شوف تشوف

الرأي

التسلل الضريبي

حسن البصري

من حسنات قانون المالية الجديد نفض الغبار عن ضريبة الكرة، فقد عانت الحكومات منذ سنة 2012 من تهرب الرياضيين وإصرارهم على مراوغة محصلي الضرائب تارة وتمويههم تارة أخرى، إلى أن تسلل اليأس لمصلحة الضرائب فصرفت النظر عن مقرات الأندية، مكتفية بإشعارات أشبه بالإنذار الشفوي من حكم متفهم، وغالبا ما تصنف إشعارات مديرية الضرائب في خانة المرجوعات.
خصص قانون المالية لسنة 2022 مجموعة من الإجراءات، التي تروم تمديد مقتضيات ضريبية استثنائية لصالح الرياضيين إلى غاية 2027، حيث سيؤدي الرياضيون الضريبة على نصف مداخيلهم وإعفائهم من ضريبة النصف الآخر، أي أن «التضريب» سيتم بالتدريج، وسيعامل نجوم الكرة من لاعبين ومدربين معاملة استثنائية، مقارنة مع دافعي الضرائب، لأنهم لا يعرفون معنى الضرائب المباشرة وغير المباشرة، لكنهم يعلمون علم اليقين الفرق بين ضربات الخطأ المباشرة وغير المباشرة، ويعرفون الأمتار القانونية الفاصلة بين الكرة وحائط الصد.
تعلم مصالح الضريبة في المغرب بأن رؤساء الأندية المغربية قد توصلوا بدعم من الحكومة في حدود 700 مليون سنتيم، كمساهمة في الانتقال من جمعيات إلى شركات رياضية، وتعلم أيضا أن سوء فهم كبير قد ميز هذه الإعانة، حين حولها رؤساء الفرق إلى منحة تمتص الديون المتراكمة أو جزءا منها، واستمر الوضع على ما هو عليه حين ظل تدبير أندية رياضية أسير قانون الجمعيات يصادق فيه المنخرطون بالتصفيق على ملايير السنتيمات في ساعة واحدة، ثم يمضي كل إلى غايته.
كان الدعم المالي الذي تلقته أندية كرة القدم، واحدا من بين مجموعة من التسهيلات الضريبية التي تم إصدارها، من أجل تشجيع الرياضيين بصفة عامة داخل المغرب على التحول إلى نظام الاحتراف، لكن دار لقمان ظلت على حالها، حتى لقمان نفسه متابع بالتهرب الضريبي.
ألزمت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم الأندية بالتصريح بالعائدات السنوية للرياضيين المرتبطين بعقود معها، قبل فاتح مارس من كل سنة، بناء على قانون المالية رقم 65- 20 الخاص بسنة 2021، الذي أكد على ضرورة استخلاص الضريبة من أجور ومنح الرياضيين المحترفين والمدربين والأطر التقنية، المرتبطين بعقود انطلاقا من يناير الماضي، أي بأثر رجعي، لكن القائمين على الأندية يديرون ظهورهم للمذكرات.
بلغت منح اللاعبين ورواتبهم أرقاما فلكية، وأضحى اللاعب يتقاضى أضعاف ما يحصل عليه رئيس الوزراء، وتنافس رؤساء الفرق في الركض خلف أقدام تساوي الملايير، فقط لأنها لا تخطئ المرمى، وأمام هذا السخاء بادر الآباء إلى تحريض أبنائهم على دخول أكاديميات الكرة، بدل الكليات والجامعات، فيساق الأطفال إلى الملاعب ولا يجد أولياء أمورهم حرجا في التعايش مع ابن كسول، لكنه موهوب كرويا. وباسم القول المأثور «إلا ما جات بالقلم تجي بالقدم» تغض الأسر الطرف عن ابن لا يعرف اسم معلمه، ويحفظ عن ظهر قلب أسماء اللاعبين والمدربين ونجوم الكرة العالمية.
في البطولة المغربية وقع لاعبون عقودا بنصف مليار سنتيم للسنة الواحدة، أو بتعبير أصح لموسم رياضي واحد، وتحت ضغط أنصار الفريق، خاصة فصائل الألتراس، يلتهم لاعب واحد ضعف منحة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ويقتات وكيل أعماله من جود وسخاء رئيس يعتقد أن أجود اللاعبين هم الأعلى أجرا.
خيم الهدر المدرسي على أندية الكرة، وتراقصت أمام اللاعبين الناشئين أحلام النجومية المعفاة من الضرائب، ولأنهم كانوا يمقتون جدول الضرب في الفصول الابتدائية، ثم لازمهم هذا العداء وكبر معهم، وحول الضريبة إلى مجرد فزاعة في مسارهم الكروي.
قال لاعب دولي سابق حين قابل صحفيا يطالب بـ«تضريب» عائدات نجوم الكرة: «عمرنا في الملاعب قصير، وتلحون على فرض ضريبة على اللاعبين، التفت إلى نجوم «اليوتيوب» وأصحاب محتوى روتيني اليومي، الذين يراكمون الثروة دون مجهود».
نحن في بلد العجائب والضرائب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى