البدايات الأولى للكولف والتنس بالمغرب
مدربون أجانب تولوا تعليم الأثرياء المغاربة أصول لعب الغولف وبناء الملاعب
بداية الغولف في طنجة كانت مع الإنجليز، وبمباركة الوزير القوي المهدي المنبهي، وسنأتي لاحقا إلى ذكر قصته والدور الكبير الذي لعبه في تأسيس ملعب الغولف والتنس أيضا. في سنة 1904، كان أوائل الدبلوماسيين والأثرياء البريطانيين في المغرب قد بدؤوا في مزاولة رياضة الغولف، بعد أن أنهوا أشغال إعداد ملعب على أرض واسعة خارج التجمع السكاني البسيط لمدينة طنجة. وكان هاورد وليام كينار الذي كان يترأس البعثة البريطانية في طنجة والمغرب عموما، أول من طور ملعب الغولف سنة 1914، أي بعد عشر سنوات على بداية استغلاله لممارسة اللعبة، ونظم مرافقه والحفر المخصصة للعب، وكان يردد على مسامع ضيوفه البريطانيين أن أفضل مكان لممارسة العمل المكتبي هو ملعب الغولف وأن أفضل مكان لحل الخلافات الدبلوماسية هو التجول بين الحفر، والتي كان عددها وقتها لا يتعدى تسع حفر بسبب صغر مساحة الملعب.
حرب إعلامية قدمتنا بصورة بلد ممل لا يعرف الحضارة من المفارقات الساخرة، معرفة أن الجهد الذي بذله الأجانب الذين أصبحوا «طنجاويين» في إقناع الآخرين أنهم سعيدون بحياتهم في المغرب، حطمته الحرب الإعلامية التي شنت ضد المغرب والمغاربة بتزامن مع المجهودات التي بذلها عدد من القناصلة والدبلوماسيين لجعل الحياة في طنجة أكثر أريحية. كانت هذه الحرب الإعلامية تصور المغرب على أنه بلاد لا يحدث فيها أي شيء وأنها مجرد أرض منسية لا توجد بها حضارة ولا مؤهلات تشجع على الزيارة، كما أنها، أي الحرب الإعلامية، صورت المغاربة على أنهم أناس عديمو الرأفة ولا يرحبون بالأجانب بينهم، في وقت كان فيه الأوربيون يختلطون مع سكان طنجة وينفتحون عليهم، بل ويشيدون منازل على الطراز الأوربي بمساعدة عمال مغاربة ! من الكاتبات البريطانيات المرموقات اللواتي انخرطن في الحرب الإعلامية ضد المغرب قبل أزيد من 145 سنة من اليوم، نجد الكاتبة آميليا بيرير. توجد نسخ محدودة من الكتاب في أرشيف جامعة كاليفورنيا الأمريكية، بالإضافة إلى أرشيف مكتبات لندن ببريطانيا. ويقدم صورة سوداوية جدا عن المغرب، حيث عنونته بـ«شتاء في المغرب». والمثير أن الكتاب نُشر بالضبط في الفترة التي كانت الأشغال بعد عشرين سنة على مغادرة آميليا للمغرب، على قدم وساق لبناء ملغب الغولف ومضمار لسباق السيارات. أتيح للكاتبة دخول بعض المنازل بطنجة، وتقول إن أغلب المنازل كانت خالية تماما من الأثاث، باستثناء منازل الأغنياء فقد كانت تتوفر على فراش وأدوات من صنع مغربي خالص كما تقول. أما منازل الأثرياء اليهود فقد كانت تتوفر على قطع أثاث أوربية في مقابل فقراء اليهود الذين كانت منازلهم تخلو تماما من الفراش، وهو الأمر المشترك بينهم وبين باقي المغاربة. الساحل الطنجاوي كان ساحرا. أطلق عليه الإنجليز منذ القرن 19 اسم «مارينا». تقول آميليا إن مارينا طنجة كانت جميلة، عبارة عن مساحة بحرية محاطة بجدران سور المدينة. وكان يبدو منها بعض المنازل المترامية على الأطراف. بينما كانت الطريق المؤدية إلى الميناء مغطاة بالحمالين، الذين كانوا منهمكين في نقل السلع والبضائع المتوافدة على ميناء طنجة. تقول آميليا: «لا يسمح لأي مركب بالاقتراب من الميناء إلا عندما يتسلم الكابتن ترخيص الصحة من المركب الذي يسبقه. تحمل الباخرة بالإضافة إلى المسافرين والسلع، بريد الرسائل الذي يتكلف مغربي يهودي شاب بحمله كساعي بريد إلى المفوضية البريطانية، التي تتكلف رسميا به. كان مستحيلا أن يتم اختطاف اليهودي الشاب للوصول إلى بريد المفوضية البريطانية للحصول على الرسائل والجرائد. في أيام الشتاء يكون البريد متأخرا وغير منتظم. وكان عاديا أن تمر خمسة أيام دون وصول أي خبر من بريطانيا. عندما تصل سفينة أو مركب جديد يعلو الصياح في الميناء ويقفز الحمالون إلى الموج ممسكين بأطراف ثيابهم، ملوحين للمركب والمسافرون على متنه مترنحون مع حركة الموج. المسافرون المعذبون يحملون إلى الأرض إما فوق الكراسي الخشبية أو على أكتاف الحمالين الأقوياء، وأغلبهم يهود. كانوا ينظرون إلى حقائبهم المحجوزة عند الحمالين الذين كانوا نصف عراة». هذه الصورة البليغة لكيفية عمل الميناء في طنجة كافية لجعل الأجانب يعرفون أنهم باختيارهم التوجه إلى المغرب، فإنهم يكونون مقبلين على عالم آخر لم يكونوا في الحقيقة يعرفون عنه أي شيء. تقول آميليا أيضا إن بعض المسافرين المحظوظين كانوا يتبعون أغراضهم بالعين المجردة، ويرون كيف أن الحمالين يعتنون بها إلى أن يوصلوها إلى الفنادق، حيث سيقيم المسافرون الجدد. وهو أمر نادر، لأن السائد كان أن يعاني المسافرون الأجانب مع الجمارك المغربية، حيث كانوا ينظرون إلى «النصارى» بكثير من الاحتقار ويعتبرونهم دخلاء وغير آمنين. وهكذا كانت الحملة التي شنتها هذه الكاتبة، ومعها صحفيون وإعلاميون بريطانيون، تنال من الصورة التي كان يبنيها أجانب آخرون في صمت، بتعاون مع مغاربة انفتحوا مبكرا على الحياة العصرية، وأبرزهم الوزير المهدي المنهبي الذي كان اسمه لوحده كافيا لفتح الأبواب المغلقة، كما سنرى، بطنجة. مخزنيون نزعوا «الجلابة» وارتدوا «السروال» لممارسة التنس ! لا نبالغ إذا قلنا إن الرياضات العصرية في المغرب بدأت في إطار محاولات فك العزلة التي قام بها بعض الأجانب، الذين لم يطيقوا الملل والرتابة الكبيرين اللذين كانت تغرق فيهما طنجة، ومعها بقية مناطق المغرب بطبيعة الحال. إليكم هذا المقطع من مقال صحفي يتحدث عن نائب القنصل البريطاني بطنجة، والذي تعرض لمحاولة قتل في المغرب تدخل على إثرها القصر الملكي بأوامر من السلطان شخصيا لمنع تعريض حياة مزيد من البريطانيين للخطر بطنجة. حدث هذا في الوقت الذي كان البريطانيون يسعون فيه إلى بناء ملعب وفندق للاستجمام. يقول كاتب المقال، ومرافق القنصل في الوقت نفسه: «ذهبت إلى منزل مساعد القنصل الإنجليزي، السيد بيبي كارلتون. كان هذا السيد رائعا وعاملني بكل لباقة ولطف. يا له من إحساس بالترف بعد الحمام، ومتعة بطعام العشاء المطهي جيدا وقنينة من الشامبانيا. علامات العياء بادية علي، قادني السيد كارلتون إلى الأعلى ليريني غرفة النوم، وأجل الحديث كله إلى الغد. إحساس من الجنة ينتابك عندما تنزع ثيابك وتنام بين الأغطية النظيفة. أيقظتني باكرا أشعة الشمس التي لفحتني في وجهي متسللة من النافذة. بعد إفطار لذيذ مع مضيفي، توجهنا إلى الحديقة لنحظى بحديث وندخن معا. أول شيء قمت به أن أرسلت إلى صاحب البغال وأمرته أن يجهزها في اليوم نفسه، لأنني أردت أن أصل إلى طنجة في الليلة المقبلة إن أمكن. ما إن ظهر محمد، حتى اتخذ جميع الوسائل والأعذار ليحصل على يوم إضافي مع عائلته. لكن السيد بيبي كارلتون، كان له تأثير كبير على المغاربة، وأمره أن يكون جاهزا مع تمام الساعة العاشرة حتى نصل إلى طنجة في اليوم الموالي تماما. وعدته أيضا بمكافأة، إن نجح في إيصالي باكرا إلى طنجة. واصلت التدخين والجلوس في الحديقة لساعتين مع هذا الرجل الذي لم أر أكرم منه ضيافة. كان الإنجليزي الوحيد في المنطقة، بالإضافة إلى أخته التي كانت تتحدث العربية أكثر من الإنجليزية. كان يدير أعمالا تجارية مع المغاربة، الذين كانوا يهابونه ويحترمونه. أخبرني بقصص كثيرة، لكن أهمها قصة مفاوضاته مع صديقه الريسولي لإطلاق سراح القايد ماكلين. انطلقنا من «القصر» مع تمام الساعة الحادية عشرة، ضدا على مشيئة محمد. لحسن الحظ فإن الصبي لم يأت من «الشماشة» وتمنيت أن نسرع في الطريق حتى أكون في طنجة، بعد يوم ونصف. السيد كارلتون أعطى تعليماته الأخيرة لمحمد. الطريق التي سنعبرها ستأخذنا إلى بلدة خطيرة، لكنها ستوفر علينا ست ساعات. سنبيت الليل في قرية يحكمها رجال الريسولي، وسيرحب بنا هناك، وسيرافقنا رجاله إلى أن نتجاوز المنطقة الخطرة». رغم كل هذا فإن وجود رجل مثل الوزير السابق المهدي المنبهي أوقف فعلا عمليات استهداف هؤلاء الأجانب ومحاولات اغتيالهم، وكان أول من لعب رياضة التنس، بدعوة من القنصل البريطاني ونائبه في طنجة، حتى أنه حجز لنفسه مدربا أوربيا لكي يدربه على لعب التنس، وحصل على هدايا من أثرياء فرنسيين وإنجليز، كانت عبارة عن بذلات لممارسة رياضة التنس ومضارب وأحذية رياضية من أجود الماركات البريطانية. وهكذا نزع المخزني الذي كان وزيرا للحرب جلبابه المخزني وارتدى السروال الأوربي لكي يتبارى مع القناصلة والدبلوماسيين وأثرياء أوربا، على لعب التنس على وجه الخصوص، فوق تراب مدينة طنجة.