في ظل التصعيد في الشمال والشمال الشرقي السوري، على الحدود التركية بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، أصبحت المنطقة حلبة صراع بين الجبهتين، بسبب المخاوف التركية والتهديد القومي الذي تسببه قوات «قسد»، التي تعتبرها منظمة إرهابية ومصدر إلهام لأكثر من 20 مليون كردي يعيشون في تركيا.
إعداد: سهيلة التاور
تصاعدت المواجهات بين فصائل غرفة عمليات «فجر الحرية»، بـ«الجيش الوطني السوري» الموالي لتركيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) على مختلف محاور سيطرة الأخيرة، في شمال وشمال شرقي سوريا.
وشهد محور سد تشرين وجسر قره قوزاق بريف منبج بريف حلب الشرقي اشتباكات عنيفة بين «قسد»، التي تحاول السيطرة على منبج، بعد خسارتها أمام الفصائل في وقت سابق من دجنبر الماضي، وفصائل الجيش الوطني.
وبالتزامن، قصفت طائرات مسيّرة تركية مواقع عسكرية لـ«قسد» في محيط سد تشرين، كما شهدت قرية أبو قلقل بريف منبج قصفا مدفعيا وصاروخيا متبادلا بين الجانبين، أسفر عن مقتل 6 عناصر من فصائل الجيش الوطني و3 من «قسد»، حسب ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان، يوم الأحد الماضي.
وتواصلت الاشتباكات لليوم الحادي والعشرين على التوالي، في محيط جسر قره قوزاق وقرب سد تشرين، بين «قسد» وفصائل عملية فجر الحرية، التي تضم: أحرار الشرقية، وجيش الشرقية، والفرقة الأولى، ولواء السلطان محمد الفاتح، وكتائب المنتصر بالله، وفرقة السلطان مراد، وفرقة الحمزات، والجبهة الشامية، وجيش النصر والفيلق التاسع، وجيش الأحرار.
جذور الأزمة
تنظر تركيا إلى «قسد»، المدعومة أمريكيا، كذراع لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة كمنظمة إرهابية. وتخشى من أي حكم ذاتي للأكراد في سوريا قد يلهم أكثر من 20 مليون كردي يعيشون في تركيا للتحرك في اتجاه مماثل. بالإضافة إلى ذلك، تخشى أنقرة من إقامة خط إمداد للحزب الكردستاني عبر الحدود السورية.
وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، تركز تركيا حاليا على منطقة عين العرب «كوباني»، وهي نقطة رمزية واستراتيجية بالنسبة إلى الأكراد.
وسبق لأنقرة أن شنت عمليات عسكرية مشابهة، أبرزها عملية «نبع السلام» عام 2019، حيث سيطرت على أجزاء واسعة من الشمال السوري لإنشاء منطقة عازلة.
وأوضح الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء صالح المعايطة أن تركيا ترى ضرورة التوغل في العمق السوري، وليس مجرد خيار.
وأضاف أن أنقرة تخشى من هلال كردي يمتد على طول حدودها الجنوبية، خاصة وأن المناطق ذات الأغلبية الكردية، في جنوب شرقي تركيا، تمثل نقطة ضعف ديموغرافية وجيوسياسية.
وأضاف المعايطة أن تركيا ترى أن أي تراجع في هذه المرحلة، قد يفتح المجال أمام خصومها الإقليميين والدوليين لتوسيع نفوذهم على حسابها.
وأشار المعايطة إلى أن «قسد» تعتمد على أوراق ضغط رئيسية، منها السيطرة على 20 في المائة من الأراضي السورية، التي تضم معظم حقول النفط والسجون التي تحوي الآلاف من مقاتلي تنظيم داعش.
وقال المعايطة إن هذه الأوراق تعزز موقف «قسد»، وتزيد من تعقيد المشهد بالنسبة إلى تركيا.
أردوغان يقدم خيارين
يشكل أكراد سوريا جزءا من مجموعة أكبر من الأكراد تمتد من العراق إلى إيران وتركيا وأرمينيا، وكانوا من بين الفائزين القلائل حتى الآن في الصراع السوري، والذين سيطروا خلاله على ما يقرب من ربع مساحة البلاد، وقادوا جماعة مسلحة قوية تعد حليفا رئيسيا للولايات المتحدة في مواجهة تنظيم «داعش».
وبالنسبة إلى تركيا، تمثل الفصائل الكردية «تهديدا للأمن القومي»، إذ تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني، الذي يشن تمردا ضد الدولة التركية منذ عام 1984، وتعتبره تركيا والولايات المتحدة ودول أخرى منظمة إرهابية.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، يوم الجمعة الماضي، إنه يتوقع أن تسحب الدول الأجنبية دعمها للمقاتلين الأكراد بعد الإطاحة بالأسد، وذلك مع سعي أنقرة إلى عزل وحدات حماية الشعب الكردية، التي تقود تحالف قوات سوريا الديمقراطية.
كما وضع أردوغان، في تصريحات سابقة، الأكراد في سوريا أمام خيارين، إما «تسليم أسلحتهم»، أو أن «يُدفنوا بها في سوريا».
في المقابل، تنفي الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وجود أية نوايا لدى الأكراد للانفصال عن سوريا، كما يؤكدون أنهم ليسوا امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.
قوة الجماعات الكردية السورية
سيطرت جماعات كردية سورية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب التابعة لها على جزء كبير من الشمال، بعد اندلاع الانتفاضة ضد الأسد في عام 2011. وأنشأت إدارة خاصة بها، مع تأكيدها على أنها تسعى إلى الحكم الذاتي وليس الاستقلال.
وتختلف سياساتها التي تؤكد على الاشتراكية والحركة النسوية اختلافا تاما عن التوجه الإسلامي لهيئة تحرير الشام.
وتوسعت منطقة الأكراد مع تحالف قوات بقيادة الولايات المتحدة مع قوات سوريا الديمقراطية في الحملة على تنظيم داعش، وسيطروا على مناطق يغلب عليها العرب.
وصعدت الجماعات التي يتألف منها الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا حملتها على قوات سوريا الديمقراطية مع الإطاحة بالأسد، وسيطرت على مدينة منبج في التاسع من دجنبر الماضي.
وأثار دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية توترا بينها وبين تركيا، عضو حلف شمال الأطلسي.
وتنظر واشنطن إلى قوات سوريا الديمقراطية باعتبارها شريكا رئيسيا في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، الذي حذر أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، من أنه سيحاول استغلال هذه الفترة لإعادة بناء قدراته في سوريا. وما زالت قوات سوريا الديمقراطية تتولى حراسة عشرات الآلاف من المحتجزين المرتبطين بالتنظيم المسلح.
وقال يشار غولر، وزير الدفاع التركي، الأسبوع الماضي، إن بلاده لم ترصد أي مؤشر على عودة تنظيم داعش في سوريا.
وأبلغ هاكان فيدان، وزير الخارجية التركي، نظيرته الألمانية خلال محادثات في أنقرة، الجمعة الماضي، بضرورة إيجاد بدائل لإدارة المعسكرات والسجون، حيث يوجد المحتجزون.
وفي سياق منفصل، قالت باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، الجمعة الماضي، إن واشنطن تعمل مع أنقرة وقوات سوريا الديمقراطية، من أجل «انتقال محكم في ما يتعلق بدور قوات سوريا الديمقراطية في ذلك الجزء من البلاد».
وقالت إدارة الرئيس جو بايدن إن القوات الأمريكية ستبقى في سوريا، لكن الرئيس المنتخب دونالد ترامب قد يأمر بسحبها، عندما يتولى منصبه في 20 يناير. الجاري
رسالة لترامب
خلال فترته الرئاسية الأولى، سعى ترامب إلى الانسحاب من سوريا، لكنه واجه ضغوطا في الداخل ومن حلفاء الولايات المتحدة.
وفي رسالة إلى ترامب، في 17 دجنبر الماضي، قالت إلهام أحمد، المسؤولة السورية الكردية، إن تركيا تستعد لغزو الشمال الشرقي، قبل توليه منصبه.
وكتبت أن خطة تركيا «تهدد بإلغاء سنوات من التقدم في تأمين الاستقرار ومحاربة الإرهاب… نعتقد أن لديك القوة لمنع هذه الكارثة».
ولم يرد فريق ترامب الانتقالي بعد على طلب للتعليق.
وقال ترامب، في 16 دجنبر المنصرم، إن تركيا «ستمسك بزمام الأمور» في ما يتعلق بما سيحدث في سوريا، لكنه لم يعلن عن خططه للقوات الأمريكية المتمركزة هناك.
وقال جوشوا لانديس، الخبير في الشؤون السورية بجامعة أوكلاهوما: «الأكراد في وضع لا يحسدون عليه. بمجرد أن تستجمع دمشق قوتها، ستتحرك نحو المنطقة. لا يمكن للولايات المتحدة أن تبقى هناك إلى الأبد».
وقال أحمد الشرع، قائد هيئة تحرير الشام، إن الأكراد «جزء من شعبنا» و«لن تنقسم سوريا»، مضيفا أن الأسلحة يجب أن تكون بالكامل في يد الدولة.
وأقر الشرع بأحد المخاوف الرئيسية لدى تركيا، وهو وجود مقاتلين أكراد غير سوريين في سوريا، وقال: «نحن لا نقبل أن تشكل أراضي سوريا تهديدا وتزعزع استقرار تركيا أو أماكن أخرى».
وتعهد بالعمل من خلال الحوار والمفاوضات لإيجاد «صيغة سلمية لحل المشكلة»، قائلا إنه يعتقد أن الاتصالات الأولية تمت «بين الأكراد في شمال شرق سوريا، أو قوات سوريا الديمقراطية».
وقال فنر الكعيط، المسؤول الكردي، إن إدارته تريد البحث «عن سوريا ديمقراطية، سوريا لا مركزية، سوريا تمثل جميع السوريين بكافة طوائفهم ودياناتهم وأعراقهم». وأضاف أن قوات سوريا الديمقراطية ستكون «نواة للجيش السوري الجديد».
وأكد مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، أنه جرى فتح اتصالات مع هيئة تحرير الشام، لتجنب الاشتباكات بين قوات الجانبين، لكنه قال إن أنقرة ستسعى إلى خلق انقسام بين دمشق والقوات التي يقودها الأكراد.
ومع ذلك، قال إنه يوجد دعم قوي من الأطراف الدولية، منها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، لانضمام قوات سوريا الديمقراطية إلى «المرحلة السياسية الجديدة» في دمشق، واصفا إياها بأنها «فرصة عظيمة».
وقال: «نحن نستعد، بعد وقف إطلاق نار كامل بيننا وبين تركيا والفصائل التابعة، للانضمام إلى هذه المرحلة».
الوساطة الأمريكية
بعد أيام من توسطها في الهدنة، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، الاثنين الماضي، أن وقف إطلاق النار بين تركيا والقوات التي يقودها الأكراد المدعومون من الولايات المتحدة، في مدينة منبج ومحيطها بشمال سوريا، ما زال صامدا.
وقالت سابرينا سينغ، المتحدثة باسم البنتاغون، للصحافيين، إن وقف إطلاق النار صامد في ذلك الجزء الشمالي من سوريا.
كذلك شددت على عدم وجود أي تقارير تفيد بوقوع انتهاكات للهدنة، التي توسطت بها واشنطن لوقف إطلاق نار أولي، في وقت سابق من الشهر الماضي.
+++
مؤطر
مستقبل الديموقراطية بسوريا
تترقب سوريا تنظيم أول حوار وطني شامل، بهدف رسم ملامح المرحلة الانتقالية وتشكيل حكومة توافقية، قبل الوصول إلى مرحلة الانتخابات التي قد تكون بعد أربع سنوات.
لكن الموعد الذي كان مقررا، بعد غد السبت والأحد المقبل، أُجِل إلى أجل غير مسمى، مما أثار شكوكا ومخاوف على حلم ومستقبل الديمقراطية في سوريا.
فمن المقرر دعوة 1200 شخصية سورية من الداخل والخارج على مستوى الأفراد وليس الكيانات، للمشاركة في جلسات الحوار الوطني، ما يعني غيابا للهيئات التي مثلت المعارضة السورية في الخارج.
وقال رياض نعسان آغا، وزير الثقافة السوري الأسبق، إن «تأجيل الحوار الوطني، كان متوقعا».
وأشار آغا إلى أن «مؤتمر الحوار بحاجة إلى ترتيبات وإعداد جيد، فليس من الممكن دعوة الناس خلال يومين».
وقال إن «التحضير ربما يستغرق أشهرا، لأن التواصل مع الناس ودراسة أسمائهم ورؤاهم ومقترحاتهم، يحتاج إلى تدقيق كبير. الدعوات لن تكون عشوائية».
ووصف المتحدث المدعوين بـ«ذوي حل وربط» في قضايا المجتمع السوري.
كما سيحضر ما بين 70 إلى 100 شخص من كل محافظة، وسيشارك أيضا ممثلون عن الشباب والمرأة ورجال الدين، وممثلون عن المجتمع المدني.
وقال ريتشارد شمايرر، وهو دبلوماسي أمريكي سابق، إن «القيادة السورية الحالية تسعى إلى حوار واسع وشامل، وإلى مشاركة شاملة في الحكومة الجديدة».
وخلال استضافته في أحد البرامج قال شمايرر: «من الأفضل للحكومة الانتقالية الحالية، أن تكون شفافة قدر الإمكان، كذلك العملية الخاصة بتنظيم المؤتمر».
ثم عاد ليشيد بالجهود المبذولة في هذا السياق: «ما نراه مشجعا، هناك علامات مشجعة على أنهم يريدون تشكيل حكومة تستند إلى قاعدة شعبية واسعة»، في إشارة إلى مسعى توسيع المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني.
ويذكر أن مؤتمر الحوار الوطني المرتقب سيكون مناسبة لإعلان حل مجلس الشعب وجميع الفصائل المسلحة، من بينها «هيئة تحرير الشام» التي يقودها أحمد الشرع، الملقب بأبي محمد الجولاني، وإعلان انضوائها تحت مظلة وزارة الدفاع.
ومن المتوقع كذلك، أن ينبثق عن المؤتمر تشكيل لجنة لصياغة الدستور الجديد، بجانب أفكار لتشكيل حكومة جديدة خلال شهر من المؤتمر الوطني، بحسب مصادر قناة «الحرة».
كما يتوقع تشكيل هيئة استشارية لرئيس مؤقت للبلاد من مختلف الأطياف، تمنح الصفة الشرعية أو التشريعية، دون توضيح كيفية اختياره ومدة شغله المنصب.
وفي المقابل، لن يكون من مهام المؤتمر تحديد موعد للانتخابات، خاصة بعد تصريح الشرع الذي قال فيه إن «إجراء انتخابات قد يستغرق أربع سنوات تقريبا»، بسبب ما وصفها بمشاكل داخلية، بينها عدم وجود تعداد حقيقي للسكان، ووجود ملايين اللاجئين والنازحين.