حسن البصري
وأنا أتصفح كتاب «الدنيا كرة في هواء»، للكاتب المصري محمد مصطفى، توقفت عند تعريف ساخر لهذه «الجلدة» حين قال: «الكرة منفوخة شهد ودموع، حب وجنون، الكرة منفوخة سياسة واقتصاد وتجارة وتاريخ وجغرافيا وعلم وفن وهندسة. الكرة منفوخة بالأنانية والغرور والطموح والقتال والطيبوبة والشراسة والقبح والجمال..».
يؤمن الكاتب بأن مباريات كرة القدم لا تقبل التوقعات، وهي التي تجمع النقائض وتتعايش مع المتناقضات بكل روح رياضية، ويخلص إلى أن الملائكة لا تحلق فوق ميادين الكرة لأن الشياطين ما زالوا يستوطنون المدرجات وغرف الملابس وحجرات الحكام وكراسي المدربين وميكروفونات المعلقين.
من هنا يصعب التكهن بمباريات بأقل ضغط خلال الشهر الفضيل، حتى وإن جرت بعد أن تمتلئ البطون وتتم تعبئة الذات بالزاد الروحاني.
تمنيت لو أن لجنة الأخلاقيات ولجنة الانضباط وهيئات التقاضي الرياضي تمنح أعضاءها إجازة طيلة شهر رمضان، وندخل رهان «شهر بدون عقوبات»، ونعلن الحرب على «الترمضينة» التي تتربص بالمباريات وتجعلها تحت رحمة الانفلات.
مباريات بدون قلق هو نوع من التحدي في شهر استثنائي يستبدل فيه اللاعبون البذل الرياضية بـ»الفوقية»، ولا يمانعون من أخذ «سيلفيات» أمام المساجد.
في هذا الشهر الفضيل، يتخلص الحكام والمدربون من تقاسيم القلق القديمة، ويتحولون إلى كائنات محشوة بالسكينة والخشوع، تقضي جزءا من وقتها في ملامسة حبات السبحة وطلب الاستغفار.
في شهر رمضان، يحذر طبيب الفريق اللاعبين من مغبة الإدمان على شرب الحريرة وتناول الدهنيات ويصنف «لكرافس» و»السفوف» المحشوة بـ «الكوزة» في خانة المنشطات.
يصوم اللاعبون إيمانا واحتسابا وتقربا إلى الله، ويرتدون اللباس الأفغاني وينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي عبارات التهاني، وينصتون في سياراتهم لأشرطة القراء والمجودين والوعاظ، وحين يلجون أرض الملعب يواصلون إمساكهم عن التهديف.
في هذا الشهر، يقوم بعض اللاعبين المسيحيين بتجربة الصيام، ومنهم من يجد متعة روحانية قد تدفعه لاعتناق الإسلام. والبعض يؤجل اللجوء إلى غرفة المنازعات إلى ما بعد عيد الفطر، مانحا الرؤساء فرصة تليين مواقفهم.
مع حلول شهر رمضان، نلتمس التمهل من المسؤولين الذين لا يملكون «فرانات» في تصريحاتهم ولا يمتثلون لإشارات تخفيض السرعة، فلطالما عصفت كلمة منفلتة بصيام رئيس، وحين يكتشف سقوطه في المحظور، يجد عن يمينه إداري يدعوه لأن يتم صومه ويبشره بأن لا قضاء عليه ولا كفارة.
تنبعث من مدرجات الملاعب أشعار وأهازيج محشوة بعبارات تخدش الحياء، تصف الخصم والحكم بأقدح النعوت، حان الوقت الآن لنتخلص منها على الأقل في شهر رمضان، لأن أعلى نسب حالات الاعتداء على الحكام تتم في شهر التوبة والغفران.
حتى لا تتكرر فضيحة العشر الأواخر من شهر رمضان الماضي، حين شهدت ملاعب الغرب رواجا تجاريا عرضت فيه ذمم فرق للبيع، حين كان الناس يتبادلون التهاني ويباركون وصولهم لخط نهاية شهر رمضان بسلام، فجأة اهتز الرأي العام القنيطري على وقع خبر تفويت نتائج مباريات والناس صيام.
في سيدي سليمان، أكرم فريق حسنية سيدي سليمان ضيافة هلال يعقوب المنصور بحصة مدعمة وألحق به خسارة مذلة بتسعة وعشرين هدفا، فقط لا غير، مقابل هدف يتيم، وكادت الحصة أن تكون أكبر لولا استحضار غرباوة ظروف الرحمة والشفقة.
غير بعيد عن سيدي سليمان وتحديدا في سوق أربعاء الغرب، فاز الاتحاد الغرباوي على «نهضة» القنيطرة، بحصة واحد وعشرين هدفا مقابل ثلاثة أهداف، نسيت أن أذكركم بأن المنافسة تتعلق بكرة القدم وليس لعبة أخرى.
أيها المراقبون احذروا من كائنات رياضية لا فرق عندها بين مباريات الكرة وموائد الإفطار، سخاء هنا وهناك.