التعديل
كل يوم يمر تظهر الحاجة الماسة إلى إجراء تعديل حكومي مستعجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتجاوز حالة الاقتتال الداخلي بين مكونات التحالف الأغلبي. وما دام أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لا يسمح بخوض غمار انتخابات تشريعية قبل أوانها في الوقت الراهن، فإن مدخل تعديل الحكومة يبقى الخيار الوحيد للتنفيس السياسي وضخ جرعة من الفعالية على أداء السلطة التنفيذية في انتظار محطة انتخابات 2021.
فالأداء الحكومي الباهت والارتجالي وحالة الارتخاء التي تعيشها أربطة التحالف الأغلبي باتا يؤثران بشكل سلبي على الأوضاع السياسية برمتها، وهو ما لا يمكن استمرار السكوت عنه، ولهذا فإن حتمية التعديل لا تتعلق فقط بالحكومة نفسها، بل بتحسين الظروف السياسية المحيطة بها وعدم ترك المشهد السياسي عرضة في يد العدمية السياسية والتيارات الراديكالية التي تتسع رقعتها وتتغذى شرعيتها من فشل المؤسسات الدستورية القائمة، وصعوبة الوضع المعيشي للمواطن وعدم قدرة الحكومة على إحداث تغييرات جوهرية تخفف من وطأة المعضلة الاقتصادية والاجتماعية.
لذلك، فإن فرض التوجه نحو فكرة إجراء تعديل وزاري في خضم تسارع مجريات الأحداث وتصاعد وتيرة الغضب واتساع رقعة الاحتجاجات الفئوية، يبقى المخرج الواقعي الذي يسمح لحكومة العثماني بالقيام بوقفة مراجعة حقيقية دون أن تغطي الشمس بالغربال لما تحقق من إنجازات قليلة منذ 25 شهرا، وما ارتكبته بالجملة من فظاعات تدبيرية وسياسية جعلت منها استمرارا لحكومة السنوات العجاف.
وبدون شك، فإن الخسائر السياسية والاقتصادية والرمزية التي ستحدث جراء رفع شعار سياسة التجاهل والإبقاء على الحكومة بصورتها الحالية، أكثر بكثير من خيار إعادة النظر في هندسة وأداء حكومة العثماني بما يجعلها قادرة على الوصول لمحطة الانتخابات المقبلة دون أن يكون ذلك على حساب مصالح المواطن والوطن.
إن التحدي اليوم من التعديل الوزاري المحتوم لا يتعلق بمجرد سد الشواغر في كابينة الحكومة، بل ينبغي أن يضع نصب عينيه تحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية، أولها تجاوز التعثر الذي يواجهه التحالف الأغلبي وسط صراع محتدم بين مكوناتها.
ثانيا، تشكيل حكومة قادرة على القيام بإصلاحات مستعجلة، خصوصا في المجال الاجتماعي خلال السنتين المتبقيتين، بعيدا عن تخمة الخطاب الذي لا يصل إلى جيوب وموائد المواطن. ثالثا، مواجهة التحديات الإقليمية التي يعرفها الجوار الإقليمي، والتي ستكون له، بدون شك، تأثيرات أمنية وسياسية على مشهدنا الوطني، وهو ما يستوجب حكومة يقظة وليس حكومة منشغلة بالاقتتال الداخلي.
رابعا، التحضير الجيد للانتخابات التشريعية المقبلة وتوفير شروطها الدستورية والقانونية لتجنب كارثة سياسية، فاستمرار المشهد الحالي بطبقته الانتهازية والمنافقة يمهد لأكبر عملية عزوف انتخابي لن تستفيد منه سوى قوى العدمية والحزب الحاكم الذي يتوفر على زبناء قارين لا يهمهم فشل الحكومة أو نجاحها.