفا بالنسبة لك، ولكن شيئا فشيئا، ستصبح عادة ولن تنظر حتى إلى هذه التجاعيد! الخطوة التالية هي أن تمدح نفسك كل صباح وأن تتعلم تغيير الطريقة التي تنظر بها إلى نفسك.
الفكرة رقم 4: أنا على قيد الحياة
نعم، وهذا أساسي. بغض النظر عن نظرية الهرم لـ «ماسلو»، فإن المشكلة التي نواجهها مع تقدمنا في العمر هي أننا ننسى أساسيات وجودنا. عندما نكون أطفالا، نبكي عندما نشعر بالجوع. زجاجة حليب بسيطة تكفي لإسعادنا. يجب أن نذكر أنفسنا بأننا أحياء، وأصحاء عندما نكون كذلك، وأننا نعيش في بلد آمن تتوفر فيه أساسيات المعيشة… إنه شعور جيد.
إن إعادة إدراك أننا محظوظون أمر أساسي، وأننا نقوم بعمل جيد أيضا. نحن نعيش في فترة حيث يبدو كل شيء مظلما، صحيح، كل شيء يمكن أن يكون أفضل من الوقت الراهن ولكن بدلا من البكاء على ما لا نملكه، أليس من الجيد أن نكون سعداء بما لدينا؟
هل تبدو لك هذه الأفكار تافهة بالنسبة لك؟ بدائية؟ أنت محق ربما. لكن كلمة مني لكم، أفضل أن أكون غبيا بابتسامة عريضة على أن أكون شخصا ذكيا جدا لكنه مكتئب!
ومع ذلك، جرب هذه الأفكار الأربع وسترى ذلك مع الوقت، لن تتخلى عنك الابتسامة أبدا. هذا لا يعني أن هموم الحياة لن تؤثر عليك، لكنها بلا شك ستؤذيك أقل!
التفاؤل يحمي الجسد
بالفعل، يمكنك تعزيز صحتك بالبحث عن المشاعر الإيجابية. لكن التفكير الإيجابي يتطلب عملا شاملا على نفسك. إليك التفاصيل
المتفائلون يعيشون حياة أطول وأكثر صحة
من لم يسبق له أن مر بهذه التجربة؟ الشعور بالدوار، وحتى المرض قليلا، عندما تسمع خبرا سارا، أوحدثا سعيدا فجأة، تصبح فجأة في حالة جيدة، وتركض لمقابلة الأصدقاء، أو أن تقوم بعمل يوم بالكامل في غضون ساعة. ولكن من أين أتت هذه الديناميكية المتجددة؟ الجواب ببساطة عن طريق تجربة المشاعر السارة؟ هل يمكن أن تكون المتعة والفرح والسعادة والأفكار الإيجابية عاملا في الصحة الجسدية؟
الفكرة ليست جديدة. حتى أن عالم النفس والصيدلاني إميل كوي، في بداية القرن العشرين، استنتج منه طريقة علاجية. ونصح زبائنه أن يكرروا بصوت مرتفع عشرين مرة في اليوم الرسالة المتفائلة «كل يوم، وعلى جميع المستويات أنا أمضي قدما». بعد سنوات، أعاد الصحفي الأمريكي والأستاذ الجامعي نورمان كوزينز إطلاق هذه الفكرة في عام 1979 من خلال سرد كيف تعافى من مرض قاتل بفضل العلاج القائم على الأفلام الكوميدية وفيتامين «سي» ولكن كان يجب الانتظار لفترة أطول حتى يهتم العلم بهذه الظاهرة. لأسباب واضحة: «لقد أثبت الطب والطب النفسي وعلم النفس كيف أن المشاعر والأفكار السلبية توترنا، وتتعبنا، وتضعفنا على المدى الطويل. لكن في ذلك الوقت، كانوا مهتمين بشكل أساسي بعلم الأمراض».
الصفات النفسية للصحة الجيدة
اليوم، تتطلب العديد من العلاجات تحديدا الموارد المعنوية وديناميكية المرضى. يسعى علم النفس الإيجابي بدوره إلى تحديد الصفات النفسية التي تعزز الصحة الجسدية، وتسخير الأدوات اللازمة لتطويرها. من القدرة على تلبية احتياجات الفرد المادية والعاطفية والروحية، مرورا بالقدرة على التغلب على المصاعب، إلى الشعور بالوقوع في «تدفق» إيجابي يعطي معنى لوجود الفرد. إن هذه الصفات تشترك في كونها تخاطب جميع مستويات الفرد، والتركيز على بُعد المعنى، بل والأخلاق. مثلما يمكن تدمير الحياة في التفكير في المشاكل، يمكن تلوينها من خلال النظر إلى الجانب المشرق.
التفكير الإيجابي والتفكير السحري
على الرغم من أن عددا من الدراسات بدأت تظهر فعاليته، بيد أن علم النفس الإيجابي لا يشجع على تكرار العمل به. إنه لمن المغري، أن ننظر إليه على أنه انبعاث للتفكير السحري، وطريقة «كوي» للأغبياء الذين يرغبون في الاعتقاد بأن كل شيء سيكون دائما أفضل في أفضل العوالم الممكنة، يكفي الاقتناع بذلك.
لا يحظى التفكير الإيجابي بتقدير جيد، غالبا ما يُنظر إلى التفاؤل، وفقا لفرويد، على أنه وهم، في حين أنه ضروري لاستمرار الحضارات. ولكن يجب إزالة القناع عنه حتى يصبح الفرد ناضجا، بمعنى آخر أن يكون متشائما في حدود المعقول.
المطلب والمسؤولية
في كتابه الأخير يتأسف مارتن سيليجمان، عالم النفس الأمريكي، لأن علمه قد اعتبره علما زائفا للسعادة، وهو «علم السعادة» الذي يدعو إلى الابتسام، بينما يمنح الأولوية للمعنى والهدف الذي يجب أن يمنحه كل شخص لحياته. بالنسبة له، لا تعتمد الصحة الجيدة كثيرا على الشعور بالسعادة بقدر ما تعتمد على الشعور بتحقيق جميع إمكاناتنا.
من جانبه، لم يفوت تييري جانسن فرصة الإشارة إلى أن التفاؤل يحمي الجسم. وأن الرابط الذي يوحد السعادة والصحة وروح الدعابة يعتمد قبل كل شيء على المعنى العميق الذي نعطيه لحياتنا – وهو السعي الذي لا يمكن إشباعه بالبحث الوحيد عن الرفاهية الأنانية. إن التمتع بفوائد التفاؤل لا يخلو من الشروط والمسؤولية. ووفقا له، فإن ذلك يتطلب إعطاء الأولوية لثلاثة مواقف عقلية تعد أساس توازننا، وهي ثلاثة ركائز حقيقية لصحتنا.
1.الطلاقة: تعد أهم الركائز، فهي تعزز تدفق المعلومات، وتسمح بمواءمة الأبعاد المختلفة لوجودنا – ضمانا لصحة جيدة. عندما تفقد طلاقتك، مثل عدم قدرتك على التعبير بكلمات عن أحاسيسك الجسدية ومشاعرك العاطفية، فإنك تخاطر بظهور الاضطرابات المعروفة، والتي يشار إليها غالبًا باسم الاضطرابات النفسية الجسدية، مثل قرحة المعدة أو الربو أو الإكزيما أو غيرها من الأمراض المزمنة. ومع ذلك، لا يمكن السيطرة على الطلاقة – سيكون الأمر مثل محاولة إجبار نفسك على أن تكون طبيعيا. لنتبع اتجاه التطور، كما ينصح تييري جانسن: فلنبدأ من الجسد. «عليك أن تتعلم فك قيوده، والاسترخاء، وإطلاق الأحاسيس، وفجأة، العواطف الدفينة. وعندها فقط، لنصف بالكلمات ما نختبره». تشير الدراسات إلى أن الحقيقة البسيطة المتمثلة في التنفس العميق وتحريك الجسم تعيدان التوازن لعمل الدماغ، ولا سيما التوازن بين المشاعر السلبية (الخوف، الغضب، القلق …) والمشاعر الإيجابية (الفرح، الحماس…)
2.الثقة: أما في ما يتعلق بالحياة الذاتية، فالثقة ركيزة أساسية، لكنها صعبة: لقد تم تشكيل جزء كبير من شخصيتنا من خلال الاستجابة لمخاوف من تربيتنا أو تجاربنا السيئة. لكي تكون مرنًا، يجب أن تتعلم التعرف على دفاعاتك والمخاوف التي تسكنك، أشياء لا يحب أحد مواجهتها وجها لوجه! كيف أفعل؟ يمكن تخمين الجواب: الجسد بالطبع! يشرح تييري جانسن قائلا: «فيلهلمرايش «طبيب نفسي نمساوي» وألكسندر لوين «معالج نفسي أمريكي، تلميذ دبليو رايش» أظهروا منذ فترة طويلة أن مخاوفنا ودفاعاتنا تؤدي إلى تقلص عضلي وضبط جسدي، ومن هنا تنبع فائدة إضافة ممارسة جسدية مثل اليوغا أو تاي تشي… إلى أي عمل تحليلي أو علاج نفسي».
3.الانسجام: تتطلب الطلاقة والثقة اتساقا معينا بين النوايا والأفكار والكلمات والأفعال. وفقًا لتييري جانسن، يبدو أن الحياة تتطلب هذا التماسك حتى تتمكن من الظهور والتكشف بشكل كامل. ونلاحظ ذلك على المستوى البيولوجي: بمجرد أن يتماسك كل شيء، تدب الحياة. إذا تسلل شيء غير متسق إلى النظام، فإن كل شيء ينهار. «الأمر نفسه ينطبق على البشر والمجتمعات والحضارات. في كثير من الأحيان، أسمع مرضى يعانون من آلام جسدية أو نفسية ويخبرونني أنهم يشعرون بعدم اتساق حياتهم مع التوترات الجسدية و / أو العاطفية التي يشعرون بها. إن الاستماع إلى نفسك بموضوعية يسمح لك باكتشاف مكامن الخلل دون غش … لأن الحياة تطلب منا عدم الغش ».
التفكير الإيجابي… كيف ذلك؟
إنه موقف يقوم على مبدأ أن لكل فرد إمكانات غنية يجب أن يتعلم كيفية استخدامها وتطويرها:
-من خلال مكافحة النزعة إلى التقليل من شأن الذات والقلق والتشاؤم.
-من خلال التدريب المنهجي للتعبئة نحو أهداف واضحة ودقيقة، وإدراك المستقبل بثقة وتصور النتائج المتوقعة بشكل خلاق.
التفاؤل في علم الأعصاب
لم يبدأ علم الأعصاب حتى تسعينيات القرن الماضي في دراسة آليات التفاؤل، فتراكمت المعلومات: تأثير الدواء الوهمي، العلاج التلقائي، والفوائد الفسيولوجية للضحك، وآثار الروح المعنوية على الشيخوخة … أثبتت الكثير من الحالات أن التفاؤل والعواطف السارة يلعبان دورا إيجابيا. ثم سلط علم الأعصاب الضوء على كيمياء هذه العملية، فظهر تخصص طبي جديد: «علم المناعة العصبي والغدد الصماء»، وهو مكرس لدراسة العلاقات بين الجسم والعقل. وعلى هذا الأساس، في عام 1998، أطلق الأستاذ في جامعة بنسلفانيا مارتن سيليجمان نظاما نفسيا جديدا يهم الجوانب الإيجابية للوجود، ويُدعى «علم النفس الإيجابي» ويقوم على دراسة الأفراد «السعداء» من أجل استنباط دروس قابلة للتطبيق من طرف الآخرين.