البرنامج الاستضباعي(2/1)
أشهرا قليلة بعد صدمة تقويم دولي خضع له تلامذة المغرب بخصوص التحكم في العلوم، والذي أثبت أن تلامذتنا يفتقرون إلى الحد الأدنى من القدرات العلمية البسيطة قياسا لأقرانهم في دول مساوية لنا أو أقل منا اقتصاديا، ها هو تقويم وطني جديد أنجزته مؤسسة مغربية، هي الهيئة الوطنية للتقييم، التابعة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، يوجه ضربة قاصمة لظهر المدرسة العمومية.
فتقييم هذه الهيئة اتجه إلى تلامذة ما يسمى الجذع المشترك، أي السنة الخامسة ثانوي كما هو معروف بالنسبة للأجيال القديمة، أي موجه لتلامذة درسوا تسع سنوات كاملة، وبالضبط التلاميذ الذين ولجوا المدرسة العمومية أول مرة سنة 2008، وهي السنة التي تقرر فيها وضع ما يسمى بالبرنامج الاستعجالي، لذلك فنتائج هذا التقويم الذي ظهر في 2017 هو محاكمة لنتائج هذا البرنامج الذي كان مخططا له أن يكون استعجاليا لإنقاذ المدرسة العمومية فإذا به يتحول إلى برنامج استضباعي ضاع معه جيل كامل.
الكارثة هي أن المعطيات التي قدمتها هذه الدراسة تفيد بأنه بالرغم من كل ما قيل وكل ما خطط له وكل ما صرف على التعليم منذ سنة 2008 فإن تلامذتنا لا يتقنون أية لغة، أي أن البرنامج الاستعجالي لم ينجح في تغيير شيء في واقع تعليمنا طوال تسع سنوات، لكون سنة 2008 تحديدا قد حملت هي أيضا نتائج دراسة قام بها المجلس الأعلى للتعليم تؤكد على النتيجة الكارثية نفسها.
فالأدبيون لا يستطيعون التعبير الكتابي باللغة العربية و4 في المائة فقط منهم يستطيعون تحقيق درجة متوسط في ذلك، ومستوى العلميين في اللغة العربية ليس أفضل حالا، حيث 9 في المائة منهم فقط يستطيعون التعبير باللغة العربية دون خطأ لغوي، أي أن 91 في المائة منهم يخطئون في قواعد اللغة الرسمية للبلد، أي اللغة التي يدرسونها طوال تسع سنوات.
أما اللغة الفرنسية فتلك كارثة أخرى، فـ96 في المائة منهم لهم مستوى أقل من المعدل في اللغة الفرنسية، و4 في المائة التي تفوق المعدل لا تتجاوز نسبة تحكمها في المعارف اللسانية الأساسية في اللغة الفرنسية معدل 66 في المائة، مع الإشارة هنا إلى أن هذه الدراسة لا تنطلق من المعايير الدولية المعروفة في هذا المجال، والتي تنطلق من مؤشرات ترتبط بالسن أو المستوى الدراسي، كما هو معروف عند عموم المتخصصين في تدريس اللغات، بل الصادم هو أن الدراسة اقتصرت على نسبة تحكم التلاميذ المغاربة في المقررات الدراسية، أي بلغة أخرى أن هؤلاء التلاميذ لم يستوعبوا قط ما يدرسونه في الفصول الدراسية طوال تسع سنوات، فالأسئلة التي اعتمدتها الدراسة لا تتجه للثقافة العامة في اللغات والعلوم، بل للحد الأدنى من الدروس التي تلقوها مع أساتذتهم في الأقسام.
إذن 96 في المائة من التلاميذ لم يستوعبوا شيئا في 9 مقررات دراسية، ألا يسائل هذا دور المدرسين الذين سهروا على تنفيذ هذه المقررات ؟ ألا يسائل الأسر ؟
للأسف الدراسة ذاتها تجيبنا، فكل الأساتذة الذين شملتهم الدراسة لم يتلقوا تكوينا مستمرا منذ ست سنوات، بل إن 20 في المائة منهم تم وضعهم في الفصول الدراسية بشكل مباشر دون تكوين إطلاقا، وها هي الوزارة أضافت إليهم 11 ألفا آخرين هذه السنة، في إطار التوظيف بالتعاقد دون تكوين أيضا. وارتباطا بمستوى التلاميذ في مجال اللغات، فالدراسة تقول إن 93 في المائة من التلاميذ يلجون للأنترنيت، و82 في المائة منهم لهم صفحات خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، إذن ما الذي يمكن أن يهتم به في الأنترنيت تلميذ لا يتقن أي لغة؟ عن ماذا سيبحث تحديدا؟
فإذا كان التلاميذ المغاربة لا يتقنون اللغة العربية واللغة الفرنسية في الحد الأدنى، فكيف سننتظر منهم أن يقرؤوا بها العلوم والآداب ؟ ألا يسائل هذا مشروع وزارة التربية الوطنية المسمى «الباكلوريا المهنية» ؟ بأي لغة سيقرأ تلميذ لا يتحكم في اللغة العربية واللغة الفرنسية، دون الحديث عن اللغة الإنجليزية، المعارف المتعلقة بمهنة معينة ؟
إن هذه الأسئلة يمكن أن تجمع في عنوان واحد وعريض وهو المتعلق بسؤال المسؤولية عن البرنامج الاستعجالي، لأن هؤلاء التلاميذ الذين استهدفتهم الدراسة هم ثمرة مباشرة لهذا البرنامج الذي كلف ميزانية قياسية تجاوزت 33 مليار درهم، أي 3700 مليار سنتيم، دون أن نحتسب الملايير الأخرى التي تأتي للتعليم المغربي عبر التعاون الدولي، ولذلك فالسؤال الحقيقي ليس هو لماذا فشل هذا البرنامج الاستعجالي وإنما هو من سرق ملايير هذا البرنامج الاستعجالي ؟
ولذلك فمن الطبيعي أن يصبح تعليمنا العمومي مرتعا للتجار والمضاربين، الذين يستغلون كثرة المتدخلين للاسترزاق، حتى أن هناك مراكز دراسات أنشأها مغاربة وأصبحت بمثابة وكالات حقيقية للاسترزاق باسم التعليم المغربي.