شوف تشوف

الرئيسيةثقافة وفن

التحديث الشعري عند الشعراء المغاربة المؤسّسين

 

حورية الخمليشي;

                                          

الشعر المغربي عند الشعراء المؤسسين مرتبط بمشروع التحديث الثقافي الذي عرفه المغرب. ويمكن الرجوع إلى كتاب «الأدب العربي في المغرب الأقصى» لمحمد بلعربي القباج الذي صدر عام 1920 في مرحلة الثلاثينات، بحيث ظهرت أسماء شعريّة لها تأثير في الشعر المغربي خاصة في مرحلة ما                                                                   بعد الاستعمار كعلال الفاسي، ومحمد بنبراهيم، ومحمد المختار السوسي، وعبد الغني اسكيرج… بالإضافة إلى شعراء كتبوا أغراضًا شعريّة ذات طابع اجتماعي تهتمّ بتعليم المرأة كعبد المالك البلغيتي، ومحمد الحلوي، ومحمد الحجوي. وهي أشعارٌ ذات طابع وطني نهضوي. شعراءٌ عبّروا بقصائدهم عن القضايا الوطنيّة والسيّاسيّة والاجتماعيّة والبحث عن الهُوِيّة المغربيّة.

وقد صدر كتاب عبد الله كنون «النبوغ المغربي في الأدب العربي» سنة 1934. ويمكن اعتبار هذا المؤلَّف بمثابة اللبنة الأولى لتأسيس الأدب المغربي، وفيه يحرص عبد الله كنون على إعادة تاريخ الإنتاج الأدبي التاريخي والعلمي للمغرب من عصر الفتوح إلى عصر العلويّين. وقد خصّص الجزء الثاني من الكتاب للنصوص الأدبية المنثور منها والمنظوم. واهتمّ بالموشّحات والأزجال التي تشكل الخصوصية المغربية.

وهي مبادرة علميّة غير سابقة في تاريخ الأدب والفكر المغربي. فهو أوّل كتاب يدافع عن الهُوِّيّة المغربية التي كان المستعمر يحاول طمس معالمها، ويدافع كذلك عن الهُوّية الشعريّة والأدبيّة للأدب المغربي، في زمن كانت تهُيْمن فيه الثقافة الطُّرُقية على الثقافة المغربية وظهر التّصوّف الشعبي من خلال الزّوايا. وهنا كان للحركة السلفية المغربية المتأثرة بالحركة السلفية التي انتشرت في الشرق أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين دور كبير في نقد الحركة الطّرقية والإعلاء من شأن اللغة العربية الفصحى. يقول عبد الله كنون في قصيدته «هل عندنا أديب؟»: نجومٌ بدتْ في سمَــا الأدبِ/ تمثـــــــــــل عاطفـــــــة المغْربــــــــي. ولكنها خابياتُ الضِّيَــــــــــــــــا/ يغالبها غيهبُ الحُجـــــــــــبِ. تغنتْ بشعر صحيح القوَافِي وأوضاعُه جمةُ العَطَـبِ.

وهذه الأبيات تمثّل وعي المغاربة بأهمّية الأدب المغربي والشعر المغربي على وجه الخصوص. وهكذا بدأ مشروع التحديث في المغرب حينما بدأ الأدباء والمفكرون المغاربة يدركون رسالة الأدب في الحياة.

وعمل شعراء الحركة الرومانسيّة على تحديث القصيدة المغربيّة وتحريرها من النموذج الكلاسيكي لكتابة الشعر المنثور (الشعر الحر). فزاوجوا بين الشعر والنثر، كما نجد عند محمد الصباغ وعبد المجيد بنجلون، خاصة مع ظهور المجلاّت والصحف التي تهتم بالشعر كمجلة «المعتمد» التي أنشأتها ترينا مركادير (Trina Mercader) في كل من العرائش وتطوان.

وقد كانت تطوان تحتلّ المركزيّة الثقافيّة إلى جانب العرائش. حينذاك تغير مفهوم الشعر والشاعر على صفحات مجلة المعتمد من مفهومه الضيّق إلى مفهوم واسع للشعر، والذي أصبح يحمل بعداً إنسانياً من خلال تجارب الشعراء. بالإضافة إلى مجلة الأنيس ومجلة الأنوار ومجلة كتامة ومجلة السلام التي صدرت في تطوان سنة 1933 من طرف محمد بن داود. وهذه الأعمال هي التي رصدت مشروع التّحديث بالمغرب وبناء الخطاب الشعري الحديث منذ 1920 إلى بداية الرومانسية العربية.

وتبقى مجلة «المعتمد» هي أقدم مجلة أدبية صدرت في عهد الحماية الإسبانية، والتي حملت اسم المعتمد بن عباد ملك إشبيلية الأندلسية. فظهرت أسماء مغربيّة شعريّة جديدة كعبد القادر حسن، وعبد الكريم بنثابت، وعبد القادر المقدم، وإدريس الجاي، ومحمد الصباغ، كان محمد الصباغ أول شاعر مغربي كتب الشعر المنثور متأثراً بالحركة الرومانسية بالمدرسة المهجرية الأمريكية وبالرومانسية العربية بالمشرق العربي، وأصبح رائد هذا الفن بالمغرب.

أما بعد الاستقلال فقد انشغل الشعراء بقضايا المجتمع والسياسة. فدخل الشعر المغربي مرحلة أخرى، حيث كان الاهتمام منصبّاً على مسألة القومية العربية والقضية الفلسطينية. وفي هذه المرحلة ازدهرت الصحافة والنوادي الأدبيّة، وعرف الشعر المغربي انفتاحًا على الشعر الأوروبي خاصة مع ازدهار حركة الترجمة بالمغرب. وبدأ الشعر المغربي يعرف انفتاحًا على الفنون المجاورة كفنّ المسرح. وفي هذه المرحلة عرف المغرب أوّل مدرسة للفنون وهي مدرسة الفنون الجميلة على يد الفنان التشكيلي الإسباني ماريانو بيرتوتشي (Mariano Bertuchi) عام 1946. وسيخلفه الفنان محمد السرغيني في إدارة المدرسة بعد الاستقلال. وقد تخرّج منها كل من بنيسف ومحمد شبعة وعبد الكريم الوزاني ومحمد أطاع الله وغيرهم. فقد رحّب شاعر الحمراء محمد بن ابراهيم بهذا الانفتاح في قصيدة بعنوان «مرحبا بأبناء النيل»: تبدّت نجوم الفنّ في أفق الغرب / وأشرق شمساً بينها يوسف وهبي.

وقد عمد الشعراء إلى الإعلاء كذلك من مرتبة الفنّ. يقول إدريس الجاي في قصيدته «تحية عاطفية لشعراء مدريد»: إليكم ألسُن الشعر التي طفقت / تُمجّد الفنّ دوماً أيّ تمجيـــــــــــــــــد

وانفتحت الرومانسية المغربية على الفنون التشكيلية والموسيقى والغناء والتعبير عن الأنا. يقول محمد الصباغ في قصيدة «يا بعض أنا»: من أنت يا بعض أنــــــــــــــا؟ / يا ترنيمة الصدى النّائم.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى