التعليم المنخفض
مرت ثمانية أشهر على تعيين وزير التعليم العالي دون أن يتحقق شيء على أرض الواقع، اللهم إصدار سيل من قرارات الإعفاء تحت طائلة التهديد بسيف تقارير المفتشية العامة، كما حصل مع مدير التعاون الدولي أو رئيسة جامعة سطات، أو التوقيع على جملة تعيينات غريبة، سواء بالنيابة أو بطرق استثنائية، أو إطلاق ندوات جهوية شكلية خسائرها أكثر من مكاسبها، أو إلغاء الأنوية الجامعية بعدد من الاقاليم بعدما عقدت مجالس الجهات صفقات لإنشائها، أو عدد من القرارات المصيرية لإيقاف إجراءات سابقة، وليس أدلّ على الإسقاط المباغت المتعلّق باعتماد نظام الباكالوريوس ليضع الجميع أمام الأمر الواقع بالرّغم من أن عددا كبيرا من مجالس الجامعات والكليات وافقت عليه وشرعت في تطبيقه، حيث لجأ السيد الوزير إلى التّلويح بأنّ اعتماد نظام الباشلور تم بطرق خارج القانون وكأننا في بلاد السيبة لا قانون ولا مؤسسات فيها.
في المقابل، لحدود اليوم، لا زال تطبيق قانون الإطار في شقه المتعلق بالتعليم العالي مجهول المصير، رغم صدور القانون والرؤية الاستراتيجية ومخرجات النموذج التنموي وكلها لا تحتاج من القائمين على التعليم العالي سوى التنزيل وليس الجولات في الجهات، كما النظام الأساسي لأكثر من 14 ألف أستاذ جامعي لم تتحسن وضعيتهم منذ 2000 لا زال في ميزان المساومات.
معضلتنا الحقيقية أن ليس هناك أي قناعة بكون التعليم العالي هو سياسة دولة وليس سياسة قطاعية، فالمفروض في الإصلاح الجامعي أنه يتجاوز عمر الحكومات والأزمنة الانتخابية ويترفع عن الحزازات الشخصية بين وزير كالميراوي وسلفه أمزازي، مثل هذه الحروب الذاتية جعلت قطاع التعليم العالي يتخبط منذ سنوات تحت تأثير تغير وزير أنجلوساكسوني بوزير فرانكوفوني، الأمر الذي أثر سلبا على التكوين الجامعي وفاقم من نسب الهدر والانقطاع عن الدراسة وجعل جامعاتنا في أسفل السافلين.
الكل بمن فيهم الجامعيون والخبراء في قطاع التعليم العالي في بلادنا يدركون أن سور الجامعات المغربية انحدر منذ عدة سنوات وأصبح تعليما منخفضا سافلا قصيرا وليس تعليما عاليا، وتعمق هذا الانحدار في العلو بفضائح أخلاقية ومالية، لكن بهذا الإصلاح البطيء والمزاجي والانتقامي، أيضا، لا يمكن إصلاح أحوال الجامعات، فلن يتم الإصلاح بالقرارات الشعبوية التي تدغدغ مشاعر الرأي العام بإعفاءات وهمية ودون سند ولن يتحقق بالمراسيم البروتوكولية، الإصلاح الناجح يتم بالإسراع بتنزيل الرؤية التي دعا إليها الملك منذ 2014 ولازالت مجمدة، الإصلاح يتم بإخراج قوانين التعليم العالي، الإصلاح يتطلب تقديم أجوبة لمخرجات النموذج التنموي، وتقارير المجلس الأعلى للحسابات التي تشتكي من قتل استقلالية الجامعات من طرف وزراء التعليم العالي وليس العودة إلى نقطة الصفر.
لذلك ليس في استطاعة أيّ مشروع إصلاحي أن يتحقّق على أرض الواقع وأن يؤتي أكله، ويعلو صرحه ويرتفع شأنه، والمسؤولون يهدرون الزمن في التضخم التشخيصي الذي لا طائل منه، بينما أبنية التعليم العالي مترهلة ومخابرها ووحدات بحثها متواضعة الأداء وميزانيتها رثّة تتضاءل نسبتها سنة عن أخرى. وكيف لمشروع إصلاحي أن يبلغ غايته وأساتذة الجامعة مفقّرون يبدأون مشوارهم بـ12 ألف درهم، ويطلب منه أن يكونوا أنيقي اللباس وغزيري الإنتاج العلمي.
فأنّى لك السيد الوزير أن تخوض معركة الإصلاح الحاسمة والمزاجية طاغية ورجالات التعليم صدورهم عارية وبنادقهم خاوية بل صدئة.