شوف تشوف

الرئيسيةتعليمتقاريرمجتمع

التعليم أمام «فرصة ثانية» لردم الهوة بين المُعدّلات الفلكية والمستوى الفعلي

21 في المئة فقط من تلامذة التعليم العمومي ولجوا كليات الطب ومدارس الفئة الأولى للهندسة

يدخل التعليم المغربي المرحلة الثانية من تنفيذ الرؤية الاستراتيجية بمؤشرات تربوية غير مُطمئنة، وذلك قياسا للمؤشرات التي وضعتها الهيئة الوطنية للتقييم والبالغ عددها 127 مؤشرا. المرحلة التي تفصلنا عن سنة 2030 تعد بمثابة «فرصة ثانية» للوزارة الوصية لرفع العديد من المؤشرات والتي عرفت انخفاضا بالرغم من مرور ثماني سنوات، ومنها المؤشرات المرتبطة بمبدأي «الجودة» و«الانصاف وتكافؤ الفرص». أي أن التعليم المغربي سيكون عليه في المرحلة القادمة الزيادة في نسبة المتعلمين الذين لديهم على الأقل الحد الأدنى من الكفايات في جميع أسلاك التعليم. ويظهر هذا في تدني نسبة تلامذة التعليم العمومي الذين يتمكنون من ولوج المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، وخاصة المصنفة كـ«فئة أولى»، بسبب غياب التناسب بين المعدلات والنقط المحصل عليها من جهة والمستوى الحقيقي.

 

استمرار الهوة بين النقط والمستوى التربوي الحقيقي

تم سنة 2018 تبني المغرب لقانون إطار هو الأول من نوعه لتجنيب قطاع التعليم المزايدات السياسية التي تطبع تعاطي الحكومات الحزبية مع كل السياسات العمومية. وعقب ظهور هذا القانون بعد سنتين على الأقل من النقاشات السياسية والشعبية الساخنة أحايين كثيرة، تدخلت الهيئة الوطنية للتقييم التابعة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين ووضعت 127 مؤشرا يُمكن من قياس مستويات التقدم أو التعثر في تنزيل هذه الرؤية الاستراتيجية.

ففي الوقت الذي تم تسجيل تحسن في بعض المؤشرات الخاصة بالإنصاف وتكافؤ الفرص، وخاصة تعميم التعليم التعميم الأولي وولوج الخدمات الأساسية، فإن بعض المؤشرات الأخرى المرتبطة بمبدأ تكافؤ الفرص ظلت ضعيفة، بل وعرفت تدنيا مضطردا، والأمر نفسه في المؤشرات المرتبطة بمبدأي «الجودة» و«الارتقاء بالفرد والمجتمع».

ففي السنة الدراسية الماضية سجلت نسب نجاح قياسية في امتحانات الباكلوريا، تجاوزت لدى التلاميذ الرسميين، نسبة 81 في المئة، وهي نسبة إن اقتصر النظر إليها كميا وإحصائيا، يمكن القول إنها «معجزة تربوية»، لكون التعليم المغربي لم يسبق له قط الوصول لهذه النسبة في تاريخه. لكن إذا تم إجراء تقييم أكثر دقة وموضوعية لهذه النتيجة، فإننا سنصدم بكون هذه النسبة لا تعكس المستوى الحقيقي للتلاميذ في الكفايات الخاصة بالأسلاك والشعب، حيث انخفضت، وفق معطيات حصرية حصلت عليها جريدة «الأخبار»، نسبة تلاميذ التعليم العمومي الذين تمكنوا من ولوج كليات الطب ومدارس الهندسة المصنفة على أنها اختيارات من الفئة الأولى.

ووفق المعطيات الحصرية  نفسها، فإن نسبة تلاميذ التعليم العمومي الذين حصلوا على ميزة «حسن» و«حسن جدا» عرفت ارتفاعا ملموسا، غير أن هذه النتيجة كانت عكسية، حيث لم تتجاوز نسبة المقبولين في كليات الطب 21 في المئة، أي أقل بـ10 نقط عما كان عليه الحال قبل خمس سنوات. الأمر الذي يعني، حسب المعطيات ذاتها، وجود هوة تتسع باضطراد بين التعلُّم من جهة نظام الامتحانات والتقويم من جهة أخرى، وأيضا هوة تتسع بين التعليمين العمومي والخصوصي.

إذ في مقابل محدودية أعداد تلاميذ التعليم الخصوصي المترشحين لامتحانات الباكلوريا قياسا لتلاميذ التعليم العمومي، نجد أن الغالبية العظمى من التعليم الأول يتمكنون بسهولة من تحقيق اختياراتهم التكوينية العليا بسهولة، لكون الهوة بين معدلاتهم ومستوياتهم، وخاصة في اللغات والعلوم، متقاربة نسبيا.

ووفق المعطيات ذاتها، فإن عدد الحاصلين على ميزة سجل ارتفاعا، حيث بلغ نسبة 52,72% من مجموع المتمدرسين الناجحين، بمن فيهم المتمدرسون العموميون، لكن على مستوى تكافؤ الفرص والجودة، فإن هذه النسبة تبقى كمية فارغة من أي معنى نوعي، حيث يجد العديد من تلامذة التعليم العمومي الحاصلين على ميزة حسن جدا أنفسهم مضطرين لولوج مدارس عليا مصنفة درجة ثانية وأيضا كليات الصيدلة والتي يتم تصنيفها هي أيضا في الدرجة نفسها، قياسا لكليات الطب.

 

الوزارة أمام «فرصة ثانية»

تقييم المرحلة الأولى من تنفيذ الرؤية الاستراتيجية يفيد بوجود معطيات غير مطمئنة بل و«خطيرة» حسب خبراء متخصصين، ومنهم خبراء «جمعية أماكن»، والذين أصدروا، قبل أيام، وثيقة نبهوا فيها إلى درجة تكثيف الجهود قصد التمكن من تحقيق أهداف هذه الرؤية.

فحسب هؤلاء، فإن «معدل الزيادة في المؤشر الوطني لتطوير التعليم المسجل في الفترة 2015-2018، على ضعفه لم يتجاوز آنذاك 2.3 نقطة، تراجع بصورة مقلقة إلى 0.6 نقطة، مما أدى إلى تطور طفيف جدا للمؤشر الذي انتقل من 53.5 ٪ إلى 54.1 ٪».

 هذه الوتيرة من التقدم تبقى «منخفضة للغاية بشكل لن يضمن تحقيق الأهداف التي حددتها الرؤية في السنوات الثماني التي تفصلنا عن الموعد النهائي لعام 2030. بل إنها لن تكون كافية حتى لتحقيق 56 ٪ من الطموحات التي يبشر بها الإصلاح الحالي للتعليم، في حين أن الإنجاز الكامل لأهداف الرؤية يتطلب زيادة سنوية لأكثر من 5 نقاط في المؤشر الوطني لتطوير التعليم، أي تقريبًا ضعف الأداء الذي تم تحقيقه في 6 سنوات».

هكذا انخفض، حسب وثيقة جمعية «أماكن» مؤشر «جودة التعليم من 48.7 ٪ في عام 2018 إلى 47.9 ٪ في عام 2021 بسبب التأخر المسجل بشكل أساسي في مجالات التحصيل الدراسي، وإطار التمدرس، والمردودية الداخلية، وإدماج التكنولوجيات الرقمية في المدارس. تبقى كل هذه الأبعاد ضمن نطاق أداء بين 35 ٪ و44 ٪، أي أقل بكثير من المتوسط​​، مما يعيق إلى حد كبير المؤشر الوطني لتطوير التعليم. بالإضافة إلى ذلك، تراجعت نسبة التأطير التربوي (أي عدد المتعلمين لكل مدرس) التي كانت تقارب المتوسط ​​في عام 2018 إلى 37 ٪ تقريبًا سنة 2021 مما ساهم في انخفاض الأداء الذي سجله مؤشر الجودة. هذا الأخير يتوقف تحسينه بشكل خاص على كيفية التصرف بالنظر إلى ثلاثة مؤشرات حاسمة.

من جهة أخرى، انخفض مؤشر الارتقاء بالفرد والمجتمع من 49.6 ٪ في عام 2018 إلى 48.9 ٪ في عام 2021 بسبب التأخيرات المسجلة في المجالات المتعلقة بدرجة انخراط الفاعلين التربويين من أجل نجاح المتعلمين، وبالكفايات المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات والتواصل، وبالتعلم مدى الحياة، وبتعزيز مجتمع المعرفة. تظل كل هذه الأبعاد ضمن نطاق أداء بين 10 ٪ و47 ٪، أي أقل بكثير من المتوسط ​​، مما يعيق بشدة تطور مؤشر الارتقاء بالفرد والمجتمع. لا يزال تحسين هذا الأخير يعتمد بشكل خاص على كيفية التصرف بالنظر إلى ثلاثة مؤشرات حاسمة. حسب تقرير خبراء جمعية «أماكن».

 

/////////////////////////////////////////////////////////////

 

عن كثب: هل نحن في حاجة لبرنامج استعجالي جديد؟

 

 

كل مؤشرات قياس تقدم القطاعات الثلاثة للتربية والتكوين في تنزيل القانون الإطار تفيد بوجود تعثر كبير وبنسب متفاوتة. ففي قطاع التكوين المهني ماتزال مشاريع إنشاء وتشغيل ما يعرف بـ« مدن المهن والكفاءات» متعثرة جدا، قياسا للرهانات المعلن عنها سنة 2019 أمام الملك محمد السادس. حيث لم يتعد عدد المدن الجاهزة رسميا ثلاثا فقط. وهذه بدورها تعرف إشكالات مُعقدة في تشغيلها وفق رؤية تدبيرية منفتحة على الخصوصيات التنموية للجهات. بمعنى أن طرق تدبيرها لا تختلف جوهريا عن طرق تدبير المؤسسات التقليدية للتكوين المهني، التي أضحت فاقدة لصلاحيتها، علما أن الحكومة الحالية جددت تبنيها لهذا المشروع وواصلت دعمه ماليا.

أما واقع قطاع التعليم العالي فلا يبدو مختلفا، بل إنه الأسوأ لدرجة اليأس. فبعد سنوات من إقرار التناوب اللغوي، والذي يفرض توحيد الهندسة اللغوية بين القطاعين المدرسي والعالي، وتحديدا الانتقال من الازدواجية اللغوية إلى التنوع اللغوي، فإننا مازلنا أمام وضع أكثر سوءا مما كنا عليه في التسعينات.

ففي الوقت الذي يسعى فيه وزير التعليم العالي لإقناع الرأي العام بـ«إجبارية الإنجليزية» في الجامعات العمومية ذات الاستقطاب المفتوح، علما أن هذا التوجه لهذه الجامعات يُصنف ضمن قائمة الاختيارات غير المرغوب فيها في أوساط الحاصلين على الباكلوريا، فإن التعليم المدرسي العمومي مايزال معربا بالكامل في مقابل الفرنسة في التعليم المدرسي. لذلك، وفي ظل عدم الحسم في الهندسة البيداغوجية التي سيتم اعتمادها في التعليم العالي، خصوصا بعد إلغاء العمل بنظام «الباشلر»، فإن هذا القطاع محتاج لبرنامج الاستعجالي يرفع الجامعات لتكون في مستوى الرهانات الاقتصادية والاجتماعية للمغرب، وعلى رأسها استقطاب المستثمرين الأجانب، الذين يربطون استثماراتهم بوجود موارد بشرية مؤهلة. وهذا ما لم يتحقق إطلاقا، اللهم إلا في التكوينات المستمرة التي تحيلنا بدورها إلى مشكلات أخرى.

أما الوضع في التعليم المدرسي فليس أقل سوءا. صحيح أن عملية تنزيل القانون الإطار في هذا القطاع كان قد عرف دينامية واضحة إبان ولاية الوزير السابق سعيد أمزازي، غير أن تقويم حصيلة تنزيل الرؤية الاستراتيجية منذ سنة ظهورها في 2015 يظهر بأن القطاع في حاجة لبرنامج استعجالي بصيغة أخرى، لكون المؤشرات المتحققة حتى الآن تظهر بأننا نعيش نفس ما عشناه سنة 2008، أي إبان ظهور التقرير الصادم الذي أصدره المجلس الأعلى في صيغته القديمة.

هكذا فحديث بعض المسؤولين في الأروقة الإدارية لقطاعات التربية والتكوين عن «الحاجة لبرنامج استعجالي جديد»، قد يبدو «نكتة» لدى الرأي العام، لكنه واقع يفرضه تعثر تنزيل الرؤية الاستراتيجية.

فمثلما تم تبرير البرنامج الاستعجالي سنة 2009 بكون تلامذتنا مايزالون لا يتقنون القراءة والكتابة والحساب، فإننا، وفي 2022 مايزال الوضع كما هو، بشهادة التقرير الدولي المعروف بـ«بيزا»، حيث التفاوت الصارخ بين المستوى المدرسي للتلاميذ ومستواهم التربوي. والنتيجة التي تتحدث عن أن تلامذة 15 سنة ليس لهم مستوى تلامذة الابتدائي، كما جاء في هذا التقرير، هي نتيجة تعتبر كافية وحدها لدق ناقوس الخطر، وأننا قد نصل 2030 دون أن نحقق شيئا، مثلما كان عليه الحال سنة 2009 عندما مرت تسع سنوات من عشرية الإصلاح دون أن نحقق تقدما ملموسا.

لذلك فحديث البعض عن الحاجة لبرنامج الاستعجالي جديد ليس تنكيتا قياسا للصورة السلبية جدا التي للمغاربة حول البرنامج الاستعجالي الأول، بل إنه ضرورة قصوى، ولا مشكلة من إعطاء هذا البرنامج تسمية أخرى، إذ المؤكد أن تعليمنا مايزال متخبطا، مهما حاولت تقارير «صغار المُدَبريِّن» تجميل هذا الواقع.

 

 

/////////////////////////////////////////////////////////////

 

رقم:5 آلاف

كشفت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، أن ما يزيد عن 5 آلاف مؤسسة تعليمية لا تتوفر على مراحيض وغير مرتبطة بالماء والكهرباء. وأبرزت العدوي، خلال تقديمها عرضا حول أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2019 و2020، في جلسة مشتركة لغرفتي البرلمان يوم الأربعاء الماضي، أن حصيلة التمدرس بالوسط القروي تظل دون مستوى التطلعات. وأضافت المسؤولة ذاتها أنه على مستوى الانقطاع عن الدراسة، لا تزال هذه الظاهرة مرتفعة، وخاصة في السلك الإعدادي، بنسبة 12,2% خلال الموسم الدراسي 2019-2020، مقابل 9,3% بالوسط الحضري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى