«البيجيدي» في مفترق الطرق قبل الانتخابات هجرة جماعية من الحزب وصراعات داخلية تهدده بالانقسام
على بعد أقل من سنة من موعد إجراء الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية المقبلة، يعيش حزب العدالة والتنمية مخاضا داخليا، بعد تزايد حدة الصراعات الداخلية التي أصبحت تهدد بانقسام الحزب في أي لحظة، رغم محاولات إخفاء هذه الصراعات، حيث بدأ تيار بنكيران يتحرك لاستعادة مواقعه داخل الحزب، وذلك من خلال الدعوة لعقد مؤتمر استثنائي للحزب قبل الانتخابات، فيما اختار برلمانيون ومنتخبون جماعيون مغادرة الحزب والالتحاق بأحزاب سياسية أخرى للترشح باسمها في الانتخابات المقبلة.
طيلة السنوات التي قضاها حزب العدالة والتنمية في قيادة الحكومة المنتهية ولايتها، عرف صراعات داخلية طاحنة وهزات تنظيمية قوية، لكن خلال الولاية الحكومية الحالية التي يقودها الأمين العام، سعد الدين العثماني، بعد عزل رئيس الحكومة السابق والأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، ازدادت هذه الصراعات مدة، ووصل الحزب الحاكم إلى مفترق الطرق، ما قد يهدده بالانقسام، في حين تعالت أصوات قياديين محسوبين على تيار بنكيران، تطالب بضرورة عقد مؤتمر استثنائي للحزب قبل حلول موعد الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية التي ستجرى خلال السنة المقبلة.
هزات تنظيمية
منذ مشاركته في الحكومة السابقة، يعيش حزب العدالة والتنمية من حين لآخر على إيقاع هزات تنظيمية قد تنتهي إما بإقالة فردية أو جماعية لبعض أعضائه، أو بحل مكاتب محلية أو إقليمية للحزب كما حصل بالعديد من المدن، مما يطرح أكثر من سؤال حول الديمقراطية الداخلية بهذا الحزب، وطرق وآليات تدبير الاختلاف بين الآراء والمواقف، خاصة مع تغيير موقف الحزب من المعارضة إلى قيادة الحكومة، وما صاحب ذلك من تغيير في بعض المواقف ولهجة الخطاب، لأن هذا الحزب يعتبر من التنظيمات الأكثر تشددا وصرامة من الناحية التنظيمية، خصوصا أنه استمد هذه الأخيرة من تجربة تنظيمين تركا بصمتهما في العمل السياسي سواء في العالم العربي على العموم أو المغرب على الخصوص، وهما تنظيما «الإخوان المسلمين» الذي أسسه الحسن البنا، وتنظيم الشبيبة الإسلامية لمؤسسه الشيخ عبد الكريم مطيع، على اعتبار أن الأول كان بمثابة أرضية تأسيسية لحركات الإسلام السياسي في العالم، والثاني كان بمثابة مدرسة تتلمذ فيها عدد كبير من قادة الحركة الإسلامية بالمغرب، ومن بينهم فئة واسعة من قياديي حزب العدالة والتنمية الحاكم وعلى رأسهم عبد الإله بنكيران الأمين العام السابق للحزب وسعد الدين العثماني، رئيس الحكومة ورئيس المجلس الوطني للحزب، ومحمد يتيم، عضو الأمانة العامة للحزب ووزير التشغيل السابق.
ويضع حزب العدالة والتنمية قائمة طويلة من الأسباب التي بها «تبطل» العضوية في الحزب، أو تتم بسببها «تصفية» العضو عن طريق إقالته من التنظيم، إذ توكل هذه المهمة إلى جهاز خاص يطلق عليه اسم «هيئة التحكيم الوطنية»، وأجهزة أخرى متفرعة عنها تسمى «هيئات التحكيم الجهوية»، وينظم الحزب انضباط أعضائه بمقتضيات القسم الرابع من نظامه الأساسي، إذ يولي هذا القسم الاختصاص الانضباطي في الحزب إلى كل من المجلس الوطني وهيئة التحكيم الوطنية وهيئات التحكيم الجهوية، في حين ترك المجال مفتوحا لإحداث هيئات تحكيم جهوية وفق ضوابط ينص عليها في النظام الداخلي. وتختص هيئة التحكيم الوطنية في البت ابتدائيا في المخالفات التي يقع فيها أعضاء المجلس الوطني، ونهائيا في طلبات الطعن بالاستئناف في القرارات الصادرة ابتدائيا عن هيئات التحكيم الجهوية، وفي القضايا التي أحالتها عليها الأمانة العامة، في حين أن الهيئات الجهوية تختص بالبت ابتدائيا في جميع المخالفات التي يقع فيها أعضاء الحزب غير أعضاء المجلس الوطني وتلك التي تقع فيها هيئات وأجهزة الحزب على مستوى الجهة.
وتبقى عقوبة «الإقالة» ضمن الإجراءات الانضباطية التي تهم مجموعة من المخالفات التي يقع فيها المنتمون له، في حين يلزمه الحزب قبل المغادرة بـ«تسوية وضعيته المالية تجاه الحزب»، و«إرجاء وثائق وممتلكات الحزب التي في عهدته». أما رئيس المجلس الوطني للحزب إن عارضه المجلس الوطني في مواصلة تحمل مسؤوليته وذلك بالموافقة على ملتمس الإعفاء الذي لا يقبل إلا إذا وقع عليه على الأقل ربع أعضاء المجلس، ولا تصح الموافقة إلا بتصويت أغلبية أعضاء المجلس، في حين يعفى الأمين العام بنفس الطريقة إلا أن الموافقة تكون بتصويت ثلثي الأعضاء المنتمين للمجلس. وفي ما يتعلق بأعضاء الأمانة العامة فيتم إعفاؤهم من مهامهم إما بنفس طريقة إعفاء الأمين العام للحزب، أو إن قدم هذا الأخير ملتمسا للمجلس الوطني لإلغاء عضوية أحد أعضاء الأمانة العامة، ولا يصبح الإعفاء نافذا إلا بموافقة المجلس بأغلبية المصوتين.
ضوابط داخلية
يحدد الحزب الحاكم مجموعة من الأمور التي تعتبر من المحظورات، ولذلك وضع لائحة «سوداء» يمنع على أعضائه القيام بها، ومن بينها ما جاء في الفصل الرابع من النظام الداخلي للحزب، ضمن المادة 71 التي تنص «على أنه من حق العضو داخل الحزب أن يبدي الرأي في القضايا التنظيمية والسياسية والمالية للحزب داخل مؤسساته، بالإضافة إلى المقتضيات المتعلقة بالترشيح والترشح»، لكن الغريب في المادة هو عبارة «داخل مؤسساته»، التي يمكن تفسيرها بأنه يمنع على العضو أن يدلي برأيه حول هذه القضايا خارج هذه المؤسسات، كالتصريح لدى وسائل الإعلام مثلا.
ولذلك، يعتبر النظام الأساسي لحزب المصباح مخالفة كل أمر يتعلق بـ«الشطط في ممارسة الصلاحيات داخل الحزب أو تجاوزها أو خرق قوانين الحزب ومساطره»، و«الإخلال بالمسؤولية الحزبية أو المسؤوليات التي يتولاها الأعضاء بصفتهم الحزبية»، و«الإخلال بسرية مؤسسات الحزب وانتهاك مداولاتها وعدم الانضباط لقراراتها»، كما يدرج أيضا كمخالفات يعاقب عليها «التوقف أو التأخر عن أداء الواجبات المالية للحزب»، «التغيب عن اجتماعات الحزب دون عذر مقبول»، و«الوقوع في ممارسات تمس الآداب العامة أو تخل بالأخلاق الحسنة»، على حد ما جاء في نص النظام الأساسي للحزب. وإلى جانب تنصيصه على الحق في الاستئناف أو الطعن في هذه القرارات الانضباطية، فإن حزب العدالة والتنمية رصد عددا من الإجراءات العقابية لمرتكبي هذه المخالفات تبدأ بالتنبيه والإنذار لتصل إلى الإقالة من الحزب بشكل نهائي، في حين يُمنع المُقال من رئاسة هيئة من أن يتحمل أي مسؤولية في الحزب إلا بعد مرور سنة على الأقل من تاريخ دخول قرار إقالته حيز التنفيذ.
وينظم الحزب انضباط أعضائه بمقتضيات القسم الرابع من نظامه الأساسي، إذ يولي هذا القسم الاختصاص الانضباطي في الحزب إلى كل من المجلس الوطني وهيئة التحكيم الوطنية وهيئات التحكيم الجهوية، في حين ترك المجال مفتوحا لإحداث هيئات تحكيم جهوية وفق ضوابط ينص عليها في النظام الداخلي. وتختص هيئة التحكيم الوطنية بالبت ابتدائيا في المخالفات التي يقع فيها أعضاء المجلس الوطني، ونهائيا في طلبات الطعن بالاستئناف في القرارات الصادرة ابتدائيا عن هيئات التحكيم الجهوية، وفي القضايا التي أحالتها عليها الأمانة العامة، في حين أن الهيئات الجهوية تختص بالبت ابتدائيا في جميع المخالفات التي يقع فيها أعضاء الحزب غير أعضاء المجلس الوطني وتلك التي تقع فيها هيئات وأجهزة الحزب على مستوى الجهة.
مطالب بعقد مؤتمر استثنائي
بدأ مطلب عقد المؤتمر في الملتقى الوطني الأخير لشبيبة الحزب، عندما حرض عبد العالي حامي الدين، شبيبة الحزب على الانقلاب على الأمين العام ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، داعيا إلى عقد مؤتمر استثنائي لانتخاب قيادة جديدة قبل حلول موعد الاستحقاقات الانتخابية المزمع إجراؤها خلال السنة المقبلة. وتبرأ حامي الدين، الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس الوطني للحزب، في كلمة ألقاها خلال الملتقى الوطني السادس عشر لشبيبة العدالة والتنمية، من حصيلة الولاية الحكومية الحالية التي يقودها العثماني، مقابل إشادته بحصيلة الولاية السابقة برئاسة الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، عندما قال «هناك من يحمل الحزب مسؤولية 10 سنوات من التدبير»، ملمحا إلى أن الحزب مسؤول عن التدبير خلال الولاية السابقة لمدة خمس سنوات فقط، مشيرا إلى أن الولاية الحكومية الثانية التي يقودها الحزب انطلقت في ملابسات مختلفة نجحت في ملفات وأخفقت في أخرى، وعرفت فيها البلاد مجموعة من الإشكاليات والتجاوزات والانتهاكات.
وأكد حامي الدين أن حصيلة الحكومة الحالية هي محصلة اختيارات وتقديرات تتحمل فيها الهيئات التقريرية للحزب المسؤولية بشكل جماعي، داعيا إلى عقد مؤتمر وطني استثنائي لتصحيح المسار، بقوله «إذا تطلب الأمر تصحيح ما يلزم ولو بعقد مؤتمر وطني استثنائي فيجب أن نكون جاهزين لذلك»، وأضاف «يجب إعطاء دفعة قوية لمسار الحزب خلال المرحلة القادمة»، معتبراً أنه لا يمكن أن يكون لحزب العدالة والتنمية دور مؤثر في الحياة السياسية المغربية إلا إذا كان حزباً قوياً موحداً بقيادة قوية وبمستوى عال من الوضوح السياسي والالتزام الوطني.
وتوصلت إدارة الحزب بوثيقة تحمل توقيعات أعضاء بالشبيبة تدعو بشكل رسمي إلى عقد مؤتمر استثنائي، ويرى أصحاب الوثيقة أنه انطلاقا من متابعتهم الدقيقة لأداء الحزب وتغييرات المشهد السياسي، اتضح لهم بشكل جلي أن الحزب يعيش مرحلة حساسة وحاسمة من تاريخه، وتضيف الوثيقة أنه «وبعد طول تردد وانتظار، وتدارس ونقاش، وقلق نتج عنه أرق، ارتأينا (نحن أعضاء الحزب والشبيبة) أن الوقت قد حان لنسهم ولنتفاعل بشكل إيجابي مع ما يمر به حزبنا ووطننا من لحظات عصيبة، ونتقدم بهذه المبادرة التي اخترنا لها اسم «مبادرة النقد والتقييم»».
وأوضح أصحاب الوثيقة أن هذه المبادرة تعد صفحة من الصفحات المشرفة للحزب، المبرزة لنفس حرية التعبير وروح المبادرة، والمنعدمة في غيره من الأحزاب، وتضيف الوثيقة «فلا مكان في حزبنا لثقافة الشيخ والمريد، ولا ثقافة القادة والأتباع، بل الكل يحمل هم واقع الحزب ورهاناته، كما يحمل هم الوطن ومستقبله، قواعد كانوا أو قيادات». وأبرزت الوثيقة أنه عكس ما قد يعتبره البعض تسرعا أو تجاوزا لمنطق المؤسسات، فإن المبادرة، باعتبارها الوسيلة الأنجع لإيصال صوت فئة مهمة من قواعد وقيادات حزب وشبيبة العدالة والتنمية، إلى مؤسسة المجلس الوطني (برلمان الحزب)، وأضافت الوثيقة «فمنذ وقت ليس بالقليل، لاحظنا ازدياد الهوة بين القواعد والقيادات، وأن العديد من الأصوات الرافضة والمنتقدة للوضع الحالي لا يصل صداها لقيادة الحزب، وتظل محصورة في أحاديث المقاهي واللقاءات الأخوية، والنقاشات في مواقع التواصل الاجتماعي، هذا بعد أن ملت هذه الأصوات من اعتماد الآليات التنظيمية واللقاءات الداخلية التي لم تلق للأسف التفاعل الإيجابي المرجو».
وأكدت الوثيقة أنه في العديد من المحطات التي عاش فيها الحزب هزات عنيفة وارتباكا واضحا واختلافا في الرؤى ووجهات النظر، كان منتظرا من المجلس الوطني أن يعقد دورات استثنائية يحسم فيها الخلاف، ويحتوي فيها الوضع، «لكن للأسف أحسسنا بركود هذه المؤسسة وعدم تحملها للمسؤولية في اللحظات العصيبة التي عاشها الحزب والوطن»، حسب ما أوردته الوثيقة، وأضافت «بعد المجلس الوطني للحزب، كان يعول كذلك على الشبيبة لتوفير هذا الفضاء للنقاش الحر والمسؤول والاستماع لجميع الأصوات ووجهات النظر المختلفة، إلا أن هذا الأمر لم يكن للأسف الشديد، حيث لم تعد الشبيبة تتمتع بالاستقلالية اللازمة للقيام بمثل هذه المبادرات، فالتعبير عن مواقفها أصبح مقيدا باختيارات قيادتها الحالية بعيدا عن النفس العام الذي يسود قواعد الشبيبة.
وأمام انسداد الفضاءات التنظيمية الخاصة لاحتواء نقاش هادئ وصريح في شتى القضايا المفصلية، خلص أصحاب المبادرة إلى أن قيادتي الحزب والشبيبة تراهنان أكثر على تناسي هذه اللحظات، وإطفاء نار الغضب في صفوف المناضلين، استنادا لمقولة «كم حاجة قضيناها بتركها»، والتذرع بقاعدة «الرأي حر والقرار ملزم»، في حين أن الرأي الحر لا يناقش، والقرارات الملزمة لا تزيد الوضع إلا تأزما، ومراكمة الخلافات وتجميد المؤسسات لن يكون وقعه على الحزب ومناضليه إلا سيئا.
لهذا تأتي المبادرة، حسب الوثيقة، كمحاولة لاستعادة هوية الحزب الوطنية والنضالية، وذلك بعد أن استنزفت جميع المحاولات والفرص المتاحة، حيث كان ضروريا الدفع بهذه المبادرة في هذه المرحلة التي ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل الحزب. وحذر أصحاب المبادرة من إدراجه في نادي الأحزاب الإدارية في حالة استمرار استنزاف ما تبقى من رصيده الوطني والنضالي، كما وقع لبقية الأحزاب الوطنية التي تم ابتلاعها من طرف إدارة الدولة مما أدى إلى فقدانها لاستقلاليتها ووطنيتها، ولذلك طالبوا بتفعيل المادة 24 من النظام الأساسي للحزب، والذي يخول للمجلس الوطني صلاحية الدعوة لمؤتمر استثنائي بعد موافقة ثلثي أعضائه، باعتبار المؤتمر الاستثنائي المحطة التنظيمية الكفيلة بإخراج الحزب من حالة التخبط التي يعرفها في هذه المرحلة الحرجة.
انطلاق موسم الهجرة من «المصباح» مع اقتراب موعد الانتخابات
على بعد أقل من سنة عن موعد تنظيم الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والجهوية والجماعية، بدأ موسم هجرة برلمانيين ومنتخبين جماعيين من حزب العدالة والتنمية نحو أحزاب سياسية أخرى، للبحث عن مواقع انتخابية لهم، فبعد الزلزال الذي ضرب الحزب بمدينة مراكش، بعد إعلان منتخبين على رأسهم البرلماني ونائب عمدة المدينة، يونس بنسليمان، الالتحاق بحزب «الحمامة»، اهتز الحزب الحاكم بمدينة تمارة بهجرة جماعية لمستشارين بالمجلس الجماعي نحو التجمع الوطني للأحرار، وذلك بعد تقديم استقالتهم من مهامهم الحزبية.
وأكدت مصادر مطلعة أن مجموعة من المستشارين الغاضبين على طريقة تدبير المجلس من طرف البرلماني والقيادي، موح الرجدالي، قرروا شد الرحال نحو حزب «الحمامة»، وعلى رأسهم عبد الواحد النقاز، المنسق السابق لفريق مستشاري «البيجيدي» بمجلس المدينة، وعضو المجلس الإقليمي، فيما سارعت البرلمانية السابقة، اعتماد الزاهيدي، إلى تقديم استقالتها بشكل نهائي من الحزب، على إثر القرار الذي توصلت به من الكتابة المحلية للعدالة والتنمية بمدينة تمارة، بتعليق عضويتها داخل هياكل الحزب، بعد التصريحات الإعلامية التي وجهت من خلالها انتقادات لطريقة تدبير الحزب، وصلت إلى حد اتهام قيادته بممارسة الاستبداد.
وغادر البرلماني يونس بنسليمان، نائب عمدة مدينة مراكش، حزب العدالة والتنمية، وأعلن رسميا التحاقه بالتجمع الوطني للأحرار، وظهر أخيرا داخل المقر الجهوي لحزب «الحمامة»، حيث التقى بمحمد القباج، المنسق الجهوي بجهة مراكش آسفي، وحضر الاجتماع إلى جانب بنسليمان كل من عبد الرحمان رابح، كمال بن خالد، سعيد الكورش وعبد الصمد العكاري.
وبمدينة فاس، قرر أعضاء من «البيجيدي» الالتحاق جماعيا بحزب التجمع الوطني للأحرار، واحتضن المقر الجهوي لـ«الحمامة» بفاس اجتماعا ترأسه المنسق الإقليمي للحزب، النائب البرلماني، رشيد الفايق، خصص لاستقبال وافدين جدد على حزب التجمع الوطني للأحرار، ومن مفاجآت الاجتماع حضور أعضاء بارزين من حزب العدالة والتنمية يتقدمهم المستشار الجماعي والقيادي المحلي بالحزب، محمد الجموسي، الذي أعلن استقالته من مجلس مدينة فاس ومن مجلس مقاطعة سايس.
وكشفت المصادر أن الفايق يقود مفاوضات مع مجموعة أخرى من منتخبي «البيجيدي» على مستوى مقاطعات المدينة لترتيب التحاقهم بحزب «الحمامة». وأكد مصدر قيادي بحزب التجمع الوطني للأحرار، أن هناك عددا كبيرا من منتخبي حزب العدالة والتنمية عبروا عن رغبتهم في الالتحاق بحزب «الحمامة» بالعديد من مناطق المغرب.
مذكرة المؤتمر الاستثنائي.. صراعات بطعم تنظيمي
على بعد أشهر معدودات من الاستحقاقات الانتخابية القادمة، بدأت تظهر للعلن من جديد صراعات داخلية وسط حزب العدالة والتنمية، يغذيها قرب نهاية الولاية الثانية للحزب على رأس الحكومة، وهي الولاية الحكومية التي وجهت فيها الكثير من الانتقادات لحزب العدالة والتنمية في تدبيره لعدد من الملفات، انتقادات صدرت حتى من داخل الحزب، ووجهت مجموعة أعضاء من حزب وشبيبة «البيجيدي»، أطلقت على نفسها لجنة تنسيق، في شتنبر الماضي، مذكرة إلى المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية (برلمان الحزب)، تقول المذكرة إنها تعبر عن صوت فئة مهمة من قواعد وقيادات حزب وشبيبة العدالة والتنمية، وقفوا على هوة باتت موجودة بين القواعد والقيادات الحزبية في العدالة والتنمية، وأنها أصوات تقول إن صداها لا يصل إلى قيادة الحزب وتظل «محصورة في أحاديث المقاهي واللقاءات الأخوية»، ونقاشات مواقع التواصل الاجتماعي.
وتتحدث المذكرة الطويلة عن انسداد في الفضاءات التنظيمية، لذلك يطالبون بتفعيل المادة 24 من النظام الأساسي للحزب، وتعرض المذكرة محطات من مسار الحزب، فتعود إلى مرحلة حكومة ما بعد 2011، لتصفها بأنها مرحلة «حزب ضحى بشعبيته من أجل الوطن»، ويستنتج معدو المذكرة أن الحزب عجز عن الإصلاح، وتعود مذكرة اللجنة، التي وصفت نفسها بالتنسيقية من حزب العدالة والتنمية، إلى لحظة إعفاء بنكيران وتعيين سعد الدين العثماني وحكومته التي وصفتها المذكرة بـ «حكومة ما بعد البلوكاج».
وتتحدث المذكرة عما سمته مآسي يعيشها الحزب وسط حكومة مكونة من ستة أحزاب، وتقول المذكرة بـ «طامة كبرى حدثت بعد الإعلان عن لائحة الوزراء المكونين للحكومة»، بل إن المذكرة تقول في جملة مثيرة للانتباه إن الحكومة «التي تمثل إرادة السلطوية والتحكم ولاتمثل بتاتا إرادة الناخبين، شكلت عنوانا بارزا للانقلاب على نتائج الإنتخابات»، واستمرت المذكرة في الحديث عما سمته بـ «نكسات مرحلة حكومة ما بعد البلوكاج» و»نكسات الحزب التدبيرية والسياسية»، وبناء على ذلك، تدعو لجنة تنسيق حزب وشبيبة العدالة والتنمية، إلى تقييم مسار الحزب بعد عقدين من المشاركة السياسية وعقد من المشاركة في رئاسة الحكومة، كما أنها تدعو إلى تقييم تنزيل الدستور.
والهدف من ذلك، حسب معدي هذه المذكرة، يتمثل في معرفة إلى أين تقود القيادة الحالية حزب العدالة والتنمية، مؤكدين أن اللحظة التاريخية تتطلب انعقاد مؤتمر استثنائي للجلوس مع الذات وتقييم المسار واستعادة الحزب قبل أن يتيه، حسب ما جاء في المذكرة، التي عدت إشارة لعودة تيار بنكيران إلى الواجهة بقوة، قبل شهور على الانتخابات المقبلة، فالعبارات التي حملتها المذكرة مستمدة من «قاموس بنكيران» السياسي، كما أن التقييمات الواردة في المذكرة مرتبطة بمرحلة ما بعد إعفاء بنكيران، بل إن بعض المقاطع تعود إلى مرحلة ما سماه أنصار بنكيران آنذاك بـ «البلوكاج».
وبدت بصمة بنكيران واضحة في المذكرة، التي عابت على المجلس الوطني لـ «البيجيدي»، عدم عقده لدورات استثنائية، في الوقت الذي مر فيه الحزب على حد وصف الداعين لمؤتمر وطني استثنائي من «هزات عنيفة وارتباكا واختلافا في الرؤى ووجهات النظر»، وعادت المذكرة إلى إعفاء عبد الإله بنكيران من قيادة الحكومة في التجربة الثانية لحزب العدالة والتنمية على رأسها، وتعيين سعد الدين العثماني مكانه، ووصفت هذه المرحلة بـ «الهزيمة التي لحقت بالحزب»، كما تساءلت عن «الأسباب وراء إزالة مجموعة من المواد المسجلة للأمين العام السابق عبد الإله بنكيران من موقع الحزب»، كما انتقدت ما تعرضت له البرلمانية أمينة ماء العينين، من طرف قيادات الحزب وأعضائه، بعد تسريب صور باريس.