حسن البصري
احتفلت المديرية العامة للأمن الوطني بموظفين تميزوا في تظاهرات رياضية وحصدوا ميداليات في العدو الريفي وفنون القتال الرياضي، حصل الأبطال على منح مالية تحفيزية وشهادات اعتراف وتسهيلات لنشر ثقافة البطل في صفوف رجال ونساء الأمن.
هذه الالتفاتة كانت مناسبة لرفع ملتمس إحياء المنتخب الوطني للشرطة، والذي كان بمثابة الفريق الرديف للفريق الوطني المغربي، وجسر عبور نحو العالمية.
في نهاية السبعينيات شارك منتخب الشرطة المغربي في أول بطولة مغاربية بطرابلس، وفاز المغاربة أداء ونتيجة، قبل أن يصبح هذا المنتخب رافدا من روافد الفريق الوطني «المدني»، بعد أن تم تشغيل عدد من عناصره في سلك الشرطة.
في فاس ظهر عميد شرطة اسمه حسن الصفريوي ظل يحمل لواء الكرة ويحلم بفريق يمثل الأمن الوطني، وحين عين في بداية الستينيات ضابطا بالاستعلامات العامة في طنجة، أسس بمعية المعطي الشرقاوي فريقا للشرطة، لم يكن الهدف إجراء مباريات ودية في المناسبات الوطنية ومنح «البوليس» فرصة التخلص من الدهون، بل كان سقف الطموح أعلى، حين قال الصفريوي لرجاله: «سننافس على البطولة الوطنية، وسنقارع الجيش والوداد والفتح والرجاء، استعدوا للمعركة».
لكن الصفريوي سيغادر طنجة مكرها بعد أن حصل على منصب أمني رفيع، وفي الرباط كرر التجربة ذاتها، لأن هوس كرة القدم يسكنه. بل أسس نواة لمنتخب الشرطة وعلى الدرب نفسه سار كبار المسؤولين الأمنيين، حتى ظهرت فرق «بوليسية» كاتحاد سيدي قاسم الذي وجد في أحمد الدليمي راعيا رسميا، والنجم المراكشي واتحاد الشرطة الرباطي واتحاد الخميسات، الفريق الذي كان عرشان يصر على نقل لاعبيه في سيارات الأمن الوطني، والكوكب المراكشي في زمن المديوري.
اختفت ظاهرة الفرق البوليسية، وظهر الحكام الأمنيون الذين كانت صفاراتهم تبعث الرعب في نفوس اللاعبين والمتفرجين، أبرزهم عبد الكريم الزياني الذي ارتعشت من ذكره الفرائص، وهو صاحب القول المأثور: «لا غبار عليها»، ومحمد باحو، الضابط الذي بكى حين علم بتقاعده، وأصر على البقاء في غرفة التحكيم إلى أن اقترب أجله.
تخرج من المعهد الملكي للشرطة أمنيون وفي أفواههم صفارات التحكيم، قادوا مباريات وطنية ودولية، منهم من اعتزل الصفير ومنهم من لا يزال حاضرا يفصل بين الفرق، متحملا صخب المدرجات وانتفاضة كرسي البدلاء واحتماء اللاعبين بغرفة «الفار».
الرداد والجعفري وبلوط والرخيص والكربوبي، وقبلهم سعيد الطاهري وسلمان براهمي والمرحوم عبد العزيز لمسلك، وغيرهم من الأسماء الذين جمعوا بين صرامة الشرطي والسلطة التقديرية للحكام، وظلوا يواجهون نوبات الغضب بالصمت، لكن أم المعارك حين يصطدم رئيس فريق يحمل رتبة أمنية رفيعة بحكم في سلك الشرطة، آنذاك تصبح المواجهة دسمة لصحافة الإثارة.
يتغنى جمهور الرجاء بمقطع «مسدس اجضاهيم»، ويعرض واقعة إشهار رئيس الوداد الأسبق لمسدسه الوظيفي في وجه حكم أساء التقدير، لكن الموشح يحتاج إلى مدقق تاريخي، لأن اجضاهيم كان في تلك المباراة ينعم بالتقاعد، ولا يمكن لضابط متقاعد أن يحتفظ بمسدسه الوظيفي.
ترسخت لدى كثير من مشجعي الفرق الرياضية خرافة تقول إن «الصحفي والشرطي خصمان إلى أن يثبت العكس»، وفي أدبيات فصائل الألتراس قصائد تدين رجال الأمن وتكيل الشتائم لرجال الإعلام، وحين ينتابها وخز الضمير تردد لازمة: «تحية رياضية للشرطة الوطنية».
كانت الشرطة في خدمة الرياضة والمواطن، قبل أن يصبح جهاز الأمن في خدمة الألتراس يتابع حركاتهم وسكناتهم، يتفحص مضامين لافتاتهم ويقرأ سطور «كلاشاتهم» قبل النشر، يرافقهم في تنقلاتهم إلى المدن، ويطفئ لهيب الاحتقان في المدرجات والأزقة والشوارع، ويحافظ على سلامة محيط تجمعاتهم، ويرسل عيونه لترصد «تبييض» التذاكر والدعوات واستنساخها.
لا تجرى المباريات إلا بوجود رجال أمن وسيارة إسعاف، الأمنيون يحمون اللاعبين والممرضون يسعفونهم، والصحافيون والمتفرجون يتعقبون أخطاءهم.