التعالف الحكومي (2/2)
من «إنجازات» الوزير الصديقي تعيينه ابنة عضو المكتب السياسي للحزب ورئيس الفريق البرلماني السابق للحزب بمجلس المستشارين، في منصب مديرة الحماية الاجتماعية للعمال، بعدما أعفى المديرة السابقة بطريقة غير إنسانية، خصوصا أنها كانت حاملا، ما يتعارض مع الاتفاقية الدولية للشغل رقم 3 لسنة 1919، بشأن حماية الأمومة، وكذلك التوصية رقم 191 لمنظمة العمل الدولية بشأن حماية الأمومة لسنة 2000، والتي تحرم- في مادتها الثامنة- على رئيس الإدارة أن ينهي استخدام أي امرأة أثناء حملها.
كما أن رئيس الحكومة ووزيره السارح في التشغيل، مطالبان بالكشف عن مصير 800 مليون سنتيم التي خصصتها الحكومة لانتخابات ممثلي المأجورين، وتم صرفها من الصندوق الأسود لرئيس الحكومة، علما أن هذه الانتخابات تتكلف بها المؤسسات العمومية والشركات الخاصة التي تجرى بها الانتخابات، لكن أيادي تحركت لصرف المبلغ في شكل تعويضات. لذلك فالمجلس الأعلى للحسابات مطالب باستعمال آلياته الدستورية للتحقيق في صرف هذا المبلغ.
وإذا كان الوزير الذي يسرحنا يرتكب كل هذه الفضائح علانية، فإن رفيقه ولد الباشا الصبيحي، وزير «الشقافة»، يرتكب أفظع منها في السر، معتقدا أن لا أحد يراه.
فبعد الفضيحة التي فجرتها «الأخبار»، بحصول مطبعة «طوب بريس» التي كانت في ملكية رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، على صفقات من وزارات يوجد على رأسها أعضاء بحزب العدالة والتنمية، نحن اليوم أمام فضيحة جديدة تتجلى في حصول المطبعة التي أصبحت في ملكية حركة التوحيد والإصلاح على دعم من وزارة الثقافة، وكذلك تمويل مجلة تابعة للحركة من المال العام قدمته لها نفس الوزارة التي يوجد على رأسها أمين الصبيحي، القيادي بحزب التقدم والاشتراكية.
وقد بلغ مجموع دعم وزارة الثقافة المخصص لطبع الكتب بمطبعة «طوب بريس»، خلال سنتين، 32 مليون سنتيم.
كما أن بنكيران يمول طبع مجلة حركته الدعوية من المال العام، منذ وصوله إلى الحكومة، بمعدل 20 ألف درهم في كل دورة.
فخلال السنة الثانية من عمر الحكومة، أي سنة 2013، قررت وزارة «ولد الباشا الصبيحي»، توزيع المال العام على الناشرين والمطابع، ومنها طبعا مطبعة رئيسه في الحكومة، وخصصت الوزارة آلية للدعم يستفيد منها الكتاب والناشرون ومكتبات البيع والجمعيات والمقاولات الثقافية، في شكل طلبات عروض مشاريع بغلاف مالي قدره مليار سنتيم سنويا، وتم إصدار قرار مشترك بين وزير الثقافة ووزير الاقتصاد والمالية، تنفيذا لمقتضيات المرسوم رقم 2.12.513، الصادر في 2 رجب 1434، الموافق لـ13 ماي 2013، والمتعلق بدعم المشاريع الثقافية والفنية، على شكل طلبات عروض مشاريع، توضح عبره بالإضافة إلى الأهداف والمجالات والمستفيدين والشروط والمعايير والمبالغ وطرق الصرف، طبيعة وشروط الحصول على هذا الدعم. وحدد القرار المستفيدين من الدعم في المقاولات الصحفية والجمعيات الثقافية، لكن مع ظهور نتائج الدورة الأولى للدعم التي تم الإعلان عنها سنة 2014، تبين أن المستفيد الأول من العملية، هي حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية، ومطبعة «طوب بريس» التي كانت مسجلة باسم رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، قبل أن يصحح وضعيتها بعد تفجر فضيحة استفادتها من صفقات من وزارات يوجد على رأسها وزراء من العدالة والتنمية. فحسب السجل التجاري رقم 1170 بالمحكمة التجارية بالرباط، فإن مطبعة «طوب بريس» أصبحت مسجلة في اسم محمد الحمداوي، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، عوض عبد الإله بنكيران، الذي كانت مسجلة باسمه منذ 8 ماي 1998.
لائحة المستفيدين من دعم طبع ونشر الكتب والمؤلفات، برسم الدورة الأولى من سنة 2014، كشفت عن وجود أسماء برلمانيين وقياديين بحزب العدالة والتنمية ضمن المستفيدين من دعم الدولة، إلى جانب كتاب ومؤلفين آخرين. وأبانت نتائج دراسة الملفات المرشحة لدعم المشاريع الثقافية والفنية، في مجال النشر والكتاب، حصول مطبعة «طوب بريس» على 16 مليون سنتيم، لطبع كتب لمؤلفين جلهم ينتمون إلى الحزب وذراعه الدعوية، وعلى رأسهم محمد يتيم، وهو برلماني نائب رئيس مجلس النواب، وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وعضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، بحصوله على مبلغ 15 ألف درهم لطبع ونشر كتابه الذي يحمل عنوان «مسارات في تاريخ الحركة الإسلامية». كما استفادت من أموال وزارة الثقافة، جميلة المصلي، الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي، وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وحصلت على مبلغ 15 ألف درهم لطبع ونشر كتابها الذي يحمل عنوان «المرأة في الاتفاقيات الدولية»، واستفاد بلال التليدي، القيادي بحركة التوحيد والإصلاح، من دعم قيمته 15 ألف درهم لطبع ونشر كتابه «مراجعات الحركة الإسلامية المغربية». وبدوره استفاد زميله امحمد طلابي، عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، من مبلغ 20 ألف درهم لتمويل مجلة «الفرقان» التي يصدرها. كما تم طبع أربعة كتب أخرى، بدعم مجموعه 60 ألف درهم، بمعدل 15 ألف درهم لكل كتاب، ويتعلق الأمر بكتاب «آفاق الحوار الإسلامي العلماني»، لمحمد جبرون، وكتاب «الإعلام الجديد وتحديات القيم»، لمؤلفه هشام المكي، وكتاب «مقاربات في المسألة اللغوية» لفؤاد أبو علي، وكتاب «في الموقف من العلمانية» لصاحبه سلمان بونعمان، بالإضافة إلى طبع عددين من المجلة المغربية للسياسات العمومية، التي يصدرها البرلماني حسن طارق، بمبلغ 30 ألف درهم. وفي الدورة الثانية حصلت المطبعة على 6 آلاف درهم لطبع كتاب تحت عنوان «هل مات منبهي» لمؤلفه عزيز حجي.
وخلال سنة 2015 التي ودعناها، نالت كذلك المطبعة نصيبها من «كعكة» الدعم، ومجموع الدعم بلغ 17 مليون سنتيم موزعة على مرحلتين. وحسب نتائج الدورة الأولى لدعم طبع الكتب خلال سنة 2015، حصلت مطبعة «طوب بريس» بعدما أصبحت في اسم محمد الحمداوي، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، على مبلغ 88 ألف درهم، من أجل طبع ستة كتب لقياديين بحزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوية، من بينها كتاب يحمل عنوان «تأملات في الحريات الفردية»، لمؤلفه المقرئ الإدريسي أبو زيد، برلماني حزب العدالة والتنمية، الذي حصل على مبلغ دعم قدره 10 آلاف درهم، وكتاب «قضايا تربوية ولسانية» لمؤلفه المصطفى بنان، بمبلغ 10 آلاف درهم، وكتاب «القيم والإنسان في ضوء التدافع الحضاري المعاصر» لمؤلفه الحسان شهيد، بمبلغ 8 آلاف درهم، وكتاب «الأمازيغية: تحولات الخطاب والفاعلين والعلاقات في المغرب الراهن» لمؤلفه محمد مصباح، بمبلغ 12 ألف درهم، وكتاب «انشقاق الهوية: جدل الهوية ولغة التعليم بالمغرب»، لمؤلفه محمد جبرون، بمبلغ 8 آلاف درهم، وكتاب «الأسرة والقيم بين المقاربتين الوضعية والمرجعية» لمؤلفه محمد ابراهيمي، بمبلغ 10 آلاف درهم. وحصلت المطبعة على 30 ألف درهم لطبع المجلة المغربية للسياسات العمومية، لصاحبها البرلماني حسن طارق.
كما حصلت المطبعة نفسها في الدورة الثانية، برسم السنة الجارية على مبلغ 82 ألف درهم، من أجل طبع أربعة كتب لقياديين بالحزب والحركة، منها ثلاثة مؤلفات لسمية البوغافرية تحمل عناوين «الأمير المفقود» و«عاشقة اللبن» و«الطفل الطائر»، بمبلغ مجموعه 28 ألف درهم، وكتاب «أثر التلقي»، لمؤلفته نوال بنبراهيم، بمبلغ 12 ألف درهم، بالإضافة إلى طبع المجلة المغربية للسياسات العمومية، التي يصدرها البرلماني الاتحادي، حسن طارق، بمبلغ 22 ألفا و500 درهم، ومجلة «الفرقان» التي تصدرها حركة التوحيد والإصلاح، ويديرها القيادي امحمد طلابي، بمبلغ 20 ألف درهم.
علما أن دعم طبع مجلة «الفرقان»، التابعة لحركة التوحيد والإصلاح، يتعارض مع دفتر تحملات الدعم المخصص للمجلات الثقافية، خاصة أن العدد الأخير الذي حظي بدعم قدره 20 ألف درهم، مخصص حصريا للتعريف بحركة التوحيد والإصلاح، في حين لا يتم دعم المجلات والكتب الثقافية الجادة.
وحسب دفتر التحملات، فإن المجلات التي تحصل على الدعم هي المجلات المتخصصة في أدب الأطفال واليافعين، والمجلات المتخصصة في الأدب والنقد، والمجلات المتخصصة في الدراسات الفنية، والمتخصصة في التراث الثقافي، والمتخصصة في الدراسات اللغوية، والمتخصصة في الترجمة، والمتخصصة في العلوم الإنسانية والاجتماعية.
كما أن دفتر التحملات يشترط أن تشمل الكتب المدعمة، الأعمال الأدبية والدراسات الأدبية والفنية واللغوية والمؤلفات المندرجة في إطار العلوم الإنسانية والاجتماعية، والأعمال المترجمة من وإلى اللغة العربية أو الأمازيغية، والكتب الأولى للأدباء الشبان المغاربة، والكتب الموجهة لفئة ضعاف البصر والمكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة، والمشاريع الكبرى وتشمل الأعمال الموسوعية والكتب الراقية والأعمال الكاملة للكتاب المغاربة والمشاريع التي تزاوج بين الطبعات الورقية والوسائط المتعددة، ومشاريع النشر والنشر المشترك التي تسعى من حيث حجم سحبها ومستوى توزيعها وموضوعاتها، إلى الوصول إلى أكبر عدد من القراء، وكذلك مشاريع إعادة طبع نفائس المكتبة المغربية. ويحدد مبلغ الدعم المالي المخصص لمجال نشر الكتاب في حدود 25 في المائة من مبلغ الدعم الإجمالي المخصص لدعم المشاريع الثقافية والفنية في قطاع الكتاب والنشر.