شوف تشوف

الرأي

البطل والإرهابي

يونس جنوحي

الشرطة في «فيينا» تمنح مواطنا فلسطينيا اسمه أسامة جودة وسام استحقاق لأنه أنقذ حياة شرطي نمساوي على أعقاب الهجوم الأخير الذي عرفته المدينة، حيث قُتل سبعة أشخاص وأصيب آخرون في هجوم مسلح قرب كنيس يهودي يقع في قلب العاصمة النمساوية.
السلطات أعلنت أن منفذ الهجوم الذي قُتل يوم الاثنين الماضي في الاشتباكات مع الشرطة لا يتجاوز عمره عشرين سنة وترعرع في مدينة فيينا التي جاء إليها والداه من ألبانيا.
ورغم أن الخارجية النمساوية لم تعلن بعد كثيرا من المعطيات إلا أن الصحافة التي وصفت مصادرها بالموثوقة أكدت للرأي العام أن الشاب منفذ الهجوم كان مراقبا من طرف المخابرات النمساوية لأنه كان يخطط رفقة آخرين منذ العام الماضي للانتقال إلى سوريا وأنها، أي المخابرات، كانت تراقب تحركاتهم واتصالاتهم.

ورغم أن الجهات الرسمية في النمسا لم يصدر عنها أي بلاغ تفصيلي بشأن العملية، إلا أن الصحافة استمرت في نشر معلومات معمقة بشأن أصول الشاب ونشاطه وعلاقاته بإسلاميين متطرفين، حتى أنها نشرت صورته وذكرت أن والديه جاءا إلى النمسا من ألبانيا ومقدونيا الشمالية. وأنه تعرض لاستقطاب لكي ينشط في صفوف الجماعات المسلحة التي تحركت بشكل كبير في أوربا لإرسال مجندين إلى سوريا.
اكتفت الشرطة النمساوية بنشر صورة الشاب الفلسطيني وهو يحمل الشارة التي منحتها له الشرطة تقديرا لبطولته دون أن تقدم أي معلومات عن الموضوع.
وهذه المرة لم تتحرك الصحافة النمساوية لتكشف ما لم تنشره الجهات الرسمية. باستثناء أن والد هذا الشاب قام بنشر الصورة وتفاعل معها النمساويون لتصبح أكثر المواضيع شعبية في العالم الافتراضي. وكأن الصحافة لم ترد أن يتم تسليط الضوء على حقيقة أن العرب والمسلمين ليسوا جميعا متطرفين. فما بالك لو كان اسم المنقذ «أسامة». وهو الإسم الذي تسبب لحامليه منذ أحداث 11 شتنبر في الولايات المتحدة بمشاكل أمنية كثيرة في المطارات والإدارات.
قصة أسامة تشبه كثيرا قصة الشرطي الفرنسي من أصول مغربية الذي توفي فيأحداث باريس الشهيرة على خلفية قضية الرسوم المسيئة للإسلام سنة 2012. الشرطي عماد بن زياتن، الذي كان أول ضحايا إطلاق النار الذي قام به محمد مراح في قلب باريس. لكن الاختلاف بين القصتين أن أسامة كان ينظر إلى الكاميرا بعد الحادث والتقط صورة مع «الوسام» الذي منحته له الشرطة النمساوية بعد إنقاذه حياة شرطي نمساوي. بينما نُقل عماد، الذي كان شرطيا في الأساس، في نعش خشبي إلى مقبرة المسلمين ليُوارى الثرى واعتبره مغاربة فرنسا شهيد الواجب الذي أنقذ ماء وجههم على خلفية تلك الأحداث التي يستغلها اليمين المتطرف دائما للمطالبة بترحيل المهاجرين المغاربة.
ليس غريبا ألا تهتم الصحافة في النمسا بتفاصيل عملية إنقاذ بطلها شاب مسلم، على خلفية هجوم قاده متطرف مسلم، تماما كما يوجد متطرفون في كل المعتقدات والديانات. فالآلة الإعلامية في الغرب تراهن على القضايا التي تريد إبرازها للرأي العام، وليس ما يوجد بالضبط في الواقع. ولولا أن والد الشاب لم ينشر الصورة، لما وصلت قصته إلى العالم. فحتى الموقع الرسمي للشرطة النمساوية لم يقدم معطيات بشأن عملية الإنقاذ البطولية واكتفى بالتنويه به، ولم يصدر أي تكذيب لحصوله على شارة الشرطة النمساوية مكافأة له على مخاطرته بحياته لإنقاذ الشرطي.
«اسمه أسامة وليس إرهابيا». هو عنوان قصة لم يُكتب لها أن تنتشر بنفس الطريقة التي انتشرت بها صورة الشاب الألباني بنظراته التائهة التي تحتفظ بها المخابرات النمساوية. هناك حملة كبيرة ضد المسلمين اليوم، وهناك من لا يريد أن يتقبل فكرة أننا لسنا جميعا متطرفين وأننا نشبه كل شعوب العالم التي يوجد داخلها مجانين ومجرمون، تماما كما يوجد في الغرب قتلة مأجورون يقتلون من أجل المتعة فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى