التعليم العالي في انتظار المعجزة
ما يجري في قطاع التعليم العالي عموما، والجامعات خصوصا مؤسف للغاية، فالقانون يحمي مؤسسات التعليم العالي من التدخل الحكومي، لكن الزبونية والمحسوبية تتحكم بوضوح في تعيينات عمداء الكليات ورؤساء الجامعات، وبل وأحيانا في رؤساء الشعب ورؤساء مختبرات البحث. وإلا فماذا يعني أن يرفض أستاذ بكلية العلوم بالقنيطرة التأشير بالسماح لاثني عشر طالبا باجتياز امتحان نهاية المجزوءة مرة أخرى، ما حال دون حصولهم على شهادة الماستر للسنة الرابعة على التوالي، فقط لأن هذا الأستاذ «معصب» ويتجنبه الجميع؟
ولنعطي الدليل الآخر على الفوضى، فإننا نعود للمسؤول الحكومي على القطاع. فهذا الوزير يفتخر بأنه وجد أخيرا حلا لمشكلات الخصاص في أساتذة التعليم العالي، لذلك قرر، بالرغم من رفض النقابة الممثلة للتعليم العالي، توظيف طلبة الدكتوراه بالتدريس بالتعاقد لمدة ثلاث سنوات مقابل أجر خمسة آلاف درهم. والاستغناء عنهم بعد ذلك دون إمكانية لترسيمهم.
طبعا الوزير يوهم الرأي العام الجامعي بأنه وجد الحل للخصاص، لاسيما في ظل الإحصاءات المهولة التي تتحدث عن التقلص الخطير في صفوف أساتذة التعليم العالي بسبب التقاعد. لكن الوجه الحقيقي لمساهمة الحكومة والوزير الداودي في كوارث التعليم العالي، هو أنه بدل أن يتم تخصيص مناصب مالية فعلية لتعويض الخصاص، فإنه سيتم الاكتفاء بالتعاقدات المؤقتة، حيث يتم استغلال حاجة طلبة الدكتوراه للمال، وتوظيفهم في تعاقدات لا تتعدى ثلاث سنوات، مع إجبارهم على قبول شرط عدم مطالبتهم بالتوظيف الرسمي. وهذا يعني أن الحكومة رفعت يدها رسميا من التعليم، ليس فقط التعليم المدرسي بل ومن التعليم العالي أيضا. والغريب هو أن يحتل بنكيران وأتباعه المنابر إياها ليعطونا دروسا سمجة في التقدم والتنمية، في الوقت الذي تحايل فيه الداودي على الحق في التوظيف في الكليات بهذه التعاقدات المؤقتة.
فكما كان النفاق الحكومي واضحا في موضوع استكمال التعليم العالي للموظفين، كما بيننا مرارا، هاهو نفاق آخر هو التوقف عن التوظيف الرسمي بالجامعات، والاستعاضة بالتعاقدات المؤقتة، حيث الدفع بطلبة للتدريس دون أن يكون لهم تكوين أو تجربة في التدريس، وفي نفس الوقت خصم نصف المنحة الموجهة للطلبة الأساتذة. بل وحرمانهم من التوظيف بعد التخرج بحسب آخر مرسوم صدر عن رئيس الحكومة. حيث سيجد الأساتذة الجدد، على غرار، الممرضين أنفسهم أمام قدر العطالة بعد تخرجهم، لأن رئيس الحكومة قرر، وهو الشعبي جدا، أن يوقف دعم الدولة للقطاعات الاجتماعية، كالصحة والتعليم. وإلا ماذا يعني أن يتم تكوين أساتذة طوال سنة كاملة. وبعد ذلك «يمشيو يدبرو على رسيوهم». طبعا «فين غادي يدبرو على ريوسهم؟» الجواب هو أن يوجهو طلبات عمل لأصحاب المدارس الخاصة الذين يعد بنكيران أحدهم. للعمل وفق شروط نظام السخرة الذي كان معمولا به في القرون الوسطى.