شوف تشوف

الرأي

البناء الديمقراطي ومطلب الإصلاح السياسي بالمغرب

العباس الوردي

تعبر التجربة السياسية المغربية عن جملة من التوجهات، والتي تتوخى في مجموعها الإجابة عن سؤال الديمقراطية وذلك في إطار نمط حزبي تعددي، مرهون بضرورة التعبير عن انشغالات المواطنات والمواطنين من خلال المشاركة في القرار العمومي، وذلك عبر نافذة إقرار سياسات عمومية تتماشى والخيار الديمقراطي الذي انخرطت فيه المملكة المغربية، منذ حصولها على الاستقلال .
إن المتتبع للمشهدين السياسي والحزبي المغربي لتستوقفه جملة من المؤشرات الطامحة إلى ترسيخ ورش الديمقراطية على أرض الواقع، ومن ثمة الاستمرار في تحري تجلياتها وبلوغ نتائجها، وذلك عبر منظومتي الإصلاح الدستوري والقانوني، مؤشرات انطلقت مع أول دستور للمملكة لسنة 1962، مرورا بالتعديلات الدستورية لسنوات 1972 و1992 و1996 ووصولا إلى دستور سنة 2011، وهو ما نستشفه من خلال جملة من الأوراش، والتي تتمثل في:
اعتماد المغرب لجملة من الإصلاحات الحقوقية والمؤسساتية وذلك من قبيل مغربة الإدارة، هيئة الإنصاف والمصالحة وورش الجهوية المتقدمة وغيرها من الإصلاحات الجذرية، والتي ما زالت تساهم في ارتقاء المغرب في معدلات المؤشرات الدولية، والتي أعطت للمملكة علامات متقدمة بالمقارنة مع دول المغرب العربي وشمال إفريقيا؛
اعتماد المغرب لخطة إقلاع اقتصادي انطلقت منذ سياسة المخططات وتطورت عبر سلوك نهج الاستراتيجية، ما مكن المملكة من الظفر باستثمارات كبيرة، وخاصة في مجالات الصناعة، الخدمات، الطاقات المتجددة، الفلاحة وغيرها، ومن ثمة ضمن المغرب مقعدا له ضمن منظومة الدول التي أصبحت ذات باع كبير، وخاصة في مجال النماء الاقتصادي الجذاب والمبني على النجاعة، المرونة والاستدامة.
الانخراط في مسلسل إصلاحي اجتماعي كبير قوامه التنمية البشرية، وهو ما أشرت على نجاعته مجموعة من المؤسسات الدولية، والتي دللت على نتائج حقيقية بلغتها المملكة، سيما في ما يرتبط بمحاربة الفقر والهشاشة والهدر المدرسي، وتكريس معطى الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وذلك من خلال مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكذا الإعلان عن ورش السجل الاجتماعي الذي يؤرخ لبناء حلقة جديدة من حلق التنمية الاجتماعية المستدامة.
إنه وعلى الرغم من المجهودات التي تبذلها مجموع الأطياف السياسية والحزبية المغربية، إلا أن المشهد السياسي المغربي يعرف أسوة بجملة من النماذج السياسية الدولية المقارنة، ميلاد منعطف جديد في مسار تدبير مسألة مواصلة البناء الديمقراطي، وخاصة في الشق المرتبط بتنمية الديمقراطية التمثيلية، وذلك اعتبارا من كونها المدخل الأساسي والمباشر للتعبير عن انشغالات المواطنات والمواطنات، وذلك عبر بوابة المؤسسة التشريعية من جهة والسلطة التنفيذية من جهة أخرى .
وتجاوبا مع منسوب هذه الدينامية العالمية، واعتبارا من أن المغرب يشكل جزءا لا يتجزأ من المنظومة الدولية، ومساهمة من جميع الأطياف السياسية المكونة للمنظومة الحزبية بالمغرب، وبالتزامن مع قرب الاستحقاقات الانتخابية في بحر السنة الجارية، عرف المشهد السياسي المغربي جملة من المستجدات، توجت بانطلاق مشاورات موسعة شملت جميع الأحزاب السياسية، سواء منها الممثلة أو غير الممثلة في المؤسسة التشريعية، وذلك في ما يتعلق بإعادة النظر في الأسس القانونية للعملية الانتخابية، ذلك أن خصوصية هذه المرحلة واعتبارا لمجموعة من الرهانات التي انخرط فيها المغرب من أجل الاستمرار في تشييد مقومات دولة الحق والقانون، فرضت على الفاعلين السياسيين الجلوس على طاولة واحدة، عنوانها ماهية الارتقاء بالآليات القانونية الكفيلة بالتجاوب مع مغرب العهد الجديد، أمر تمخضت عنه جملة من المذكرات الحزبية الوازنة، والتي أبانت بالفعل عن حضور الحس الوطني لدى مختلف الأطياف الحزبية السياسية، مما تم وضع الأصبع على جملة من الإشكالات القانونية، التي ما زالت تفرمل ميزان المشاركة الحزبية التعددية في تدبير قضايا الشأن العام، وذلك من قبيل:
العتبة، اللائحة الوطنية، تقييم التمثيلية النسائية، طبقا لمقتضيات الفصل 19 من دستور 2011، القاسم الانتخابي.
نقاط شهدت نقاشا مستفيضا من الأخذ والرد بين جميع مكونات المنظومة الحزبية وبكل مسؤولية، تعديلات همت القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، والذي تضمن مستجدات استراتيجية، تمثلت بالأساس على سبيل المثال لا الحصر في:
– تحديد حالات التنافي في ما يتعلق بجمع العضوية بين مجلس النواب، مع رئاسة مجلس الجهة ومجلس الجماعة.
– حالات التجريد من عضوية مجلس النواب.
– الحالات التي لا يؤهل فيها الترشح لعضوية مجلس النواب.
– تعويض اللائحة الوطنية بلائحة جهوية.
– تخصيص المرتبتين الأولى والثانية في كل لائحة ترشيح حصريا للنساء.
– حالات التجريد من العضوية، وخاصة في الشق المتعلق بالانتماء السياسي الخ.
غير أن التعديل المتعلق بالقاسم الانتخابي، الذي أدخل على المادة 84 من مشروع القانون التنظيمي 21. 04، القاضي بتعديل وتتميم القانون التنظيمي 11. 27 كما صادق عليه مجلس النواب في جلسته المنعقدة في 05 مارس 2021، حاز الحيز العريض من النقاش بين مختلف الفرق البرلمانية، إذ تم التنصيص فيه على أنه: «لا يمكن أن يعلن عن انتخاب مترشحي لائحة فريدة أو مترشح فريد، إذا لم تحصل اللائحة المعنية أو المترشح المعني على عدد من الأصوات يعادل على الأقل خمس أصوات الناخبين المقيدين بالدائرة الانتخابية المعنية»، وبالتالي وطبقا لهذه الصيغة المعدلة فإن عملية احتساب القاسم الانتخابي ستتم من خلال القيام بقسمة عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية في دائرة معينة على عدد المقاعد المتبارى بشأنها في الدائرة الانتخابية، غير أن السؤال العريض الذي يطرح في هذا الباب، هو مدى انسجام هذا الإجراء الجديد مع روح دستور سنة 2011؟ وما هو يا ترى موقف المحكمة الدستورية المحتمل في ما يتعلق بمدى مطابقته لأحكام الدستور؟
وللإجابة عن هذين السؤالين الاستراتيجيين، نشير إلى أنه :

أولا: منطوق دستور سنة 2011
تشير أحكام الفقرة الثانية من الفصل 62 من الدستور الذي ينص على أنه: «يبين قانون تنظيمي عدد أعضاء مجلس النواب ونظام انتخابهم، ومبادئ التقسيم الانتخابي والشروط القابلة للانتخاب وحالات التنافي، وقواعد الحد من الجمع بين انتدابات ونظام المنازعة الانتخابية».
وبالتالي وانطلاقا من هذا الفصل الدستوري، فإن التعاطي مع مبدأ التقسيم الانتخابي يتماشى مع ما نص عليه الدستور، وهذا ليس بحكم قيمة من قبل الكاتب، ذلك أن أساس تحليل هذا المستجد يتوخى قياس مدى احترامه للدستور أم لا، وذلك اعتبارا من أن الدستور يعتبر أسمى وثيقة بالدولة .

ثانيا: اختصاص المحكمة الدستورية
جدير بالبيان أن هذا القانون التنظيمي سيتم عرضه لزاما على أنظار المحكمة الدستورية، الأمر الذي يدخل في باب المراقبة القبلية لدستورية القوانين، بحيث تكون هذه المراقبة إلزامية في ما يتعلق بالقوانين التنظيمية التي تحال إلى المحكمة الدستورية، بعد مصادقة البرلمان عليها وقبل إصدار الأمر بتنفيذها.
تأسيسا على كل ما سبق ذكره، نشير إلى أن اختيار الحديث عن القاسم الانتخابي في هذه الظرفية بالذات، دفع الكاتب إلى الخوض في أغوار التعديل الذي أدخل عليه، والحرص على تناوله من الزاوية الدستورية، الأمر الذي نستخلص من خلاله بأن المؤسسة التشريعية قد قامت بتنزيل مقتضيات مكفولة بنص الدستور، وذلك بغض النظر عمن يتفق أو لا يتفق مع مسألة احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين، كما لا يفوتنا في هذا الباب التذكير بالدور المحوري الذي تقوم به المحكمة الدستورية، وذلك إعمالا لمبدأ دستورية القوانين.
إن رهان الإصلاح السياسي والمؤسساتي هو مطلب لجميع دول العالم، كما أن الأحزاب السياسية لتعد فاعلا رئيسيا في مسلسل الإصلاح هذا، وذلك من خلال تمثيلها للمواطنات والمواطنين والتعبير عن طموحاتهم عبر تنزيل سياسات عمومية قادرة على الارتقاء بمنسوب الشأن العام. واعتبارا من أن نسبة المشاركة السياسية للمغاربة ما زالت ضعيفة، وذلك استنادا على مجموعة من الإحصاءات التي همت نتائج المسلسل الانتخابي المغربي منذ الاستقلال، فإن اعتماد مثل هذه الآلية وإذا ما أقرناها بطموحات المغاربة، سيكون له لا محالة جملة من الإيجابيات، والتي نسرد من بينها على سبيل المثال لا الحصر:
– التخفيف من طامة العزوف السياسي، سيما في فئة الشباب الذين يشكلون أعلى نسبة من الهرم السكاني المغربي.
– توسيع رقعة التسجيل في اللوائح الانتخابية لدى جميع المغاربة، وذلك من خلال تنمية المسؤولية الوطنية لديهم بأنه لا مناص من المشاركة السياسية لمواصلة البناء الديمقراطي والتنموي المغربي.
– الرفع من تمثيلية المرأة في المشهد الانتخابي، وذلك في أفق بلوغ المناصفة.
– تمكين مختلف الأحزاب السياسية التي تكون المشهد السياسي المغربي ذا الصبغة التعددية من خوض غمار الممارسة السياسية، وعبرها تدبير قضايا الشأن العام من داخل المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المؤسسة التشريعية.
– بلوغ حكومات ذات تلاوين سياسية مختلفة، سيمكن لا محالة من لم حالة التشرذم واللوم الحزبي، التي كل ومل منها الجميع.
– الزيادة من منسوب التنافسية المبنية على أساس الظفر بالمقعد الانتخابي لمن أقنع، وخاصة مع حذف «باراج» العتبة.
– محاربة آفة «مالين الشكارة»، أعبر عنها بالعامية، لكي تصل الفكرة إلى المواطنات والمواطنين وذلك في أفق القطع معها نهائيا.
لأجل ذلك، يمكننا القول إن إصلاح المنظومة القانونية هو مسألة صحية ومرغوب فيها من أجل بلوغ أهداف الديمقراطية الحقة، ناهيك عن أن المعترك الانتخابي سوف يكون هو الفيصل بين جميع الأحزاب السياسية، وذلك من أجل الوصول جميعا إلى البناء الديمقراطي، والمقترن لزاما بضرورة الإصلاح السياسي المؤسس على التنافسية الحزبية المبنية على البرامج الواقعية والمستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى