أشعلت المحطة الانتخابية القادمة، صيف هذه السنة، سباق الأحزاب السياسية من أجل استقطاب الأعيان والبحث عن وجوه تخلق التوازن الانتخابي في قلاع عديدة محصنة. وباشرت العديد من الأحزاب في مناطق الجنوب الشرقي وسوس مسلسل استقطابها لأعيان بارزين، كما خاضت «ميركاتو» سياسيا عقب انسحاب أعضاء من أحزاب والتحاقهم بأخرى، وهو ما سيجعل الصدام مستمرا إلى غاية اللحظات الأخيرة، فيما تواجه الأحزاب صعوبة في استقطاب الوجوه المعروفة سياسيا لا سيما في المناطق البدوية التي تشهد حدة التنافس بين «الأحزاب الكبرى» وباقي الأحزاب، خصوصا أمام عدم اتضاح الصورة الانتخابية بعد، وضعف ثقة المواطنين في جميع التنظيمات. وأمام احتفاظ بعض الأحزاب بأعيان معروفين، تحاول أخرى استمالة منافسين يمكنونها من المقاعد الجماعية والبرلمانية بسهولة، بعد أن قلت حظوظ الترشيحات السياسية المبنية، نظير الحضور القوي للأعيان.
من المؤكد أن الانتخابات التشريعية المقبلة ستجري في ظروف جديدة، مرتبطة بأزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والسياسية، وقوانين انتخابية جديدة (بعد توافق الأحزاب وتأشير البرلمان عليها)، غلب في صياغتها منطق التوافق على ما عداه، وبدت فيه الطبقة السياسية المغربية، رغم المناوشات والاستعراض الكلامي، واعية بدقة المرحلة التي يمر منها المغرب، والتي سيكون رهانها الأكبر رفع نسبة المشاركة وإقناع الناخبين بالذهاب إلى مكاتب التصويت، وهذه هي المهمة الصعبة التي تنتظر هذه الأحزاب .
في جانب آخر، يبدو أن تخليق الحياة العامة، وعلى رأسها الممارسة الانتخابية، هو حجر الزاوية في الانتخابات المقبلة، فمن دون الاحتكام إلى منطق المنافسة الشريفة ومقارعة البرنامج بالبرنامج لن يكون بمقدور الانتخابات المقبلة إفراز النخب التي ستقود دفة العمل الحكومي والبرلماني، فلا أحد اليوم في المغرب يرى أن مصلحة البلاد تكريس السائد وإعادة إنتاج الوجوه القديمة، أو الاحتفاظ بتلك التي وضعت عليها علامات استفهام بسبب فشلها الحكومي أو بسبب تدني مستواها أثناء العمل التشريعي، أو لوجود علامات استفهام على عدد منها، والتي راكمت الثروة بشكل يدعو إلى التساؤل حول مصادرها المالية .
وكما في كل فترة انتخابات، تبدأ حروب التزكيات استعاراً أكثر كلما اقترب الموعد الانتخابي، وبدا من الواضح تماماً أن الأحزاب السياسية، بما فيها تلك المحسوبة على الصف الديمقراطي، لا تملك الحيلة ولا الوسيلة للإفلات من إغراء المرشحين المنتمين إلى الأعيان، في حين تحاول عدد من الأحزاب إبداء المرونة وهي التي كانت تتشدد في السابق في اختيار مرشحيها، ولا تقبل ترشيح الأعيان في صفوفها، بينما كان ترشيح هؤلاء في عرف الأحزاب الاشتراكية سبة وسقوطاً إيديولوجياً مدوياً، ليتحول الأعيان اليوم إلى العملة المفقودة في الحل السياسي المغربي، التي تنبش عليها الأحزاب في البوادي والقرى، وتهديها التزكيات على طبق من ذهب .
وإذا كانت مختلف قوانين الأحزاب السياسية لا تحدد بدقة معايير التزكية، فرغم ذلك فإن ما تدونه الأحزاب السياسية داخل أنظمتها الأساسية وقوانينها الداخلية لا يطبق على أرض الواقع تطبيقا فعليا، ولو أن الهيئات السياسية التزمت بما سطرته ضمن قوانينها وأنظمتها لقطعت على الأقل الطريق على المتسابقين على المقاعد الذين يتقنون فن الترحال بين الأحزاب من أجل الظفر بمكان يؤهلهم لولوج قبة البرلمان، وهم لا يأبهون في ذلك لمرجعية الحزب الذي يرغبون في الانضمام إليه أو أدبياته، إذ ما يهم هو مدى ضمان مكان ضمن وكلاء اللائحة ولو على حساب نضال أبناء الحزب الذين لا يتقنون فن السباق نحو المقاعد.
وعلى الرغم من أن بعض الأحزاب وضعت شروطاً لمنح التزكيات، وهي في أغلبها شروط تنظيمية، بحيث لم تعد تزكيات الترشيح تمنح بشكل فوقي من طرف المكاتب السياسية، ولا أصلاً تجارياً مفوضاً لها، بل بدأ نهج نوع من الحوار والمشورة مع المكاتب المحلية لهذه الأحزاب، في خطوة من أجل الانسجام مع قانون الأحزاب الذي يؤكد ضرورة أن تتخذ القرارات الحزبية بشكل ديمقراطي وداخل الهياكل الحزبية بالتدرج، لكن هذا ليس عقبة، بل إن المشكلة تكمن في البحث عن المرشح الرابح سلفاً، وهذا النوع من المرشحين هو من يملك ورقة العبور ويحسم سباق الانتخابات في دائرته قبل بداية السباق حتى، وهو الأمر الذي قد يجعل من هذه المحطة الانتخابية مناسبة لإعادة إنتاج نفس الوجوه، خصوصا مع استمرار استعمال الأحزاب لمنطق «القلعة الانتخابية».