حسن البصري
تلقى المدربون الأجانب، المشرفون على فرق بطولتنا الاحترافية، بقلق عميق خبر استمرار منافسات الدوري المغربي لكرة القدم، إذ كانوا يمنون النفس بإجازة نهاية الشطر الأول من البطولة، ليشدوا الرحال إلى بلدانهم، والاستمتاع بدفء «الكريسماس» والتملي بعطلة «بابا نويل»، وهو يحمل لهم عروضا ملفوفة في علب هدايا.
قال لي عضو في الطاقم التقني لفريق بيضاوي، إنه سيحتفل لأول مرة برأس السنة الميلادية خارج بلده، مبديا غضبه من سقوط هذه الإجازة من لائحة العطل المعتمدة من جهاز الكرة في بلدنا.
قلت له إن دوريات أوروبية عريقة لا تتوقف بسبب «البوناني»، ووجدت نفسي أستشهد بالدوري الاحترافي الإنجليزي ونظيره البرتغالي، كما أن البطولة الإيطالية تواصل نشاطها وتخترق أجندة «الكريسماس» دون أي اعتبار، بل إن اسكتلندا تصر منذ زمن بعيد على أن تجعل من رأس السنة الميلادية موعدا ثابتا لـ«الديربي» التاريخي بين رينجرس وسلتيك.
البطولة الوطنية لكرة القدم ستستمر في الدوران حول نفسها، وإذا غضب المدربون الأجانب فليشربوا ماء البحر بعد تحليته طبعا.
لكن ما حصل هو أن أغلب رؤساء فرقنا يختارون قضاء إجازة رأس السنة الميلادية في أوروبا، هناك بعيدا عن صحافة «شاهد قبل الحذف»، يودعون عاما ويستقبلون آخر، يتخلصون من الغضب الساطع القادم من مدرجات الملاعب.
وهم يقضون «البوناني» في باريس، أو لاس بالماس، فإن فئة من رؤساء فرقنا يجسدون فعلا، سهرهم الدائم على شؤون أنديتهم، لكن أين يسهرون وكيف؟
في مصر وتحديدا سنة 2022، نشب خلاف حاد بين مدرب منتخب «الفراعنة» كيروش البرتغالي، واتحاد الكرة المصري، بسبب برمجة تجمع للمنتخب في الأسبوع الأخير من السنة الميلادية.
تفاقمت الأزمة وتحولت إلى تصريحات وردود مضادة، بسبب إصرار المدرب كيروش ومعاونيه الأجانب على إجازة «الكريسماس» بالبرتغال، ولم تنفع محاولات ثنيهم عن قطع الإجازة، بسبب معسكر محدد سلفا، حضر اللاعبون المصريون ودون اتحاد الكرة واقعة معسكر بدون مدربين. واستحضر الساخرون من هذه الواقعة أغنية فريد الأطرش، مراكش فين وتونس فين، بعد تعديل استبدلوا فيه مراكش بكيروش وتونس بمساعده البرتغالي.
في المغرب لا توجد هيئة مهنية تجمع المدربين الأجانب الممارسين في البطولة الاحترافية، ولا يوجد تعاون بين المحليين والمستوردين، إلا في الندوات الصحافية، ولا يسمع صوت المدرب «الكاوري» في اجتماعات ودادية المدربين ونقابتهم، لذا فإن دفاعه عن الحق في الاستمتاع بإجازة «الكريسماس» قد يبيح له عرض الخلاف على غرفة المنازعات، إن اقتضى الأمر.
لا توجد إحصائيات رسمية حول عدد المدربين الأجانب في المغرب، إلا في السفارات، لكن عددهم تضاعف بشكل كبير، لأن كل مدرب أجنبي أصبح يشترط طاقما من اختياره ومن جنسيته، وحده المكلف بالأمتعة وسائقه هما المغربيان الوحيدان في طاقمه.
الملك الراحل الحسن الثاني كان يرفض توقيف مباريات البطولة، إلا بعد استكمال دورانها، فبعد خسارة المنتخب المغربي أمام المنتخب الجزائري بخماسية في التاسع من دجنبر 1979، دعا الملك إلى اجتماع حكومي موسع حضره أغلب المهتمين بشأن الكرة، ومن المقترحات التي قدمها عبد الحفيظ القادري، وزير الرياضة آنذاك، ملتمس بتوقيف البطولة، فصاح الملك الحسن الثاني بنبرة غاضبة: «شكون نهار الأحد اللي غادي يقول للحكم ألاربيط أمسخوط الوالدين؟».
في عز فورة الربيع العربي توقفت المنافسات الكروية في كثير من الدول العربية، لكن عجلة البطولة المغربية واصلت دورانها، وتحولت مدرجات الملاعب إلى متنفس أسبوعي للجماهير التي تغنت بأهازيجها ومارست حقها في الاحتجاج، دون أن يتسلل إليها بائعو الغضب المعلب المستورد من الخارج.
عذرا «بابا نويل» فعصبة بلقشور لم تمنحك فرصة زيارتنا، فسقطت سهوا أو لهوا من لائحة عطلها السنوية.