شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

«التعيين»..

يونس جنوحي

 

ما زالت المناطق، التي عانت من السيول في نواحي طاطا، تترقب ما قد تحمله الأيام المقبلة من تطورات. وهناك أيضا مخاوف من أن تشهد مناطق أخرى، تعاني هي الأخرى الهشاشة، فيضانات في حال ما ارتفع منسوب مياه الأمطار.

أما في المدن، فإلى جانب التضرع إلى الله لكي ينزل الغيث، يرتفع الدعاء، علّ المسؤولين عن شبكة مياه الصرف الصحي يتحركون لتنظيف القنوات من أطنان الأزبال والمتلاشيات المتراكمة منذ الشتاء الماضي، والتي قد يقود بقاؤها إلى حدوث كوارث تودي بحياة المارة، خصوصا الأطفال.

وهذا طبعا دون الحديث عن أسلاك الكهرباء العارية، التي يحب بعض التقنيين تركها على حالها، تتشمس في الأماكن العامة.

في بعض النقاط، تظهر الأسلاك عارية بالعين المجردة، بارزة من الأرض، حيث بإمكان أي طفل صغير أن يلتقطها بكل سهولة. ولكم أن تتصوروا هول الكارثة، لو أن هذه الأسلاك التي تنقل تيارا كهربائيا عاليا، قد غُمرت بمياه الأمطار.

انضاف ضحايا فيضانات طاطا إلى ضحايا زلزال الحوز وتارودانت.

الذين فقدوا منازلهم وموارد رزقهم، لا يزالون ينتظرون في العراء، أو تحت الخيام. وهذا هو الشتاء الثاني الذي يقضيه ضحايا الزلزال في العراء، في مناطق تتساقط فيها الثلوج بكثافة، خصوصا قرب قمة توبقال والقمم الأخرى التي تطوق مراكش وتارودانت.

قبل الزلزال كان المُعلمون الذين تُعينهم وزارة التربية الوطنية يطلبون من التلاميذ أن يحضروا معهم في بداية الموسم الدراسي حُزما من الأعواد والحطب، إلى جانب أقلام الرصاص والدفاتر. الحطب أهم من المقرر الدراسي، وبدونه لن يسيل المداد على الورق ولن يحضر الأستاذ. وإن حضر فلن يستطيع الوقوف دقائق أمام السبورة داخل القسم، الذي يصبح أبرد من آلات إنتاج الثلج.

أول درس أكاديمي يتعلمه رجال التعليم في هذه المناطق، أن الدفء أهم من المقرر الدراسي. بينما الأهالي الذين يصبحون مسؤولين عن موظف وزارة التربية الوطنية، ويُسكنونه معهم ويُريحون الوزارة منه، يُعلمونه بدورهم أن الدفء في الجيب أهم من توفير الدفء في الأقسام التعليمية.

يعتقد بعض الحقوقيين الذين يشتغلون حاليا على موضوع ضحايا زلزال الحوز، أن الأمر يتعلق بتحدي عدم السماح بتوسيع دائرة ضحايا الهدر المدرسي، لكن الحقيقة أن هذا الغول تتسع رقعته في المناطق المتضررة، حتى قبل وقوع الزلزال.

مضى الآن أكثر من شهرين على انطلاق الموسم الدراسي فعليا. وتغير وزير التعليم على خلفية التعديل الحكومي، وما زالت بعض المؤسسات التعليمية والفرعيات في الجبال تنتظر الفرج، وأعين الأهالي ومدير الفرعية مُعلقة إلى أسقف سيارات النقل المزدوج التي تخترق الجبال، في انتظار وصول المُعلم.

بعض النكات تقول إن الموسم الدراسي هناك يبدأ من الوسط، وإذا قرر المعلم الملتحق حديثا في أكتوبر أو حتى نونبر أن يبدأ المقرر مع تلاميذه من الصفحة الأولى، فإنه سوف يقضي عطلة الصيف المقبل هناك في انتظار أن يُنهي المقرر!

لم يُخطئ الذين أطلقوا اسم «التعيين» على القرارات الإدارية، التي بموجبها يزاول الموظفون مهامهم في الإدارات، خصوصا منها الإدارات الواقعة في المناطق التي عانت من الزلزال، وتعاني من الفيضان وتداعيات تساقطات الثلوج، فوق بنيات تحتية معدومة. فهذا التعيين لا بد وأنه مرتبط بالعين التي يخشاها المغاربة، وليس أي شيء آخر.

هناك تعاطف كبير هذه الأيام مع رجال التعليم المعينين حديثا في طاطا، التي تخرج من تبعات السيول والفيضان، والمناطق المتضررة من الزلزال العام الماضي. وفي انتظار أن تعود الحياة كما كانت على الأقل، على قساوتها، ويعود الدفء إلى المنعرجات الوعرة، لا بد وأن نتذكر الباقين هناك بعيدا في الجبل، ونُظهر لهم بعض التعاطف على الأقل. كيف لا وهم لا يزالون إلى الآن يبحثون عن خبر سار يتعلق بهم في نشرات الأخبار في التلفزيون أو الراديو.. ولا يستيقظون من خيبتهم، إلا عندما تبدأ الوصلة الفنية، مباشرة بعد انتهاء النشرة التي لا تحمل لهم أي شيء.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى