شوف تشوف

الرئيسيةدين و فكر

التخلق بالحياء

في ظلال الحديث النبوي

الحديث 684 : وعن أبي سعيد الخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنه، قال: كان رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَشَدَّ حَيَاءَ مِنَ الْعَذْرَاءِ في خِدْرِهَا، فَإذَا رأى شَيْئاً يَكْرَهُه عَرَفْنَاهُ في وَجْهِهِ. متفق عليه.
الحياء هو امتناع النفس عن فعل ما يعاب، وانقباضها من فعل شيء وتركه مخافة ما يعقبه من ذم، وإلى جانب ذلك فإن الحياء خلة من خلال الخير التي يحرص عليها الناس، ويرون أن التجرد عنها نقصا وعيبا، كما أن الحياء من كمال الإيمان وتمامه. ويؤيد هذا ما ورد على لسان النبي صلى الله عليه وسلم في ما رواه البخاري ومسلم «الحياء شعبة من الإيمان» و«الحياء لا يأتي إلا بخير»، بل إن الإسلام في مجمل أحكامه وتوجيهاته إنما جاء دعوة حارة ومخلصة في ترك ما يذم ويعاب كما في الحديث: «إن لكل دين خُلقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء».
لقد تحلى النبي صلى الله عليه وسلم بكمالات الأخلاق، ومن ذلك حياؤه. وكما جاء في الحديث كان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها لما جبل عليه من كمال وهمة عالية، فلقد كان لطيف العشرة، رقيق الإحساس، حسن العشرة، والأدب مع أصناف الخلق وذلك مما انتشرت به الأخبار الصحاح.
هناك صفات بارزة يحتاجها الداعية دائما، وبغيرها يصبح من المتعذر عليه النجاح في دعوة الناس ومن أهمها الحياء الذي يمنع صاحبه من الميل عن الطريق المستقيم، ولذا بين النبي صلى الله عليه وسلم أن في الحياء إبعادا عن كل شر، وإتيانا بكل خير، ولا يراد بالحياء هنا الجبن والخور، وإنما الحياء بمعانيه الفاضلة، فهو امتثال لأوامر الله، والكف عن زواجره وعن أذى الناس وترك المجاهرة بالقبيح وذلك بالعفة وصيانة الخلوات، فإذا لم يتجمل الداعية بالأخلاق الحميدة ومنها الحياء، كان أصرف ما يكون الناس عن دعوته.
قال ابن رجب: إن الحياء الممدوح في كلام النبي إنما يريد به الخلق، الذي يحث على فعل الجميل وترك القبيح. فأما الضعف والعجز الذي يوجب التقصير في شيء من حقوق الله أو حقوق عباده، فليس هو من الحياء، إنما عجز ومهانة، فخلق الحياء إذا غرس في النفس ونمت عروقه فيها ازداد رونقها صفاء ونفض على ظاهر صاحبه مآثر خيرات حسان، وإذا انتزع من شخص فقد المروءة.
أعظم الحياء وأكرمه الحياء من الله تعالى بأن لا يقابل العبد إحسانه ونعمته بالإساءة والكفران والجحود والطغيان، وأن لا يتضجر عند البلاء فينسى قديم إحسانه ومنته ورحمته به، وأن يلتزم أوامره سبحانه وتعالى ونواهيه، وأن يخاف منه حق الخوف في حركاته وسكناته وخلواته وجلواته، ولا يتولد هذا الحياء إلا حين يطالع العبد نعم الله ويتفكر فيها، ويدرك تمامها وشمولها، ثم يراجع نفسه بعد ذلك ويحاسبها على الخلل والزلل والتقصير، قال بعض السلف: «خف الله على قدر قدرته عليك واستح منه على قدر قربه منك».
حياء العبد في نفسه بأن يكون ذا سمعة كريمة وضيئة مضيئة، في بيته ومجلسه ومكتبه وسوقه، فلا يتحدث بالذي يكون بينه وبين أهله، أو عن ماضيه القبيح وما كان فيه من الآثام والمعاصي، بل يحرص على تزكية نفسه وتنقيتها وحملها على الوقوف مواقف الخير والصلاح في كل موطن، فضلا عن الارتقاء بها إلى مراتب الحكمة والمسؤولية، لتكون الناصح الأقرب إليه والواعظ الأكبر له والرقيب الزاجر عن فعل السيئ.
الحياء من الناس، فإذا استحيا العبد من ربه حق الحياء ومن نفسه، انعكس ذلك بالتأدب بأدب الله والتخلق بأخلاق النفس الكبيرة على ممارسات الإنسان وسلوكه اليومي وعلاقاته مع الناس الآخرين، فيجتنب عمل القبيح أمامهم كما كان قد اجتنب القبيح أمام الله، ويكون قريبا من الصدق والاستقامة مع الله ومع النفس ومع الناس.
الحياء مع الوالدين فلا يُسمعهما إلا أحسن القول: «ولا تقل لهما أف ولا تنهرمها»، رأى أبو هريرة غلاما يمشي مع رجل فقال للغلام: من هذا منك؟ قال: أبي، قال: فلا تمش أمامه، ولا تجلس قبله، ولا تناده باسمه.
الحياء مع ذوي الفضل والعلم «تعلموا العلم، وتعلموا للعلم سكينته وتواضعوا لمن تعلمون منه»، رواه الطبراني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى