البناء بمجاري الوديان
تقول الحكاية الشعبية إن الوديان لها ذاكرة قوية، لا مكان فيها لنسيان مجراها، بحيث تعود إليه ولو بعد سنوات طويلة، وهي الحكمة التي يجب أن تأخذ بها المؤسسات المعنية من سلطات مسؤولة عن مراقبة التعمير ورؤساء الجماعات الترابية إلى جانب المواطنين أنفسهم، لوقف استفحال ظاهرة البناء العشوائي بمجاري الوديان بكافة أقاليم المغرب، والعمل على احترام شروط السلامة والوقاية من الأخطار، عوض السقوط في مطب معالجة النتائج الكارثية.
تتساءل العديد من الأصوات الحقوقية عن مآل عشرات التقارير التي أنجزتها السلطات المحلية والإقليمية ولجان التفتيش التابعة لمصالح وزارة الداخلية، في موضوع البناء العشوائي بمحارم الوديان وشبهات تورط نافذين في ذلك، وخطر الفيضانات التي تهدد سلامة وحياة السكان، وتتسبب في استنفار لجان الإنقاذ واليقظة عند كل نشرة طقس إنذارية، فضلا عن تسجيل خسائر مادية وبشرية كما وقع في فيضانات سابقة.
إن القوانين التعميرية الجامدة التي لا تتوافق وطبيعة كل منطقة، تصبح عاملا مساهما في انتشار البناء العشوائي والبناء بمجاري الوديان، بدل إيجاد الحلول الناجعة لمشاكل تراخيص البناء والتشجيع على احترام القانون، والصرامة في احترام شروط السلامة التي بدونها لا يمكن الاطمئنان على سلامة الأرواح وحماية الممتلكات، خاصة في ظل التقلبات المناخية العالمية بفعل التلوث وارتفاع نسبة أخطار الفيضانات والأعاصير والتساقطات المطرية غير المنتظمة والفجائية.
لا بد من الإشارة إلى أن لوبيات البناء العشوائي التي تحركها شخصيات من خلف الأقنعة حصلت عائدات مالية ضخمة من البناء بمجاري الوديان، كما أن بعض المناطق القروية شهدت بدورها انتشار الظاهرة، بسبب سنوات الجفاف والتهور في تقدير أخطار الفيضانات من قبل المسؤولين والمنتخبين الذين من واجبهم مراقبة البناء داخل المدار الحضري والقروي على حد سواء، وعدم التساهل نهائيا مع إهمال شروط السلامة، وضرورة تجاوز تبعات غياب ثقافة (السلامة أولا) لدى جل المؤسسات والأفراد.
لقد صرفت الدولة الملايير من أجل معالجة ملف البناء العشوائي بمجاري الوديان، وتم تنفيذ مشاريع للحماية من الفيضانات والتخفيف من أخطارها، كما تم إطلاق مشاريع تشييد سدود لمعالجة المشاكل المترتبة على البناء العشوائي، وهو الشيء الذي يستنزف الميزانية ويطرح إشكالية الحلول الترقيعية، في حين توضع الحلول المناسبة جانبا من مثل استغلال مراقبة الأقمار الاصطناعية من قبل وزارة الداخلية للمراقبة، وتسهيل مساطر تراخيص البناء وتبسيط الإجراءات الإدارية والقطع مع المزاجية في توقيع القرارات، وكذا الاستغلال الانتخابوي الذي يربط العشوائية بالظروف الاجتماعية وخدمة الطبقات الفقيرة، والحال أنه من يدفع في اتجاه تكريس العشوائية يستعمل الفقير كوقود، بحيث كلما احترقت فئة هشة لتحرك عجلة اقتصاد الفساد، ينادي محرك العشوائية هل من مزيد لطحنه!