خالد الشرقاوي السموني أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية
3.3
إن تفشي فيروس كورونا «كوفيد- 19»، أضحى يشكل جائحة عالمية كما وصفته منظمة الصحة العالمية، وتحول إلى خطر على الإنسانية جمعاء، ويهدد الحق في الحياة الذي يشكل أول الحقوق وأبرزها، والحق في السلامة الشخصية والممتلكات الخاصة، مما يحتم على السلطات العمومية، وفقا لأحكام الفصل 21 من الدستور، اتخاذ التدابير اللازمة من أجل سلامة السكان وحماية صحتهم على وجه الاستعجال.
2) الاستناد إلى الفصل 24 من الدستور :
نصت الفقرة الثانية من الفصل 24 من الدستور على ما يلي:
(حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون).
يعتبر الحق في التنقل من أقدس الحقوق، حيث حظي هذا الحق باهتمام بالغ في العهود والمواثيق الدولية وكذا الدساتير الوطنية، فقد جاء في الفقرة الأولى من المادة الثانية عشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أن: (لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق التنقل فيه، وحرية اختيار مكان إقامته). في حين نصت المادة الثالثة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على: (أن لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة)، و(يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه).
لكن بعد قراءة متمعنة للفقرة الثانية من الفصل 24 من الدستور، فإن حرية التنقل مضمونة للجميع، وفق ما يقتضيه القانون. ومعنى ذلك أن المشرع العادي، أي البرلمان، يمكن له الحد من حرية التنقل بمقتضى قانون إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك.
وبما أن ترك حرية تنقل المواطنين وغيرهم من الأجانب المقيمين دون تقييد، خلال هذه الظروف الاستثنائية التي تجتازها بلادنا بسبب جائحة فيروس كورونا، يمكن له أن يساعد في انتشار العدوى على نطاق واسع من أرجاء المغرب، خلال لقاء بعضهم البعض في الأماكن العمومية على أساس أن هناك أشخاصا بينهم مصابون بالوباء، فإن من حق الحكومة إصدار قانون بعد المصادقة عليه من قبل البرلمان يحد من هذه الحرية .
3) الاستناد إلى اللوائح التنظيمية للصحة العالمية:
نشير إلى أن المملكة المغربية عضو في منظمة الصحة العالمية، وأن الحكومة ملتزمة بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.09.212، الصادر في 26 أكتوبر 2009، بنشر اللوائح الصحية الدولية (2005) التي اعتمدتها جمعية الصحة العالمية في دورتها الثامنة والخمسين، بتاريخ 23 ماي 2005، ونشر في الجريدة الرسمية عدد 5784 بتاريخ 5 نونبر 2009 .
وتنص المادة 15 من اللوائح الصحية الدولية، في فقرتها الأولى على أنه: (إذا تأكدت وفقا للمادة 12، حدوث طارئة صحية عمومية تثير قلقا دوليا، يصدر المدير العام توصيات مؤقتة وفقا للإجراء المنصوص عليه في المادة 49)، كما تنص في فقرتها الثانية على أنه: (يجوز أن تشمل التوصيات المؤقتة تدابير صحية تنفذها الدولة الطرف، التي تواجه الطارئة الصحية العمومية التي تثير قلقا دوليا، أو دول أطراف أخرى، في ما يخص الأشخاص و/أو الأمتعة والحمولات والحاويات ووسائل النقل والبضائع والطرود البريدية للحيلولة دون انتشار المرض على النطاق الدولي).
وتبعا للمادة أعلاه، فقد أصدر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية توصياته المؤقتة، في 29 فبراير 2020، أكد من خلالها أنه: (وفقا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، للدول الأعضاء الحق السيادي في التشريع، وتطبيق تشريعاتها الوطنية وفقا لسياساتها الصحية، حتى ولو كان ذلك يعني تقييد حركة الأشخاص) .
وعلى هذا الأساس، فقد أصدرت الحكومة القانون المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية. وهي ليست حالة طوارئ سياسية أو عسكرية، يترتب عنها تقييد الحقوق والحريات وتعطيلها بشكل واسع، حيث يبقى المغرب ملتزما باحترام الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ويكون فقط تقييد جزئي للحرية، كما هو الشأن بالنسبة لحرية التنقل وحرية التجمع، مع اتخاذ تدابير تنظيمية وإدارية، يمكن لها أن تكون مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، لكن في حدود التدابير الرامية إلى الحفاظ على الصحة العمومية.