التصعيد الإيراني الأمريكي في الخليج
وائل عصام
التصعيد الإيراني في الخليج، والاستفزاز المتكرر من زوارق البحرية الإيرانية للناقلات الأمريكية، دفع الرئيس الأمريكي ترامب إلى توجيه إنذار للإيرانيين بالرد العسكري على قواتهم البحرية، وهو ما استدعى أيضا ردا مماثلا من الحرس الثوري الإيراني، ما ينبئ بأن الخليج على صفيح ساخن، وأن المواجهة قد تقع في أي لحظة، بعد أن وضع كل طرف يده على الزناد، لكن مواجهة سابقة بين البلدين في الثمانينيات قد تمنحنا صورة عما قد يحدث مجددا اليوم.
فالأمريكيون لديهم تجربة سابقة مع المواجهات البحرية في الخليج، ومع إيران تحديدا، ففي العام ما قبل الأخير من الحرب الإيرانية العراقية، اندلعت بين البلدين حرب الناقلات، وهي أول مواجهة مباشرة بينهما، وبدأت الحرب عندما قررت إيران إغلاق مضيق هرمز بوجه ناقلات النفط التابعة للدول الداعمة للعراق، وكانت من بينها آنذاك الكويت، التي طلبت الحماية من الأمريكيين، بعد التعرض لناقلاتها، لتقوم البحرية الأمريكية بحماية الناقلات ورفع علمها عليها، في إطار ما سميت حينها بعملية «أرنست ويل»، ما أدى في نهاية المطاف إلى المواجهة العسكرية المباشرة بين واشنطن وطهران. ومن الواضح أن واشنطن ستستعيد الدروس المستخلصة من تلك المواجهة، التي يمكن الاطلاع عليها من أرشيف المخابرات الأمريكية المنشور، الذي يوثق تلك المرحلة ويسجل تقديراته لمراحل النزاع.
بدأت المواجهات المباشرة في شتنبر عام 1987، عندما رصدت المراقبة الأمريكية سفينة إيرانية باسم «إيران أجر» خلال زرعها الألغام، فقامت مروحيات أمريكية بمهاجمتها، وقتلت أربعة عناصر إيرانية، اللافت أن هذا حدث خلال زيارة قام بها المرشد الأعلى آنذاك آية الله الخميني إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وكانت طهران تسعى في تلك الزيارة إلى رأب الصدع في علاقاتها مع الأمم المتحدة وواشنطن، بعد أزمة احتجاز الرهائن في مقر السفارة الأمريكية في طهران، ولكن حادثة «إيران أجر» قضت على تلك الآمال. وتشير التقارير الاستخباراتية والبحثية إلى صعوبات واجهت الأمريكيين تكاد تتكرر الآن، وهي تتعلق بعدم وجود أفق محدد ونهاية لردود الفعل الإيرانية، إذ يقول أحد التقارير الأمريكية إن «الإيرانيين سيبذلون قصارى جهدهم لإلحاق الأذى بالأمريكيين، ليس فقط في الخليج، بل في جميع أنحاء العالم، كنا نضيء جحيما لا نستطيع السيطرة عليه، الخليج كله سيكون مشتعلا».
كما تذكر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في يوليوز 1987 أن إيران وضعت خططا للطوارئ، وخططا لاستخدام «الحرس الثوري» لوضع الألغام الأرضية، كشحنة متفجرة صغيرة على أجسام السفن الحربية الأمريكية، وإضافة إلى الألغام البحرية، فإن البحرية الإيرانية استخدمت حينها صواريخ (دودة القز Silkworm) ضد السفن الأمريكية، وبالطبع تمكن الأمريكيون في نهاية العملية العسكرية، التي وصفت بأنها أكبر مواجهة حربية لأمريكا منذ حرب الكوريتين، (تمكنوا) من تدمير معظم سلاح البحرية الإيراني، وإلحاق الأذى بالقدرات العسكرية لطهران، في آخر سنين حربها مع العراق، ما ساهم ربما في قرار الخميني بالقبول بوقف إطلاق النار عام 1988. وفي يوليوز من العام نفسه، أطلق الأمريكيون بالخطأ، من على متن السفينة الحربية (يو أس أس فينسنس) صاروخا على طائرة إيرانية مدنية، ما أسفر عن مقتل 300 مدني، جاء هذا الحادث قبل شهر واحد من نهاية الحرب، وربما كان القشة الأخيرة التي دفعت إيران لوقف الحرب مع العراق.
ومع أن الأمريكيين نجحوا في تحجيم القدرات الإيرانية البحرية، ولجم سلوكها العدائي في الخليج، إلا أن المخاوف من عدم القدرة والمطاولة على احتواء الرد الإيراني، وإنهاء النزاع معها، وتطور الأمر إلى الإضرار بالمصالح الأمريكية في الخليج، كان يسيطر على معظم استنتاجات المخابرات والمراكز البحثية الأمريكية، كعبارة «كنا نضيء جحيما لا نستطيع السيطرة عليه»، كذلك أن «الدرس الأساسي للحرب في الثمانينيات، هو أنه من السهل بدء صراع مع إيران ومن الصعب للغاية وضع حد له»، وهو ما يجعل الإدارة الأمريكية، تتحسب اليوم قبل الدخول في مواجهة ثانية على ما يبدو. يقول بروس ريدل، مدير مشروع الاستخبارات لدى مركز بروكينغز، إن «الحرب الأمريكية الأولى مع إيران ساعدت في جعل إيران دولة أكثر تطرفا وتشددا، واحتمال نشوب حرب ثانية قد يفعل الشيء نفسه، وبالتالي، قد تثبت الحرب الأخرى مع إيران لوقف برنامجها النووي، أنها المحفز الذي يدفع إيران للحصول على ترسانة أسلحة نووية خطيرة. وبدلا من وقف الانتشار النووي، سيتم التحريض عليه أكثر». فالعملية الأمريكية في الخليج واجهت كل تلك التعقيدات في الثمانينيات، في وقت كانت فيه إيران في أضعف حالاتها، ومنخرطة في حرب مستنزفة مع العراق، وبالطبع، فإن وضع إيران اليوم في الخليج والمشرق العربي أكثر ارتياحا، وتطورت القدرات الإيرانية عسكريا على مدى الثلاثين عاما الماضية، لذلك فإن تكرار المواجهة الأمريكية الإيرانية لن يكون نزهة عابرة، وقد يقود إلى فوضى في دول الخليج العربي التي بالكاد احتملت هبوط أسعار النفط من دون حرب، وقد لا تحتمل اقتصادياتها حربا جديدة تضرب عصب اقتصادها، أما إيران، فهي لا تستفيد شيئا من نفطها، بسبب العقوبات، وهذا أخطر ما في الأمر، إذ إن إيران ليس لديها شيء لتخسره!